أعرف أن صورة المشير طنطاوى التي سجلت اشتراكه في حفل الكلية الحربية صباح الخميس «٣٠ يوليو» استفزت كثيرين ممن يُحمّلون الرجل مسئولية وصول جماعة الإخوان المسلمين إلى الحكم، وهو ما جر- ولا يزال- علينا ويلات كثيرة، ومواجهات عنيفة كنا في غنى عنها تمامًا.
ويأخذ البعض ممن طالبوا بمحاكمة المشير طنطاوى- في فترات سابقة- على القيادة السياسية أنها تحتفى بدرجة كبيرة بالرجل الذي أفلتت من بين يديه المرحلة الانتقالية، فدعاه إلى الاحتفال بذكرى حرب أكتوبر الأربعين في ٢٠١٣، حيث كان جالسًا في الصفوف الأولى إلى جوار الرئيس ووزير الدفاع والسيدة جيهان السادات، ثم أطلقوا اسمه على مسجد ومحور، ولا يخفى على أحد ما قاله السيسى في أحد تسجيلاته، من أن ما جرى في ٣٠ يونيو كان للمشير طنطاوى دور كبير فيه.
لم يفصح السيسى عما يقصده بدور المشير طنطاوى، يكتفى كعادته في أشياء كثيرة بأنه يعرف، وما دام يعرف فلا بد أن تقتنع بما يفعله، حتى لو كنا لا نعرف شيئًا مما يعرفه هو.
في نقاش عابر مع شخصية سياسية بارزة، قال لى إن المشير طنطاوى يستحق التكريم ليس بسبب ما فعله وهو يدير شئون البلاد بعد أحداث ثورة ٢٥ يناير، ولكن بسبب ما لم يفعله بعد خروجه من منصبه كوزير للدفاع، كان يمكنه أن يتحدث، أن يجمع حوله معارضى الإخوان، كان يمكنه أن يسعى في تأسيس حزب سياسي، كان يستطيع أيضًا أن يعود إلى الساحة السياسية وبقوة، عندما طلب منه محمد مرسي أن يتدخل لدى السيسى في الأيام التي سبقت ٣٠ يونيو، معتقدًا أن الرجل سيستجيب، لكنه رفض بقوة، تاركًا الأمر كله للجيش، فقد كان ينظر إلى وحدة المؤسسة العسكرية التي وهبها كل حياته.
السياسي البارز يرى أن ما لم يفعله طنطاوى كان أعظم بكثير مما فعله خلال الفترة الانتقالية، ورغم اتفاقى معه في جوانب محددة مما قاله، إلا أننى أرى ضرورة تكريم المشير محمد حسين طنطاوى شعبيًا - وليس رسميًا هذه المرة- بسبب ما فعله خلال الفترة الانتقالية.
كان مبارك في جلسات خاصة كثيرة، وردًا على عدم تعيينه نائبًا للرئيس، يقول: وأجيب نائب ليه، الجيش موجود لو حصلت أي أزمة هينزل ويحمى البلد، وهو ما حدث بالفعل في ٢٥ يناير و٣٠ يونيو، في الأولى كان بطل المشهد بامتياز هو المشير طنطاوى والذين معه، اختار من اللحظة الأولى الانحياز إلى الشعب ومطالبه التي وصفتها بيانات القوات المسلحة بالمشروعة، رفض تولى منصبى نائب الرئيس ورئيس الوزراء، لمعرفته أن قبوله كان سيورطه ويورط الجيش من ورائه في صراع سياسي، سيخصم من رصيده ومكانه ومكانته لدى الشعب.
رهان المشير طنطاوى في اللحظة التي رفض فيها عروض مبارك لم يكن شخصيًا على الإطلاق، كان وطنيًا بشكل كامل، لم يكن يبحث عن إنقاذ رقبته، بل كان يبحث عن حل للأزمة التي كانت تهدد بإحراق الأخضر واليابس، عرف طنطاوى في لحظة قدرية أنه ليس في موضع اختيار، كان أمامه طريق واحد ليسلكه، فسلكه، صانعًا أقداره، ومحولًا دفة التاريخ.
استجاب المشير طنطاوى لمطالب القوى المدنية، وليس خافيًا على كثيرين أنه قدم دعمًا لأحزاب مدنية، في محاولة لتقويتها أمام الأحزاب الإسلامية، حاول استيعاب شباب الثورة اعتقادًا منه أنهم على قدر المسئولية، لكن تبين أنهم جميعًا كانوا وهمًا وسرابًا، استطاعت جماعة الإخوان أن تهزمهم بالضربة القاضية، فلم يكن له أن يقف أمام المارد الذي أطلقته الثورة من كهفه، فقد كان الوحش جائعًا ومستعدًا لافتراس كل من يقف في طريقه.
بعد طرد الإخوان المسلمين من السلطة، خرج من يقول إن المشير طنطاوى كانت لديه رؤية ووجهة نظر، فهو لم يسلم البلد للإخوان كما يقولون، ولكنه سلم الإخوان للشعب، ليرى على الطبيعة أنهم ليسوا أكفاء، ولن يستطيعوا أن يقوموا بأعباء حكم مصر، بل سيقعون في أخطاء قاتلة، تجعل الشعب يثور عليهم ويسقط شرعيتهم، وبعدها لن تقوم للجماعة قائمة.
لم أقتنع بهذا الطرح أبدًا، تعاملت معه على أنه مزايدة في غير محلها، ومحاولة لتبرئة الرجل من جرم لم يرتكبه، فقد قام على إدارة شئون البلاد، وترك السياسة تتفاعل على الأرض، فكان أن استطاع الإخوان خداع الجميع واللعب بهم والوصول إلى السلطة بسهولة، أعتقد أنهم أنفسهم لم يتخيلوها.
تحدث كثيرون عن المشير طنطاوى، بالغ البعض في مدحه، وبالغ البعض في ذمه، وظل هو صامتًا، لم يتحدث عن حقيقة ما جرى، ولا عما فكر فيه وأراده، وأعتقد أنه عندما يتحدث ستتغير حقائق كثيرة، وسيعيد كثيرون النظر في دور الرجل في الحياة السياسية المصرية، حتى يتحدث المشير طنطاوى، وهو أمر أعرف أنه صعب، فكثير من القادة العسكريين يحجمون عن كتابة مذكراتهم، على اعتبار أن ما جرى ليس ملكًا لهم وحدهم، ولكنه أسرار دولة، فإننى أدعو إلى تكريم شعبي للمشير طنطاوى، تشارك فيه أحزاب سياسية وجمعيات مجتمع مدنى وجامعات وشخصيات عامة، فهذا حقه، لن نمن عليه به، ثم أن تكريم الكبار وهم على قيد الحياة أولى وأهم وأبقى.. دعونا نعترف لأصحاب الفضل بفضلهم، فنحن شعب أصيل ولا يجب أبدًا أن نكون ناكرين للجميل.