حين قامت ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ المجيدة رفعت شعار التنمية المستدامة فى ضوء هدف استراتيجى هو تحقيق العدالة الاجتماعية.
وكانت هذه الثورة فى الواقع نقلة كيفية فى مسار تطور المجتمع المصرى، وذلك لأنه فى الحقبة الليبرالية التى يؤرخ لها عادة بوضع دستور عام ١٩٢٣ حتى عام ١٩٥٢ تم التركيز على الديمقراطية باعتبارها الهدف الأسمى. ولذلك قامت ممارسة ديمقراطية عمادها التعددية الحزبية، وضمانات دستورية لحرية التفكير وحرية التعبير.
وفى ضوء ذلك مارس المثقفون المصريون من كل الاتجاهات حريتهم فى التفكير والتعبير، وإن كانت قيدت هذه الحرية السياسية فى وزارات الأقلية التى حكمت على حساب حزب الوفد صاحب الأغلبية الجماهيرية الساحقة نتيجة تواطؤ القصر الملكى وسلطة الاحتلال الإنجليزى.
ومعنى ذلك أن الممارسة الديمقراطية الليبرالية كانت منقوصة فى الواقع بحكم سلطة الاحتلال البريطانى، والتى كان يمثلها المندوب السامى البريطانى الذى كان يتدخل لتعويق المسيرة الديمقراطية، ويعنى ذلك عملًا استبعاد حزب الوفد من الحكم.
غير أنه فى نفس الحقبة الليبرالية ارتفعت الصيحات الرجعية للهيئات والجماعات الإسلامية التقليدية سواء ذلك الأزهر أو الجماعات الدينية المتعصبة ضد ممارسة حرية التفكير وحرية التعبير.
وقد شهدت هذه المرحلة حادثتين تاريخيتين مهمتين هما قضية الدكتور «طه حسين» حين نشر كتابه عن «الشعر الجاهلى»، والذى أثار ضجة كبرى لأنه طبق منهج «الشك الديكارتى» فيما يتعلق بنشوء وتطور الشعر الجاهلى، واعتبرته الأصوات الجاهلة هجومًا على التراث الإسلامى، ولذلك صدر قرار بفصل «طه حسين» من الجامعة، واضطر إلى إعادة نشر كتابه مرة ثانية بعد حذف بعض الفصول التى أثارت الجدل.
والحادثة الثانية هى نشر الشيخ «على عبد الرازق» كتابه الشهير «الإسلام وأصول الحكم»، والذى نفى فيه أن الشريعة الإسلامية تتضمن نظامًا سياسيًا محددًا سواء كان ذلك الخلافة أو غيرها. وحوكم الشيخ «على عبد الرازق» وقام الأزهر بسحب شهادة العالمية منه.
وخلاصة المرحلة الليبرالية أنها حاولت ممارسة الديمقراطية، وإن كانت منقوصة بحكم وجود الاحتلال البريطانى، ولكن أهم من ذلك أن قضية العدالة الاجتماعية غيبت تماما من الممارسة مما أدى إلى نشوء مشكلة اجتماعية عميقة تتمثل فى الفجوة الطبقية الكبرى بين من يملكون ومن لا يملكون فى ريف مصر وحضرها.
وهكذا يمكن أن نستخلص العبرة من الممارسة السياسية والاجتماعية والثقافية للمرحلة الليبرالية، وهى أنه لا ديمقراطية بغير عدالة اجتماعية ولا حرية فكرية حقيقية فى ظل وجود مؤسسات وجماعات دينية متزمتة كالجماعات الدينية المتطرفة مثل جماعة الإخوان المسلمين.
ونتيجة لفشل الأحزاب السياسية الليبرالية فى حل المشكلة السياسية التى تتمثل فى إجلاء قوات الاحتلال الإنجليزى، والمشكلة الاجتماعية التى تبدو فى التفاوت الطبقى الرهيب قام الانقلاب العسكرى فى ٢٣ يوليو ١٩٥٢ والذى تحول إلى ثورة نتيجة إعلانه وتطبيقه لمفهوم التنمية المستدامة، والذى يقوم أساسًا على تحقيق العدالة الاجتماعية فى ظل نهضة صناعية شاملة بالإضافة إلى الإصلاح الزراعى.
غير أن العبرة المستخلصة من الحقبة الناصرية أنها بإلغائها الأحزاب السياسية واعتمادها على الحزب الواحد- سواء اتخذ شكل الاتحاد القومى أو الاتحاد الاشتراكى- فإنها فى الواقع تكون قد ألغت بعدًا مهمًا وأساسيًا من أبعاد الديمقراطية وهى الحرية السياسية.
ولأنها قيدت إلى حد كبير من حرية التفكير والتعبير فإنها تكون قد استبعدت جانبًا مهمًا من أبعاد الديمقراطية، وإذا كانت الحقبة الساداتية كانت تمثل تراجعًا عن مشروع العدالة الاجتماعية، وهو التراجع الذى تعمق بشدة فى عصر الرئيس السابق «مبارك»، وهو الذى أدى فى الواقع إلى قيام ثورة ٢٥ يناير المجهضة.
لأن جماعة الإخوان المسلمين استطاعت أن تسرق الثورة تمهيدًا لأخونة الدولة وأسلمة المجتمع.
وقد ثار الشعب المصرى بكل طوائفه فى ٣٠ يونيو لإسقاط حكم الإخوان الديكتاتورى وما تلاه فى ٣ يوليو من إعلان خارطة الطريق التى أعلنها باسم القوات المسلحة وزير الدفاع فى هذا الوقت الفريق أول «عبد الفتاح السيسى».
وقد تم تنفيذ خارطة الطريق بإصدار الدستور الجديد وانتخاب «السيسى» رئيسًا للجمهورية بأغلبية ساحقة وتبقى خطوة الانتخابات البرلمانية.
ويمكن القول أنه بعد استعراض ملامح التطور المصرى منذ دستور عام ١٩٢٣ وانقضاء المرحلة الليبرالية ونهاية المرحلة الناصرية، فإننا اليوم أمام تحديات أساسية تواجه النهضة المصرية المرتقبة.
ولعل أول تحدٍ هو تحقيق ديمقراطية مصرية جديدة لا تقوم بالضرورة على الانتخابات التقليدية، والتى ثبت أنها قد لا تحقق إرادة الشعب الحقيقية، وإنما تؤسس على «الديمقراطية التشاركية» البازغة فى العالم، والتى تحتاج إلى إبداع فكرى وسياسى حقيقى حتى تتبلور ملامحها من ناحية، وتحتاج أيضًا إلى ممارسة كاملة لحرية التفكير وحرية التعبير بلا حدود ولا قيود.
وفى تقديرنا أن افتتاح قناة السويس الجديدة هو إعلان جهير عن قيام مشروع ثورى للنهضة المصرية يحقق التآلف الخلاق بين الحرية السياسية من جانب والعدالة الاجتماعية من جانب آخر فى ظل أوسع دائرة لحرية الفكر والتعبير.
وكانت هذه الثورة فى الواقع نقلة كيفية فى مسار تطور المجتمع المصرى، وذلك لأنه فى الحقبة الليبرالية التى يؤرخ لها عادة بوضع دستور عام ١٩٢٣ حتى عام ١٩٥٢ تم التركيز على الديمقراطية باعتبارها الهدف الأسمى. ولذلك قامت ممارسة ديمقراطية عمادها التعددية الحزبية، وضمانات دستورية لحرية التفكير وحرية التعبير.
وفى ضوء ذلك مارس المثقفون المصريون من كل الاتجاهات حريتهم فى التفكير والتعبير، وإن كانت قيدت هذه الحرية السياسية فى وزارات الأقلية التى حكمت على حساب حزب الوفد صاحب الأغلبية الجماهيرية الساحقة نتيجة تواطؤ القصر الملكى وسلطة الاحتلال الإنجليزى.
ومعنى ذلك أن الممارسة الديمقراطية الليبرالية كانت منقوصة فى الواقع بحكم سلطة الاحتلال البريطانى، والتى كان يمثلها المندوب السامى البريطانى الذى كان يتدخل لتعويق المسيرة الديمقراطية، ويعنى ذلك عملًا استبعاد حزب الوفد من الحكم.
غير أنه فى نفس الحقبة الليبرالية ارتفعت الصيحات الرجعية للهيئات والجماعات الإسلامية التقليدية سواء ذلك الأزهر أو الجماعات الدينية المتعصبة ضد ممارسة حرية التفكير وحرية التعبير.
وقد شهدت هذه المرحلة حادثتين تاريخيتين مهمتين هما قضية الدكتور «طه حسين» حين نشر كتابه عن «الشعر الجاهلى»، والذى أثار ضجة كبرى لأنه طبق منهج «الشك الديكارتى» فيما يتعلق بنشوء وتطور الشعر الجاهلى، واعتبرته الأصوات الجاهلة هجومًا على التراث الإسلامى، ولذلك صدر قرار بفصل «طه حسين» من الجامعة، واضطر إلى إعادة نشر كتابه مرة ثانية بعد حذف بعض الفصول التى أثارت الجدل.
والحادثة الثانية هى نشر الشيخ «على عبد الرازق» كتابه الشهير «الإسلام وأصول الحكم»، والذى نفى فيه أن الشريعة الإسلامية تتضمن نظامًا سياسيًا محددًا سواء كان ذلك الخلافة أو غيرها. وحوكم الشيخ «على عبد الرازق» وقام الأزهر بسحب شهادة العالمية منه.
وخلاصة المرحلة الليبرالية أنها حاولت ممارسة الديمقراطية، وإن كانت منقوصة بحكم وجود الاحتلال البريطانى، ولكن أهم من ذلك أن قضية العدالة الاجتماعية غيبت تماما من الممارسة مما أدى إلى نشوء مشكلة اجتماعية عميقة تتمثل فى الفجوة الطبقية الكبرى بين من يملكون ومن لا يملكون فى ريف مصر وحضرها.
وهكذا يمكن أن نستخلص العبرة من الممارسة السياسية والاجتماعية والثقافية للمرحلة الليبرالية، وهى أنه لا ديمقراطية بغير عدالة اجتماعية ولا حرية فكرية حقيقية فى ظل وجود مؤسسات وجماعات دينية متزمتة كالجماعات الدينية المتطرفة مثل جماعة الإخوان المسلمين.
ونتيجة لفشل الأحزاب السياسية الليبرالية فى حل المشكلة السياسية التى تتمثل فى إجلاء قوات الاحتلال الإنجليزى، والمشكلة الاجتماعية التى تبدو فى التفاوت الطبقى الرهيب قام الانقلاب العسكرى فى ٢٣ يوليو ١٩٥٢ والذى تحول إلى ثورة نتيجة إعلانه وتطبيقه لمفهوم التنمية المستدامة، والذى يقوم أساسًا على تحقيق العدالة الاجتماعية فى ظل نهضة صناعية شاملة بالإضافة إلى الإصلاح الزراعى.
غير أن العبرة المستخلصة من الحقبة الناصرية أنها بإلغائها الأحزاب السياسية واعتمادها على الحزب الواحد- سواء اتخذ شكل الاتحاد القومى أو الاتحاد الاشتراكى- فإنها فى الواقع تكون قد ألغت بعدًا مهمًا وأساسيًا من أبعاد الديمقراطية وهى الحرية السياسية.
ولأنها قيدت إلى حد كبير من حرية التفكير والتعبير فإنها تكون قد استبعدت جانبًا مهمًا من أبعاد الديمقراطية، وإذا كانت الحقبة الساداتية كانت تمثل تراجعًا عن مشروع العدالة الاجتماعية، وهو التراجع الذى تعمق بشدة فى عصر الرئيس السابق «مبارك»، وهو الذى أدى فى الواقع إلى قيام ثورة ٢٥ يناير المجهضة.
لأن جماعة الإخوان المسلمين استطاعت أن تسرق الثورة تمهيدًا لأخونة الدولة وأسلمة المجتمع.
وقد ثار الشعب المصرى بكل طوائفه فى ٣٠ يونيو لإسقاط حكم الإخوان الديكتاتورى وما تلاه فى ٣ يوليو من إعلان خارطة الطريق التى أعلنها باسم القوات المسلحة وزير الدفاع فى هذا الوقت الفريق أول «عبد الفتاح السيسى».
وقد تم تنفيذ خارطة الطريق بإصدار الدستور الجديد وانتخاب «السيسى» رئيسًا للجمهورية بأغلبية ساحقة وتبقى خطوة الانتخابات البرلمانية.
ويمكن القول أنه بعد استعراض ملامح التطور المصرى منذ دستور عام ١٩٢٣ وانقضاء المرحلة الليبرالية ونهاية المرحلة الناصرية، فإننا اليوم أمام تحديات أساسية تواجه النهضة المصرية المرتقبة.
ولعل أول تحدٍ هو تحقيق ديمقراطية مصرية جديدة لا تقوم بالضرورة على الانتخابات التقليدية، والتى ثبت أنها قد لا تحقق إرادة الشعب الحقيقية، وإنما تؤسس على «الديمقراطية التشاركية» البازغة فى العالم، والتى تحتاج إلى إبداع فكرى وسياسى حقيقى حتى تتبلور ملامحها من ناحية، وتحتاج أيضًا إلى ممارسة كاملة لحرية التفكير وحرية التعبير بلا حدود ولا قيود.
وفى تقديرنا أن افتتاح قناة السويس الجديدة هو إعلان جهير عن قيام مشروع ثورى للنهضة المصرية يحقق التآلف الخلاق بين الحرية السياسية من جانب والعدالة الاجتماعية من جانب آخر فى ظل أوسع دائرة لحرية الفكر والتعبير.