أكتب هذه السطور، ودافعى الأول إليها هو الشعور بأن هذا المسلسل قد ظلم بالهجوم المبكر عليه!.. مع أنه فيما نرى أنضج الأعمال العديدة التى جمعت بين النجم عادل إمام والمؤلف يوسف معاطى.. إنه مسلسل «أستاذ ورئيس قسم»، إخراج وائل إحسان.
مشكلة مسلسل عادل إمام الأولى أن بطله هو عادل إمام!.. لأنه يؤدى شخصية بطل المسلسل، وهو دور الأستاذ الجامعى الدكتور «فوزى جمعة»، أحد المعارضين الوطنيين البارزين، كما أنه ينتمى إلى اليسار بوجه عام، ويبدأ المسلسل بمواقف هذا المعارض بصلابة لنظام مبارك، والذى يلتف من حوله ويتأثر به شباب من حزبه (اليسار الجديد) ومن الحركة الوطنية المعارضة عامة، ونراه يردد ويهتف بوضوح وتحديد، ذلك الشعار الوطنى المشهور قبل ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١: (لا للتمديد.. لا للتوريث)، أى لا.. لتمديد حكم مبارك الأب، ولا.. لتوريثه الحكم لمبارك الابن.. وهو شعار يلخص ذروة المأساة والمسألة المصرية قبيل الثورة، والتى تفجرت ثورة شعبية هادرة لا تبقى ولا تذر، إثر ذلك وفى مواجهته.. ومشكلة عادل إمام أنه كممثل ونجم وشخصية عامة، بل ونجم النجوم وزعيمهم كما تصاحب الألقاب اسمه عادة فى وسائل الإعلام.. لم يعرف عنه قط أى موقف سياسى على هذا النحو، بل وكانت ترد فى تصريحاته أحياناً مواقف على النقيض.. وفى أولى لحظات الثورة وردت على لسانه بسرعة كلمات لا تؤيدها بل لا تتفهمها وبدت فى صف النظام أكثر، لكن من دون فجاجة كما ورد على لسان بعض زملائه (طلعت زكريا مثال شهير!).. لكن عادل إمام لم يلبث أن تدارك، وخلال ملحمة الثمانية عشرة الأولى للجماهير فى ميدان التحرير وغيره من ميادين الثورة، وقبل أن تنقضى أبدى تفهماً للثورة وما يمكن اعتباره وقوفاً فى صفها.
وتدور حلقات مسلسل «أستاذ ورئيس قسم»، ما بين مقدمات ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١ ضد نظام مبارك ووقائع وملابسات ما بعدها، وصولاً إلى مقدمات ثورة الشعب الثانية وتفجرها فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣ ضد حكم جماعة الإخوان.. وعلى امتداد هذه الحلقات الثلاثين، يلتزم المسلسل من أول لحظة إلى آخر لقطة، بموقف التأييد الكامل، بوضوح وجلاء لهاتين الثورتين الشعبيتين العظميين.. من دون أدنى تردد، أو تحفظات من أى نوع أو أى درجة: وهو ما يحسب للمسلسل من غير أى شك.. هل لم توجد أخطاء فى التناول السياسى لوقائع الثورتين؟.. نعم توجد، لكن ليس من نوع الأخطاء الفادحة.
فهل عادل إمام يعتذر بهذا المسلسل عن مواقفه الشخصية المختلفة عن ذلك قبل ثورة ٢٥ يناير، أو المتذبذبة أمامها المرتبكة عند تفجرها؟يمكن بالفعل لمن شاء أن يعتبره اعتذاراً ويقبله، بل وأن يعتبره تتويجاً فنياً وفكرياً ناضجاً لمشواره كله، أو لا يعتبره كذلك ويصر على موقف سلبى من النجم الكبير فى خصوص هذه المسألة.
كما يمكن لمن شاء، إذا استطاع أو استساغ، أن يفصل بين مواقف النجم القديمة، ومواقف شخصية «أستاذ ورئيس قسم» معارض يؤديها النجم، وأحسب أن كثيرين قد استطاعوا ذلك واستساغوا.. لكن بعد مرور بضع حلقات، بدأوا يشعرون بعدها بجدية موقف المسلسل بل وإجادة التعبير عنه وتجسيده درامياً وفنياً إلى حد يتعذر على ناقد أو مشاهد «جيد وجاد» إنكاره والتقليل من شأنه!
ونلاحظ أن «أستاذ ورئيس قسم» هو أنضج مسلسلات عادل إمام الأخيرة من جهة الإخراج، وكانت مقدرة المخرج وائل إحسان واضحة فى إشعارنا بالتدفق الدرامى فى سلاسة وجاذبية، ببساطة من دون تسطيح، أو منطقة ملل، كما كانت واضحة فى إدارة العناصر الفنية ككل بنضج ودراية بدون أى حذلقة أو افتعال، وفى إدارة الممثلين من مختلف الأجيال إلى الأطفال.. وقد وفق على سبيل المثال وبرع أحمد بدير فى دور الوصولى الساعى إلى المناصب على أى نحو وبأى ثمن (ما اشتهر عنه فى مجتمعنا بنمط «عبده مشتاق»!)، وأحمد راتب فى دور شخصية مهمة ممن يعرفون «بالخلايا النائمة» التى لا نكتشف أنها تنتمى إلى صفوف «جماعة الإخوان المسلمين» إلا بغتة فى ظرف كاشف ولحظة معينة!.. ورأينا فى أحسن مستويات أدائهم أحمد حلاوة وصفاء الطوخى ولقاء سويدان.. وسعدنا بعودة طلة نجوى إبراهيم، وكانت أمام الكاميرا أفضل من أى توقع خاصة مع طول غياب عن التمثيل وحتى عن كاميرا تقديم البرامج!.. ومثلت مع الممثل الكبير رشوان توفيق ثنائياً مشعاً معبراً عن «زمن جميل» بمعنى من المعانى.وقدم المسلسل بقوة وجوهاً موهوبة متميزة، وكأفضل ما يكون التقديم: محمد عبدالرحمن فى دور «شحاتة» السواق الذى يحب مثله الأعلى «المعارض اليساري» فوزى جمعة، فينتمى لليسار ويحاول كتابة نوع من الشعر، وأحمد فتحى فى دور «أبو الفتوح» الذى يختفى فوزى فى شقته لفترة، ومحمد عادل فى دور المجند الشهيد.. وغيرهم، إلى جانب الطفلين المميزين هالة ملك عصام وأحمد بركات.