طرق التجارة البرية، وممرات ومضايق البحار التجارية، كانت وما زالت سببا لقيام وانهيار دول وحضارات.
الطريق الذى تسلكه حركة التجارة، هو طريق ينبت القوة والحياة والانتعاش بكل صوره الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
احتفلت مصر بافتتاح المجرى الملاحى الجديد فى قناة السويس، بعد إنجاز نوعى للدولة المصرية تمثل فى تقليل فترة المشروع من ٣ سنوات إلى سنة، وتوفير الأموال اللازمة للعمل بالاعتماد أولا على أموال المصريين من خلال تقديم شهادات وعوائد استثمار.
قناة السويس تحتل مكانا كبيرا فى الذاكرة المصرية والعربية والدولية حتى، من مؤسس مصر الحديثة محمد على باشا، من وقته بدأت الفكرة، إلى حفيده المدشن للقناة الخديو إسماعيل عام ١٨٦٩ إلى جمال عبدالناصر الذى أمم شركة القناة، لتندلع حرب العدوان الثلاثى عام ١٩٥٦ على مدن القناة، إلى أنور السادات الذى حقق النصر الأكبر لمصر من خلال حرب أكتوبر ١٩٧٣ والعبور للضفة الشرقية من قناة السويس المحتلة من إسرائيل، وصولا إلى الرئيس الحالى لمصر عبدالفتاح السيسى، الذى يفتتح غدا هذا المشروع الكبير فى قناة السويس، وأيضا تدشين المرحلة الثالثة من المشروع، وهى تنمية فضاء مدن القناة شرقا وغربا، وخلق محور حياة وتنمية جديدة فى مصر.
تقديرات تتحدث عن العائد الاستراتيجى الكبير من شق المجرى المائى الجديد، لتوفير حركة مزدوجة للسفن فى القناة، ويعنى ذلك تعزيز حركة السفن فى القناة لترتفع من ٤٩ سفينة يوميا الآن إلى ٩٨ سفينة وأكثر.
يذكر المؤرخون أن اكتشاف البرتغاليين لطريق رأس الرجاء الصالح البحرى والالتفاف على سواحل إفريقيا الغربية والشرقية، ومن ثم الانطلاق للقارة الآسيوية عبر المحيط الهندى، وجه ضربة شديدة للقوة المصرية والإسلامية التى كانت تمثلها دولة المماليك، فهى كانت المهيمنة على الطرق التجارية بين الشرق والغرب من خلال موانئ مصر ولبنان ثم الطرق البرية وصولا للخليج العربى. لكن مصر عادت للتأثير على عصب التجارة العالمية، ومعها السياسة، بشق قناة السويس وقت الملكية، والآن التوسعة الكبرى للقناة.
الممرات المائية الحيوية فى العالم القديم تقع كلها تقريبا، فى ديار العرب، هرمز، باب المندب، والسويس، وهناك منافسون منذ القدم لخلق رأس رجاء صالح جديد يتجنب المنطقة كلها، كما فعل البرتغاليون من قبل، وقد يحاوله الروس الآن.
قد يقول البعض، خصوصا أنصار الإخوان، إن ما جرى هو مجرد «تفريعة» جديدة، لا تستحق هذه «الهيصة» لكن ومع أن فرح المصريين ربما كان زائدا، إلا أنه يظل فى النهاية أننا فعلا أمام حدث كبير، عائده ليس فقط فى زيادة عدد السفن العابرة، بل فى التنمية التى ستطلقها مياه القناة الجديدة. والأهم من ذلك إثبات القدرة على الإنجاز والعمل والحياة، فى ظل ما نراه من انتحار جماعى للعقل العربى.
مياه السويس الجديدة، معبر جديد للأمل، قبل أن تكون ممرا للسفن. ومبروك لمصر وحلفائها.
نقلا عن الشرق الأوسط اللندنية