الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

إيران مرة أخرى.. لكنها ليست أخيرة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news



 

بدأ الصراع فى منطقة الشرق الأوسط يأخذ طابعًا مختلفًا، منذ أن دخلت إيران الحلقة الأخيرة من «الجيم» الذى بدأته بثورة الخمينى على شاه إيران رضا بهلوى فى العام ١٩٧٩، وحتى توقيع الاتفاق مع الدول الخمس زائد واحد. ذلك الاتفاق الذى فتح شهية إيران للولوج إلى المنطقة ليس فقط كلاعب رئيسى إنما كشرطى أمريكى وحيد يحكم ويتحكم فى المنطقة كمندوب سامى عن الدول العظمى.
فإيران كانت تعلم منذ البداية أن المنطقة بها أربع قوى رئيسية لا خامس لها، الأولى مصر زعيمة المنطقة العربية وأكبر دولة محورية فى المنطقة، والثانية تركيا والثالثة إسرائيل، وتأتى طهران فى المركز الرابع، بعدما كانت يد وقدم أمريكا فى المنطقة طوال سنوات حكم الشاه، باعتبارها لاعبًا رئيسيًا فى المنطقة. تعلم إيران أيضا أنه لا بد فى العالم الجديد ذى القطب الأوحد والذى تتزعمه أمريكا أن يكون هناك لاعب واحد يمثل شرطى المنطقة المعيّن من قبل واشنطن، وتعلم أن إسرائيل غير مؤهلة لهذا الدور بحكم تكوينها ونشأتها باعتبارها جسمًا غريبًا عن المنطقة، وأن أنظار تركيا تتجه دائما إلى الغرب، حيث الاتحاد الأوروبى وحلم الانضمام إليه الذى تغذيه وتغازله واشنطن طول الوقت.. لذلك رسمت طهران استراتيجيتها منذ البداية عبر وضع أكثر من ملف يخص المنطقة العربية فى حوزتها تمامًا، بدءًا بملف العراق وقبله لبنان، وتحاول فى فلسطين عبر علاقات متميزة مع حماس، وأخيرًا اليمن عبر الحوثيين.. وكان الملف النووى أو التهديد بالملف النووى هو ورقة إيران التى ستلفت أنظار القوى العظمى لهذا اللاعب الجديد، وعبر ماراثون من المفاوضات تم التوصل إلى اتفاق، أخيرا، يتيح لإيران أن تصبح شرطى المنطقة بلا منازع.. الأمر الذى وضع طهران فى مواجهة القاهرة ودول الخليج بزعامة السعودية فى صراع حتمى يحتاج إلى إدارة عربية جماعية وحكيمة.
لماذا نقول إدارة جماعية وحكيمة، لأن إيران وطوال أكثر من أربعة عشر عامًا، استخدمت كل الوسائل، الشرعية وغير الشرعية، للوصول لتلك اللحظة بينما وقفنا نحن العرب مشدوهين نحارب الإرهاب تارة وتخدعنا شعارات العداء بين طهران وأمريكا تارة أخرى.
فى البداية سهلت طهران لواشنطن مهمة غزو بلدين إسلاميين هما أفغانستان والعراق. ولم تكتف بذلك بل راحت منذ بدء الضربة الجوية الأمريكية على أفغانستان فى الثانى عشر من أكتوبر عام ٢٠٠١ تستقبل عن طريق الحرس الثورى، المئات من قادة تنظيم القاعدة على أراضيها، أعدت لهم المأوى الآمن ووفرت لهم سبل الإعاشة الكاملة لاستخدامهم فيما بعد ضمن استراتيجيتها الهادفة إلى السيطرة على المنطقة وتزعمها. أرادت إيران الإمساك بالمقبضين، التعاون مع أمريكا من جهة، وشراء ولاء القاعدة، العدو اللدود لأمريكا، من جهة أخرى.. استراتيجية يعجز الشيطان نفسه عن القيام بها أو فهم تركيبتها. وامتدادا لهذه السياسة راحت إيران، عبر عناصر من طالبان وأخرى من مرتزقة الاتحاد السوفيتى السابق، تكيل الضربات لحلف الناتو والقوات الأمريكية فى أفغانستان، هذا فى الوقت الذى كانت تساوم فيه علنا على دم الشيعة فى العراق، عبر عمليات وحشية، مدفوعة الأجر، تقوم بها القاعدة بدعم من الحرس الثورى وبتوجيهات قادة القاعدة المقيمين فى إيران، والهدف كان واضحا، إخافة الشيعة ودفعهم للارتماء أكثر فى أحضان طهران، وهو ما حدث لاحقا حيث تحولت إيران إلى اللاعب الرئيسى والأساسى فى العراق، الأمر الذى أدى إلى ظهور داعش وأخواتها ردا على سيطرة الشيعة على مقاليد السلطة فى العراق داخل وخارج الحكومة، وفى كافة الأجهزة، جيش وشرطة وأجهزة استخبارات.
سياسة الدفع إلى حافة الهاوية ثم العودة، مرة أخرى، للحوار عبر وسطاء، هى ما دأبت طهران على القيام به خلال أكثر من أربعة عشر عاما، هى عمر ما أطلقت عليه واشنطن مصطلح الحرب على الإرهاب.. ساحات عديدة واستراتيجية واحدة، أفغانستان والعراق ولبنان وسوريا ثم اليمن، جميعها مثلت مسرح عمليات للاستراتيجية الإيرانية فى المنطقة طوال المرحلة السابقة، ولكن لم يدر بخلد أحد أن تمد إيران استراتيجيتها خارج تلك الساحات، وبالتحديد إلى مصر والسعودية مستخدمة ذات الأساليب غير الشرعية التى استخدمتها فى كل من كابل وبغداد ودمشق وبيروت وعدن.
تهدف طهران من هذه الاستراتيجية الجديدة، إلى شغل البلدين الكبيرين صاحبى الثقل العربى والدولى والإقليمى الكبير فى المنطقة، عن كافة الملفات المهمة فى الشرق الأوسط، خاصة بعد كسر موجة ما سمى بالربيع العربى، الذى لعبت أمريكا والغرب على أوتاره لتفتيت المنطقة وإخضاعها لمخططاتهما المدعومة صهيونيًا.
الانكفاء على الداخل، وعزل الدولتين عن المحيط الدولى أو بالحد الأدنى تقزيم دوريهما الإقليمى على حساب عملقة الدور الإيرانى، هو ما كانت تهدف إليه الاستراتيجية الإيرانية طوال السنوات السابقة.
بالنسبة لمصر سعت إيران إلى دفعها بكل قوة لمواجهة مفتوحة مع إسرائيل عن طريق زرع بؤر الإرهاب على حدودها الشرقية، ودفع الصراع بين الفلسطينيين وإسرائيل إلى حافة الهاوية، الأمر الذى يؤدى بالضرورة إلى حرب إسرائيلية كبرى تقوم على إثرها مصر بالتدخل، لتخرج القاهرة من دائرة الفعل الإقليمى وتخلى الساحة لطهران إلى الأبد، وعندما لم تنجح طهران سواء عبر نداءات رجلها حسن نصر الله للشعب المصرى والجيش المصرى بالخروج عن أمر قياداته وكسر الحدود مع غزة وضرب إسرائيل، حاولت اللعب من خلال حركة حماس وحركاتها الصبيانية المفضوحة الهادفة إلى دفع إسرائيل للقيام بعملية اجتياح موسعة للقطاع تدفع بعشرات الآلاف من الفلسطينيين للدخول إلى سيناء من خلال مطاردة إسرائيلية تتدخل على إثرها مصر عسكريا ليبدأ الصراع المسلح بين البلدين.
وبالنسبة للمملكة العربية السعودية لعبت إيران معها مباراة كبيرة، بدءا من تفجيرات الخبر التى تم توجيهها من قلب إيران، وفتحت عصر الإرهاب فى السعودية، وحتى توفير المأوى والملجأ الآمن لكافة عناصر القاعدة الكبرى مقابل عمليات داخل السعودية، وانتهاء بدعم الحوثيين ودفعهم للتواجد المزعج على الحدود الجنوبية، لتحقيق الأهداف الإيرانية فى التوقيت الذى ترغب فيه إيران، وهو ما حدث فى الفترة الأخيرة، ولكنه امتد أيضا ليشمل السيطرة على باب المندب، لخنق مصر أيضا. لم تنس إيران فى خضم كل ذلك أن تدفع بأبواقها المنتشرين فى المنطقة للحديث عن عداوة طهران للشيطان الأكبر «أمريكا» وتحديها لاستراتيجيتها فى المنطقة.
وأخيرًا فإن المواجهة الإيرانية الخشنة مع البلدين العربيين الكبيرين، واستخدام حزب الله فى لبنان، والحوثيين فى اليمن، وشيعة الخليج، ربما فيما بعد، لن ينفع إيران بشيء، بل على العكس سيزيد من عمق أزمتها، وسيوسع من دائرة المواجهة معها، والأيام القادمة حبلى ربما بما لم تكن تتوقعه طهران ولا عملاؤها فى المنطقة.
تهدف طهران من هذه الاستراتيجية الجديدة، إلى شغل البلدين الكبيرين صاحبى الثقل العربى والدولى والإقليمى الكبير فى المنطقة، عن كافة الملفات المهمة فى الشرق الأوسط، خاصة بعد كسر موجة ما سمى بالربيع العربى
بالنسبة لمصر سعت إيران إلى دفعها بكل قوة لمواجهة مفتوحة مع إسرائيل عن طريق زرع بؤر الإرهاب على حدودها الشرقية، ودفع الصراع بين الفلسطينيين وإسرائيل إلى حافة الهاوية.