بينما تقضى النخبة المثقفة معظم وقتها في توجيه انتقاداتها اللاذعة لسياسات الحكومة لاسيما في عملية مواجهة الإرهاب رافعة شعار «الأمن وحده لا يكفي»، تبدو كمن أصيب بالعمى عن مسار تجديد الخطاب الدينى الذي تسعى الدولة لإبرازه كأولوية بأجندة العمل الوطنى في عملية مكافحة الإرهاب. حتى الآن لم نشهد تفاعلا جادا من جانب المثقفين مع دعوات الرئيس عبدالفتاح السيسى لإحداث تجديد في الخطاب الدينى بل إنهم لم يلتفتوا لأهمية وجود تلك الدعوة في برنامجه الانتخابى ثم تبلورها في خطابه الموجه لمؤسسة الأزهر الذي شهد تصعيدا أظنه وصل حد المواجهة.
ومع ذلك يقف المثقفون ليراقبوا من بعيد ولسان حالهم يقول «اذهب ياسيسى قاتل وحدك إنا ها هنا قاعدون».
ولأن رئيس الدولة يأخذ الأمر على محمل الجد كان الأجرأ في مواجهة أصحاب العمائم بحقائق طالما عجز المثقفون عن طرحها، وبدأت بتوجيه دعوة للعمل على تجديد الخطاب الدينى من أجل مواجهة التطرف والتشدد كونهما أول خطوة على طريق الإرهاب، ثم اتجه الرئيس صاعدا نحو قمة جبل التنوير والوعى عسى أن يصل صوته إلى ضمائر وأفئدة رجال الأزهر وكاشفهم بأن هناك أفكارا يظنها الناس جزءا من العقيدة تعادى كل ما هو غير مسلم وقال «سأحاججكم أمام الله يوم القيامة إن قصرتم في دوركم».
ووصل الأمر حد المواجهة مع المعممين أثناء لقائه بهم في احتفالية ليلة القدر عندما فسر ظاهرة الإلحاد باستمرار انتشار الأفكار الدينية الداعمة للعنف والإرهاب، وهذه القراءة تختلف تماما عن قراءة شيوخ الأزهر للظاهرة فهم يفسرونها برغبة من ألحدوا في التحلل من الأخلاق والقيم وممارسة الرذيلة وشرب الخمر ولعب الميسر دونما إحساس بتأنيب الضمير.
في رأيى تشير قراءة السيسى إلى أن تقاعس الأزهر عن دوره هو السبب الفعلى لظاهرة الإلحاد بوصفها رد فعل لشيوع التطرف والتخلف، وربما أراد بهذه الإشارة دفع المعممين لاتخاذ إجراءات أكثر جدية وعدم التعامل مع الأمر باستخفاف وتجاهل، ففى كل مرة يخاطبهم ينطلقون ليرددوا كلماته على منابرهم دون إضافة، أو يسارعون لعقد مؤتمرات وندوات تحمل عنوان تجديد الخطاب الديني، ولكن دون تقديم مضمون ذى بال. يخطئ السيسى إذا ظل يراهن على رجال الأزهر ويظن أنهم قادرون أو راغبون في تجديد الخطاب الديني، ذلك أن الأزهر ضائع في تيه القديم مشتت في بيداء هيمنت على دروبها مذاهب ومناهج تخلط بين الدين والسياسة وتكرس الجمود.
وفوق ذلك لا يزال الأزهر يصر على نعت ذاته بالمؤسسة الدينية حتى يظل يحتفظ بالطبيعة المطلقة والإلهية لكل ما ينتج عنه من آراء دينية وليحتفظ لنفسه بنوع من السلطان على الدولة والمجتمع، لذلك لا يوجد تصريح لأى من رجال الأزهر بدءا من الإمام الأكبر يلتزم بالوصف الذي أقره الدستور، وهو أن الأزهر مؤسسة علمية، ذلك أن ما يصدر من أبحاث ودراسات عن مؤسسة هذه طبيعتها نسبى بشرى قابل للخطأ والصواب والأخذ والرد.
أضف إلى ذلك أن الأزهر بكل زخمه لم يقدم مجددا ومجتهدا في الفقه بوزن الأئمة الأربعة أو من مثلهم من السابقين وهم بشر مثلنا وليسوا رسلا أو أنبياء، لذلك من الخطأ نعت رجال الأزهر بالعلماء، فالعالم هو من يكتشف الجديد ويقدمه للإنسانية وليس الناقل لعلم غيره، فما بالك إذا كان العلم المنقول أنتج لخدمة قضايا الناس في زمان ومكان غير زماننا ومكاننا، هنا يصبح الناقل مجرد معلم أو مدرس للعلم، والمعلم لا يصلح للتجديد أو الاجتهاد إنما فقط لتبسيط العلوم وتوصيلها، ناهيك عن رفض رجال الأزهر إعمال العقل والبحث العلمى فيما هو متخلف ومتطرف ودموى في الموروث وتمسكهم به كمقدس لا ينفصل في أحيان كثيرة عن العقيدة، فأى خير يرجوه الرئيس من مؤسسة هذا وضعها.. وللحديث بقية.