تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
الإرهاب كلمة منفرة ولكن ممارسته لا تثير نفس القدر من النفور لدى الجميع؛ لأن تلك الممارسة تسمى بأسماء أخرى، بحيث يصبح الأمر لغزا لدى البعض وتصبح التفرقة بين تلك المصطلحات أمرا بالغ الصعوبة، فعلى سبيل المثال كيف يمكن التفرقة بين “,”العنف السياسي“,” و“,”الإرهاب“,”؟ وهل ثمة إرهاب مشروع وآخر غير مشروع؟ يرى البعض أنه لو أقدم المظلوم المقهور على ممارسة الإرهاب حيال الظلمة القاهرين لا يعد إرهابيا؟ وفي المقابل يرى العديد وعلى رأسهم أنصار المقاومة السلمية أن الإرهاب إلى جانب رفضه أخلاقيا فإنه معدوم الجدوى على المدى الطويل كأداة لمقاومة الظلم.
غير أن قضية “,”المشروعية“,” تظل تثير العديد من الإشكاليات حول تحديد المخول بإضفاء غطاء شرعي على نوع محدد من أنواع الإرهاب دون سواه، ووضع القواعد المنظمة لممارسته، بحيث يعتبر من يتجاوز تلك القواعد خارجا على الشرعية.
إن من يمارس العنف أيا كان نوع العنف الذي يمارسه يستند عادة إلى نوع من “,”التبرير“,” أو “,”الموافقة“,” يلتمسها من مرجعية يختارها ويرتضيها، ويعتبرها مؤهلة لإدراج ممارساته ضمن أنواع “,”العنف المشروع“,”، وقد تتمثل تلك المرجعية في تأويلات معينة للقانون الوضعي أو للشريعة الدينية أو للعرف والتقاليد السائدة في إطار جماعة صغيرة أو كبيرة يرتضيها الفرد باعتبارها “,”الجماعة المرجعية“,” بالنسبة له.
وإني على بيان أن تلك المرجعيات لا تتفق في كل الأحوال بل قد تتناقض في أحيان كثيرة، بحيث يصبح مرتكب جريمة الثأر مثلا مدانا من حيث القانون مكرما بين أفراد عائلته، ويصبح “,”الإرهابي“,” الذي صدع لأمر “,”أمير الجماعة“,” مجرما من وجهة نظر القانون بطلا من وجهة نظر جماعته، مؤديا للواجب من وجهة نظر من أصدر إليه الأمر، والأمر أشد جلاء فيما يتعلق بالحروب بأنواعها؛ حيث لا يوجد عبر التاريخ دولة أو جماعة أو طائفة أعلنت أنها تشن حربا عدوانية غير شرعية مهما تجاوزت في تلك الحرب كافة القواعد الإنسانية، كل الأطراف المتقاتلة تعلن أنها تخوض حروبا دفاعية مشروعة بل ومقدسة في بعض الأحيان، وأنها حين تمارس “,”الإرهاب“,” فإنها تمارسه مضطرة مجبرة.
إن مصطلحات “,”الإرهابي“,” و“,”الانتحاري“,” تطلق عادة على “,”الآخر“,”، ونادرًا ما يصف بها الفرد نفسه أو جماعته، والأمر على العكس بالنسبة لصفات “,”الفدائي“,”، و“,”الاستشهادي“,”، فإنها لا تطلق قط على من ينتمون لجماعة معادية، إن تعبيريّ “,”الاستشهادي“,” و“,”الإرهابيّ“,”- على سبيل المثال- غالبًا ما يتكرر إطلاقهم على نفس الشخص في نفس الواقعة، من مصدرين مختلفين، ويكمن الفارق الوحيد في طبيعة جماعة الانتماء التي يعبر عنها صاحب التوصيف.
ويتم عادة الربط بين “,”الاستشهاد“,” والدين الإسلامي؛ رغم أن كلمة الشهيد قد ارتبطت بشكل أوثق بالتاريخ المسيحي، وأطلق تعبير “,”عصر الشهداء“,” على تلك الحقبة من التاريخ المسيحي التي لاقى فيها المسيحيون الأهوال على أيدي الرومان، ولم تلحق النكهة الدينية الإسلامية بتعبير الاستشهاد إلا في حقبة متأخرة من التاريخ الإسلامي لجعله أمرا محببا لدى من يقدمون عليه ويدفعون إليه.
ولعله مما يستدعي النظر أن القرآن الكريم حين حذر المسلمين من الارتداد عن دينهم بعد أن يلحق الرسول صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى لم يذكر لفظ الاستشهاد بل قال سبحانه “,”وَمَا مُحَمَّدٌ إلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإن مَّاتَ أوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِى اللهُ الشَّاكِرِينَ“,” (آل عمران: 144).
-----------------
[email protected]