هي الخلاص. هكذا صوروها. في كتابات سيد قطب وشقيقه محمد قطب، وإرهاصات أبى الأعلى المودودى، وتجليات أيمن الظواهرى وغيرهم تبدو الخلافة الإسلامية أساس مجد، ودعائم عزة وكرامة، ونوافير عدل.
لذا فإن كُل شىء في سبيلها يهون، الدم والأمن والسلام وقيم التسامح والرحمة، ومن أجلها فإن كل الوسائل مُباحة: الغدر والكذب والقسوة والقتل والتعذيب، وكأنها جنة الله الموعودة التي من أجلها خُلقنا.
والعودة إلى التاريخ تفضحهم، وتكشف أنها لم تكن سوى صراعات دُنيوية لا دخل لدين الله فيها. من كتبهم نقرأ كيف حصل معاوية بن أبى سفيان على البيعة لابنه الفاسد الجاهل يزيد. لقد بعث معاوية يجمع ولاة الأمصار ليسألهم عن رأيهم في تولية ابنه من بعده، فقام أحدهم ويدعى يزيد بن المقفع وقال: «هذا (في إشارة إلى معاوية)، فإن هلك فهذا. (في إشارة إلى يزيد)، فمن أبى فهذا» (مشيرا إلى سيفه). فقال له معاوية: «اجلس فإنك سيد الخطباء».
وهذا عبد الملك بن مروان الفقيه وعالم الدين الذي يعتكف في المسجد معظم وقته لقراءة القرآن يأتى إليه مَن يبشره بالخلافة، فيُغلق المُصحف قائلا: هذا آخر عهدى بك، ويسفك دماء مُعارضيه في خسة وقسوة حتى يعاتبه أحد الناسكين يوما ويقول له: «بلغنى أنك بعد الخلافة تشرب المُدام (الخمر)». فيرد الرجل في وقاحة: «بل والدماء أيضا».
ويقف الحجاج الثقفى خطيبا في العراق فيقول للناس في تجبر: «والله لا يقولن لى أحد اتق الله، إلا ضربت عنقه».
وكان الخليفة الوليد بن عبد الملك جبارا ظلوما، وأضفى على نفسه هالة من القداسة حتى كان يستفسر في عجب: «أيمكن للخليفة أن يُحاسب؟»، إلى أن جاء أخوه بأربعين شيخا يشهدون أن ما على الخليفة من حساب!
أما خلفاء الدولة العباسية فقد ضربوا أحط الأمثال في القسوة والغدر وسوء استغلال الدين والتجبر على الناس، حتى أنهم بدءوا عهدهم باستخراج جثث خلفاء الدولة الأموية من قبورهم وعلقوها في الطرقات وأشعلوا في بقاياها النيران.
وهذا أبوجعفر المنصور الخليفة العباسى الثانى يُقدم عهود ومواثيق الأمان لخصومه، ثُم يقتلهم عُزلا وهُم بين يديها ينشدون الصلح. وذلك واليه أبو مسلم الخراسانى يُعرّفه مؤرخو الإسلام بأنه قتل ستمائة ألف شخص مُسلم.
وحتى هارون الرشيد الذي يحلو لبعض المتأسلمين تقديمه باعتباره سادس الخلفاء الراشدين (بعد الخلفاء الأربعة وعمر بن عبد العزيز) يقتل بالشك والريبة، ويسفك دماء عائلة كاملة من البرامكة، لأنه ظن أن واحدا منهم يتآمر عليه.
تلك هي الخلافة الإسلامية التي يُبشروننا بها. قتل وغدر وصلب وتكفير واغتصاب للنساء، ومن يُعارض عدو لله حل دمه وماله وأهله. ونظرة واحدة للتاريخ الإسلامى تكشف لك أن عصور العدل والخير والنماء لا تتجاوز خمسين عاما خلال ١٤ قرنا، وهى فلتات تمثل شواذ القاعدة.
تلك الخلافة التي يسعون إليها، ويسفكون الدماء على أعتابها، وينشرون الرُعب، وينفقون المليارات، كانت تعبيدا للبشر لولاة وسلاطين قتلوا وسلبوا وقهروا الشعوب باسم الإسلام.
والله أعلم.