قبل الكلام
من حق الدكتور عبدالواحد النبوى، وزير الثقافة، أن أسجل له موقفه الوطنى في حماية دار الوثائق من تتار الإخوان، من حقه أن أشير إلى دوره الوطنى في الوقوف أمام جماعة الإخوان- وهى في عز سلطتها وسطوتها ونفوذها- ومنعها من وضع يدها على وثائق مهمة يعرف هو قدرها وقيمتها، ومن حقه أن نضع اسمه في قائمة الشرف، لأنه واحد ممن دفعوا ثمن مواقفهم الوطنية في مواجهة جماعة ضالة ومضلة ومضللة.
الكلام
شهادتى في حق الدكتور النبوى الذي كان تعيينه وزيرًا للثقافة صادمًا لجموع المثقفين في مصر، ولهم في صدمتهم أسباب ومبررات عديدة، لا تمنعنى أبدًا من اشتباك واضح وصريح معه.
لن أتحدث عن أدائه الباهت حتى الآن، فقد فوت على نفسه وعلى وزارته فرصًا عديدة كان يمكنه التأكيد من خلالها على قوة مصر الناعمة، ومنها عدم حضوره جنازة الفنان العالمى عمر الشريف، وكأنه نكرة لا يستحق أن يحتفى به بلده ووزير ثقافته، في الوقت الذي كان يحتفى به العالم كله، بما فوت علينا فرصة استغلال حدث كان يمكن أن يضع مصر تحت أنظار العالم، فتصدر لها صورة أخرى، غير صورة الصراع والنزاع والقتل والتفجير، التي يجيد خصومها ترويجها عنا. ولن أشير إلى حالة التحرش الإدارى برؤساء قطاعات وزارته، ومن بينهم أسماء ذات ثقل وثقة، وبدلا من أن يستفيد بهم طاردهم حتى طردهم من مناصبهم بشكل لا يليق، وقد يكون له مبرره الشخص في أن يفعل ما فعل مع الدكتور محمد عفيفى، والدكتور أنور مغيث، والآن مع الدكتور أحمد مجاهد، لكنه لن يستطيع أن يقدم لنا أي مبرر موضوعى لإصراره على استبدالهم بمن لم نعرف لهم كرامة في العمل الثقافى، إلا إذا كان الوزير لا يطيق أن يعمل معه أصحاب القامات الكبرى في العمل الثقافى، ويستعين بمن هم أقل منه شهرة وتأثيرا، حتى يحكم سيطرته عليهم، ويشعر أنه كبير في نظرهم. ولن أتعامل معه بسوء نية وأقول إنه ألقى بنفسه من البداية في أحضان الأزهر والسلفيين ومن يسيرون على نهجهم في معاداة الثقافة المصرية وأهلها، ليثبت للجميع أنه لا يوافق من يعتبرون أن الأزهر ورجاله سبب مباشر في النكبة الكبرى التي نعيشها، فلولا تخليهم عن دورهم من عقود طويلة لما وقعنا في فخ جماعات التطرف والإرهاب.
لكننى سأتوقف أمام المشروعات المشتركة التي اتفق "النبوى" على تنفيذها مع وزارة الأوقاف، وهى المشروعات التي أعلن عنها في مؤتمر صحفى مشترك مع الدكتور مختار جمعة، معتبرا ما توصل إليه فتحًا جديدًا يمكن أن يضيفه إلى إنجازاته، التي لم يشعر بها أحد حتى الآن.
يمكن أن يكون تعاون النبوى وجمعة مفيدًا لكل منهما على المستوى الشخصى، لكنه لن يكون مفيدًا أبدًا للثقافة المصرية، فهو كما يقول سيذهب بالمثقفين إلى المساجد، وسيأتى بمشايخ الأوقاف إلى المراكز الثقافية، دون أن يلتفت إلى أن وظيفته أن يبعث الروح في بيوت الثقافة وقصورها التي تحولت إلى خرابة في محافظات مصر المختلفة، وهى قصور لن يعمرها إلا المثقفون، الذين يحملون خطابًا تنويريًا نقديًا قادرًا على أن يتصدى للخطاب الإرهابى المتطرف.
فعليًّا يتخلى "النبوى" عن وظيفته ودوره، ويقف في الصف الخطأ، فعمائم الأزهر وعقول المثقفين المصريين لا يمكن أن تجتمعا، حتى يقول لنا إنه سيكون هناك مشروع لطباعة كتب مشتركة، وكتب الوزارة ستصل إلى مكتبات المساجد، وكتب الأوقاف ستصل إلى مكتبات الوزارة.
فهل سيقبل مشايخ الأوقاف أن تدخل كتب نصر حامد أبوزيد وسيد القمنى وفرج فودة ونوال السعداوى وحسن حنفى إلى مكتبات المساجد؟ وهل يمكن أن تجد إمامًا وخطيبًا من رجال مختار جمعة يجلس إلى جوار منبره وهو يقرأ رواية «أولاد حارتنا» دون أن يكفر صاحبها ويعتبره معاديًا للدين؟
علماء الأزهر- الذين يقومون بالوعظ في مساجد مختار جمعة- ومثقفو مصر، مثل الزيت والماء، لا يمكن لهما أن يختلطا أبدًا، ولذلك فما يحدث ليس إلا عملية نصب كاملة يريد النبوى أن يقنعنا أنها في مصلحة الثقافة المصرية، أو أنها- على تقدير أعتقد أنه صحيح- محاولة منه لإنقاذ نفسه، فهو يعرف أن جموع المثقفين لن يتقبلوه بسهولة، فذهب ليلقى بنفسه في أحضان من يستريح لهم ويستريحون له، فكل منا يبحث عن أمانه حتى لو كان بعيدًا جدًا عن دوره.
بعد الكلام
إذا كان عبدالواحد النبوى يعتقد أنه يملك رؤية واضحة لإصلاح عقول من يقومون بالوعظ في المساجد، فالأولى به أن يتولى منصب وزير الأوقاف، وأعتقد أن هذا هو المنصب الذي يليق به ويناسبه، فلا تحرموه منه، وابحثوا لنا عن وزير ثقافة يعرف لمصر قدرها وقيمتها.. ويعرف لنفسه دوره ومهمته.