يمكن القول إن قناة السويس منذ نشأتها ارتبطت ارتباطًا وثيقًا بالتاريخ السياسي المصرى في مراحله المختلفة، ونعنى منذ افتتاحها في ١٧ نوفمبر ١٨٦٩ حتى حفر قناة السويس الجديدة في أغسطس ٢٠١٤.
قناة السويس التي كانت فكرة إنشائها فكرة فرنسية أساسًا استغرق حفرها عشر سنوات كاملة. وقد قامت بدور أساسى في التقريب بين قارات العالم لأنها قللت من مسافة الرحلة بين أوربا والهند بما يوازى ٧٠٠٠ كيلو متر. وهى تبدأ من بور سعيد التي تعتبر البوابة الشمالية للقناة حتى تصل إلى بور توفيق في السويس التي تعد البوابة الجنوبية لها.
وفى عام ٢٠١٢ عبرت القناة ١٧.٢٢٢ سفينة، مما يؤكد أنها شريان ملاحى حيوى لسفن العالم. أدارت القناة منذ نشأتها هيئة قناة السويس وكانت الإدارة فرنسية.
ويمكن القول أن اللحظة التاريخية الحاسمة في تاريخ قناة السويس تتمثل في القرار الثورى الذي اتخذه الرئيس «جمال عبد الناصر» عام ١٩٥٦ حين أصدر القرار الجمهورى الشهير، والذي كان مكونًا من مادة واحدة تقرر «تؤمم قناة السويس شركة مساهمة مصرية». وهذا القرار أحدث ضجة عالمية من قبل الدول الاستعمارية وقتها، وترتب عليه «العدوان الثلاثى» على مصر، الذي تآمرت خلاله فرنسا وإنجلترا وإسرائيل لغزو البلاد، واسترداد القناة وإعادتها للإدارة الفرنسية مرة أخرى.
وقد شهدت مصر بمناسبة العدوان الثلاثى لحظة تاريخية من أمجد لحظات النضال الوطنى المصرى. فقد رفضت القيادة المصرية العدوان، وقرر الشعب مقاومته ومنع غزو القوات الاستعمارية، وخطب الرئيس «جمال عبد الناصر» في الأزهر وصاح «سنقاتل سنقاتل».
وبدأت حركة المقاومة المصرية المجيدة في بورسعيد ضد الجيش الإنجليزى، وانتهى العدوان بانتصار سياسي مصرى محقق، بعد أن تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية خوفًا من اشتعال حرب عالمية تهدد مصالحها الإستراتيجية.
وواصلت قناة السويس اشتباكها مع التاريخ الوطنى المصرى لأنها أغلقت في حرب ١٩٦٧ أثناء المعركة مع إسرائيل.
وحين جاءت لحظة تحرير الأرض المصرية المغتصبة في أكتوبر ١٩٧٣ تشككت القيادة العسكرية الإسرائيلية والخبراء العسكريون الغربيون في قدرة القوات المسلحة على عبور القناة والاندفاع إلى سيناء للاشتباك مع القوات المسلحة الإسرائيلية، باعتبار القناة كما وصفت أكبر مانع مائى في التاريخ.
إضافة إلى أن خط بارليف الذي بناه الجيش الإسرائيلى على طول القناة اعتبر أنه لا يمكن نسفه إلا بقنبلة ذرية!
ومع ذلك أدى الإبداع الهندسى المصرى إلى ابتكار فتحات لتذويب الساتر الترابى المنيع، واندفعت القوات المسلحة المصرية مشاة ودبابات في مشهد تاريخى مذهل إلى قلب سيناء، وباشرت على الفور معارك الدبابات الكبرى التي أفقدت الجيش الإسرائيلى مئات الدبابات، وخصوصا أن الجنود المصريين استخدموا لأول مرة الصاروخ المحمول على الكتف، والذي دمر عشرات الدبابات.
تم الانتصار في حرب أكتوبر ١٩٧٣، وبدأت مفاوضات السلام واتخذ الرئيس «السادات» قرارًا استراتيجيًا بإعادة فتح القناة، وذلك في ٥ يونيو ١٩٧٥.
وهكذا عادت القناة من جديد معبرًا مائيًا دوليًا لا غناء عنه، على الرغم من المحاولات الإسرائيلية شق قناة بديلة للقضاء على الأهمية الإستراتيجية للقناة، ولكنها فشلت فشلًا ذريعًا في هذا المجال.
وبذلك نصل إلى اللحظة التاريخية الحاسمة في عمر قناة السويس حين اتخذ الرئيس «عبد الفتاح السيسى» قراره الإستراتيجي بشق قناة جديدة موازية لتوسيع قدرة القناة في مجال السماح للسفن العابرة بالمرور في الاتجاهين. وهكذا وفى أغسطس ٢٠١٤ صدر قرار بحفر القناة الجديدة وفتح باب الاكتتاب لتمويلها للمصريين فقد تمت تغطية الاكتتاب في ستة أيام عمل فقط، واندفعت فئات الشعب جميعًا للإسهام في هذا المشروع التاريخى وتم جمع نحو ثمانية بلايين دولار.
إن هذا القرار الإستراتيجي لشق «قناة سويس جديدة» يعد أولى ثمار ثورة ٣٠ يونيو التي تمثل انقلابًا شعبيًا على حكم جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية والذي اتسم بالديكتاتورية، وهذا الانقلاب الشعبى الذي أيدته في لحظاته الأولى القوات المسلحة المصرية بقيادة الفريق أول «عبد الفتاح السيسى» لتبدأ مرحلة جديدة في تاريخ مصر لبناء نظام ديمقراطى جديد، وتدشين مرحلة حاسمة في نهضة مصر وعبورها من التخلف إلى التقدم.
هذا المشروع التاريخى - والذي هو من ثمار ثورة ٣٠ يونيو- حاولت الأصوات الخائبة سواء من قبل جماعة الإخوان المسلمين أو من قبل أصوات من المعارضة الغوغائية أن تشكك فيه، وأن تزعم أنه مشروع وهمى قصد منه «الشو الإعلامي».
ومما يدل على حماقة هذه الإدعاءات وكذبها الصريح أن موعد الافتتاح التاريخى للقناة الجديدة قد اقترب. هذا الافتتاح الذي سيشارك فيه ملوك العالم ورؤساء الجمهوريات إعلانًا عن بداية النهضة المصرية الجديدة والتي هي ثمار ثورتى ٢٥ يناير و٣٠ يونيو.
العالم كله في انتظار هذا الافتتاح لأنه يؤكد القيمة الإستراتيجية لمصر، والتي هي صلة الوصل بين قارات العالم.