الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

المجلس الأعلى للصحافة.. والجهاد الأكبر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يبدو - بجلاء - أن البقاء على كرسى التحكم والسيطرة فى مهنة الصحافة، هو الغاية التى لا تطاولها غاية عند أعضاء وقيادات المجلس الأعلى للصحافة، ومن أجلها يخوضون وغى معركة غريبة حامية الوطيس تدور رحاها فى اللحظة الراهنة، وهي - فى نظرهم - الجهاد الأكبر الذى يبذلون فى سبيله الدماء والأرواح!!
صلاح عيسى وعصبته فى المجلس الأعلى للصحافة - الذى تشكل بإجراء معيب هندسه مغرضون فى عصر إرباك الدولة وسيطرة الطابور الخامس (عصر عدلى منصور) - يقاتلون الآن الجماعة الصحفية كلها من أجل بقائهم على كراسى المجلس والاحتفاظ بنفوذهم فى تشكيل أى هيكل أو كيان منظم لمهنة الصحافة فى المستقبل، ومن ثم إبقاء قدرتهم على تسكين أعضاء جماعتهم السياسية والأيديولوجية فى المناصب القيادية بالمؤسسات الصحفية القومية لتبقى حكرًا على تيار واحد وتؤمم التنوع، وتخصخص ساحات الاختلاف، فى عملية خانقة وشريرة، أبسط ملامحها تغييب المعايير التى بناء عليها ينبغى أن تكون طرائق وقرارات اختيار قيادات مؤسسات يملكها الشعب، وهى ليست كمؤسسات الإعلام والصحافة الخاصة التى يمكن أن يسود الميل والهوى والمزاج الفردى فى تعييناتها واستكتاباتها.
اليوم الصحفيون المصريون المكلومون فى جانب، وصلاح عيسى وعصبته فى جانب آخر، وللأسف منضمة إليه نقابة الصحفيين، بنقيبها ومجلسها، والتى كان يفترض أن تكون كيانًا مدافعًا عن مطالب أعضائها وحقوقهم، فإذا بها تنهمك فى التخديم على نزوات السيطرة Control Friks التى تلبست أعضاء اتجاه سياسى واحد فلم يعودوا قادرين على رؤية من لا ينتمى (تنظيميًا) لمجموعتهم.
ومرة أخرى فأنا على - المستوى السياسى والأيديولوجي - لست ضدهم ولكننى ضد أساليبهم التى تنزع إلى الاستفراد بمقدمة المشهد على غير أساس موضوعى، والتى هبطت بجماعتهم السياسية من مستوى كيان صحفى صاحب فكر، إلى مستوى عصابات الأرياف التى صارت ترفض أن يشاركها أحد فى الهيمنة على مجريات الأمور فى إحدى النواحى أو القرى التى تنشط فى زمامها والتى تفرض بلطجتها على أهاليها بسم البهائم وتقليع القطن والكمون بالمقاريط فى الحقول لاصطياد الضحايا عند عودتهم من الغيطان فى المغارب.
الجماعة الفكرية أو الأيديولوجية - فى مجتمع يغنى آناء الليل وأطراف النهار للديمقراطية والليبرالية والحرية والتنوع والاختلاف - ينبغى أن يقر فى فهمها أنها جزء من حوار وأنها لا تلقى علينا «مونولوج» وإنما هى جزء من توافق نغمى بين أصوات متعددة، أما أن يلجأ المجلس الأعلى للصحافة ونقابة الصحفيين إلى تشكيل عجيب - بليل - لما يسمى لجنة الخمسين التى تتكون من فصائل لا تنتمى إلى الأغلبية الكاسحة لقاعدة الكتلة التصويتية فى الجماعة الصحفية، ثم تبدأ لجنة الخمسين تلك فى صوغ قوانين منظمة للعمل الصحفى والإعلامى على غير إرادة جموع المهنيين، محاولة أن تفرض على الحكومة، لا بل على الدولة، ما تراه من أفكار وتوجهات دون أحقية أو شرعية أو مشروعية، فذلك هو عين الاستبداد.
صلاح عيسى المنهمك فى أدوار لم يطلب منه الصحفيون القيام بها، ولم تكلفه الدولة أو مؤسساتها بإنجازها، أصبح ترزى قوانين الاتجاه الذى ينتمى إليه، والذى قرر اختطاف اللحظة الصحفية وبسط سيطرته على المستقبل، وضمان خنق أى صوت يبشر باختلاف، يبدو الآن مثل الإمبراطور الرومانى الذى كان يخنق الأطفال لكيلا يظهر فيهم مسيح!
وحكاية الترزى ليست غريبة على صلاح عيسى فقد قام بمهمة شبيهة للرئيس الأسبق حسنى مبارك، حين كلفه بها وقتما اصطحبه إلى (أبوجا)، وهو - بالطبع - يتذكر تفاصيل هذا الملف، كما أن وقائع رحلته إلى ليبيا منذ أكثر من ثلاثة عقود ليجرى حوارًا مع العقيد القذافى، ويعود لينشر ذلك الحوار فى جريدة (الأهالي) تحت عنوان: (صقر العرب الوحيد)، ويكيل المديح للقذافى على نحو مخجل محاولًا (تفصيل) عباءات يلبسها للقذافى فى الحوار على نحو يستر عيوبه كقيادة استبدادية غريبة الأطوار، ويؤكد أن صلاح دائمًا يقوم (بالقص) و(السراجة) و(التفصيل) بمهارة كبيرة حتى أنه لا يحتاج إلى إجراء بروفات.
وهكذا - أيضًا - قام ببناء شخصية جريدة (القاهرة) التى أنشأها الوزير فاروق حسنى لتكون منارة صحفية/ ثقافية، فإذا بها تتحول على يدى صلاح عيسى، ترزى القوانين والصحف، إلى منبر ينخرط فى دفاع مستميت عن كل ما يقوله الوزير أو يفعله، وهو ما لم يطلبه منه فاروق حسني.
وعلى أية حال.. فإن أمامى ملفا متخما حول جريدة (القاهرة) ليس هذا مجال الإفصاح عن بعض ما فيه.
صلاح عيسى يوظف نفسه - الآن - بالكامل لخدمة مجموعة الصحفيين المظليين، الذين هبطوا على المؤسسات الصحفية القومية بالباراشوت، وقرروا اعتقال مشروع عبدالفتاح السيسى الوطنى التنموى والسياسى ليصبحوا الصحفيين الوحيدين الذين بإمكان الرئيس الاستعانة بهم، أو الحديث إليهم أو الاستماع إلى كلماتهم الممزوجة - غالبًا - بآرائهم.
هم استولوا على مؤسسات الشعب الصحفية التى بإمكان الرئيس مخاطبة الرأى العام عن طريقها، ليصبح بلا صحافة إلا الجرائد التى يسيطرون عليها، وبلا صحفيين إلا تلك الحفنة التى يقاتل المجلس الأعلى للصحافة ونقابة الصحفيين من أجل تثبيتها فى مواقعها أو تبديلها بطواقم أخرى تنتمى إلى نفس التيارات السياسية، على أن يظل هو المتحكم الوحيد فى تلك العملية.
هذه هى ملامح المعركة السائرة الدائرة الآن والجهاد الأكبر الذى يقوده جهاديو الصحافة فى المجلس الأعلى والنقابة ضد جموع الصحفيين الذين تركتهم الدولة يفترشون الغبراء ويلتحفون السماء ويواجهون وحدهم، بلا أي سلطة أو غطاء، استفراس ذلك التيار الوحيد الذى سيطر على مهن الإعلام والصحافة، والذى أرفض تسميته (السياسي) لأنه - فى تقديري - تجمع مصالح يحاول افتعال قضية أو انتحال صفة (سياسي) أو (ثوري).
اليوم يصطف الصحفيون مع وخلف رابطة أعضاء مجالس الإدارات والجمعيات العمومية المنتخبين (أكرر.. المنتخبين) الذين يخوضون معركة الدفاع عن حقوقهم ومصالحهم فى (حرب وجود) صحفية ضد المجلس الأعلى ومجلس النقابة اللذين تصورا أن الجهاد الأكبر هو احتفاظهما بالكراسى والتحكم فى المستقبل وشكله، وإقصاء كل الصحفيين من مشهد المؤسسات القومية، ليجلس أعضاء المجلس والنقابة على أطلالها وحدهم يتناجون ويشقشقون ويزقزقون، بعد فروغهم من ذلك الجهاد الأكبر!!