السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

هل يجب علينا تكريم مبارك الآن؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أقدر حالة الغضب العارمة التى اجتاحت من يطلقون على أنفسهم أبناء مبارك، أعرف أنهم غاضبون بالفعل، بسبب محو اسمه وصورته وذكره من على جدارية قناة السويس، إنهم لا يزالون على قناعة بأنه ظلم، وأنه لاقى ما لا يستحق من السجن والتشهير، وهم أحرار فيما يعتقدون بالطبع، فلا أستطيع أن ألومهم على ما يتصورون أنه حق.
لكن لماذا نناقش الأمر بهدوء؟
عندما خرجت ملايين الشعب المصرى لخلع مبارك، لم يكن اعتراضهم فى حقيقته على أنه فاسد، ولكن لأنه أفسد كل ما أنجزه خلال سنوات حكمه الأولى، ولأنه كان عنيدًا، لم يتعلم الدرس، حشد معظم المصريين كل قوتهم لإزاحته، والتشهير به، وتصويره على أنه الشيطان الأعظم، وهو ما يحتاج مبارك وكل من يدافع عنه إلى سنوات طويلة لإزالته، فقد لحق بجسده تراب كثيف، واعتبرته أجيال عديدة المسئول عن تجريف مصر، ووصولها إلى حالة من التردى، لو كان أعتى خصومها تولى مسئوليتها خلال فترة حكمه، ما تمكن من إرهاقها إلى هذه الدرجة.
بعد شهور قليلة من رحيل مبارك، أشرت إلى أن التاريخ حتما سيقول كلمة فصل فى هذا الرجل، بعيدًا عن حالة التشهير العظمى التى حاصرناه بها، هو نفسه كان يعى ذلك، قال فى خطابه الثانى، إن التاريخ سيحكم بما له وما عليه.
لكن الأزمة الآن أن هناك من يتعجل حكم التاريخ، ويريده أن يصدر على هواه، هناك من يريد أن يفرض علينا تكريمًا لمبارك ولعصره، ضاربين عرض الحائط، بأن الحالة المزاجية العامة لمعظم المصريين لا تسمح بهذا ولا تقبله، وأعتقد أنها لا يمكن أن تتسامح فيه.
من حق الأعداد القليلة التى تحب مبارك وتراه أعظم قائد فى التاريخ، أن تعبر عن نفسها بالطريقة التى تريدها، أن تحتج على عدم وضع صورته فى جدارية القناة، أن تستاء من عدم ذكر اسمه فى الاحتفالات العسكرية بأكتوبر، أن تنظم وقفات احتجاجية على تجاهله فى المناسبات الرسمية، أن تدشن صفحات على الفيس بوك، تعتذر فيها له، وتعدد فيها أمجاده وإنجازاته، لكن ليس من حقها أبدًا أن تفرض مزاجها الخاص على الغالبية العظمى من المصريين.
لقد دخلنا عصرًا مختلفًا بالفعل، عصرا نريد فيه أن نبنى مصر جديدة، نقطع الصلة فيها بكل ما هو سيئ وفاسد وفاشل، ونتواصل مع أيام المجد فى تاريخنا، فوحدها هى التى ستمنحنا القدرة على أن نواصل العمل، أما أن نتوقف عند تجربة مرة ومريرة، لم تورثنا إلا الحزن والألم، فهذا ليس من العقل أو المنطق.
إننى أرى الرئيس الأسبق مبارك أعقل كثيرًا وأبعد حكمة من هؤلاء الذين يتحدثون باسمه، ويزايدون علينا بما فعله، إنه يلتزم الصمت، وعندما يتحدث، يقول كلامًا عاقلًا ودبلوماسيًا ومتزنًا، فهو يعرف أن الزمن تجاوزه، ولا يمكن لأحد أن يعيد ما فات، ومن يحاول فهو إما ساذج أو مجنون.
بعد سنوات قد تطول، سيأخذ مبارك حقه كاملًا، سيأتى من يقيم تجربته العسكرية والسياسية بعيدًا عن حالة الاستقطاب السياسى الطاحنة التى نعيشها، ليس بين أبناء الشعب المصرى والإخوان المسلمين فقط، ولكن بين من ينسبون أنفسهم لمبارك، وبين من ثاروا عليه، وكانوا يرون فى الثورة عليه ضرورة وطنية، يقتضيها مستقبل هذا الوطن الذى يضيع على يد حكام مستهترين، يتعاملون معه على أنه ضيعة، يورثونها لأبنائهم، ولا أتحدث عن مبارك فقط، ولكن أتحدث عن الجميع.
إننا فى مفترق طرق، ولو جاز لى الحديث المباشر مع من يسمون أنفسهم أبناء مبارك، فإننى سأنصحهم أن يتخففوا من عبء الدفاع عن الرجل، ومحاولات إرغام الشعب على الاعتراف له بما لا يقره، عليهم أن يكفوا عن إقحامه فى كل حادث وحدث وحديث، لأنهم بذلك يضرونه أبلغ الضرر، ويحشدون ضده من ثاروا عليه فى كل مرة، والأكثر من هذا أنهم يضعون النظام الحاكم فى حرج بالغ، هذا النظام الذى يبنى شرعيته على أن ثورة ٢٥ يناير قامت ضد الفساد، و٣٠ يونيو قامت ضد الفاشية الدينية والخيانة، أى أن النظام إجمالًا يعادى سياسات مبارك، ولا يمكن له أن يتصالح مع ما جرى بأى شكل من الأشكال. هناك أشياء كثيرة يمكن أن يقوم بها أبناء مبارك غير التمسك بثوب الرجل العجوز، الذى أصبح فعلًا جزءًا من التاريخ، فهل سيقومون بها، أم يظلون فى محاولاتهم اليائسة والبائسة لإعادة عجلة الزمن إلى الوراء، أتعشم أن يكونوا أكثر عقلًا وحكمة من ذلك... أتعشم.