الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

نظرة إلى داخل إسرائيل "2"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عرضنا في مقال سابق لتباين رؤانا لمآل صراعنا مع إسرائيل: منا من يرى الهدف يتمثل في تحرير الضفة والقطاع وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس إلى جانب دولة إسرائيل،‏‏ وهو الهدف الذي تبنته قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، فضلا عن مجمل القيادات الرسمية العربية، ومنا من يرى أن هدف النضال هو تحرير كامل التراب الوطنى الفلسطيني‏ دون حتى تجزئة ذلك النضال إلى مراحل، وثمة من يرى النضال نضالا جهاديا إسلاميا شاملا ضد قوى الكفر والشر‏، وما فلسطين في هذه الحالة إلا واحدة من جبهات تلك المواجهة.
في إطار تلك الرؤى المتناقضة يصبح الحديث عن التأثير العربى في الانتخابات الإسرائيلية أمرا مثيرا للارتباك‏، ويزداد ذلك الارتباك إذا ما قصدنا تحديدا تناول دور أولئك الفلسطينيين الذين بقوا في ديارهم لم يبرحوها‏، ‏ وما زالوا يعيشون عليها حتى اليوم في ظل دولة إسرائيل، ‏ إنهم في النهاية عرب تتعدد رؤاهم للصراع كما تتعدد رؤانا‏،‏ ولكن فلنفترض المستحيل، فربما تتضح الرؤية، لنفترض أن عرب ‏٤٨‏ هؤلاء قد اجتمعت كلمتهم عن بكرة أبيهم، وقرروا أن يتبعوا ما نراه‏،‏ ترى ماذا تكون نصيحتنا؟
لننظر أولا إلى موقفنا منهم،‏ الموقف العربى من عرب ‏٤٨‏ ملتبس شديد الالتباس‏:‏ نشيد بهم ونحيى صمودهم باعتبارهم أولئك الأبطال الذين فضلوا التمسك بالأرض، وتحمل عبء معاناة الاحتلال‏،‏ ولكننا في الوقت نفسه نقاطعهم‏، ونرفض التعامل معهم‏ باعتبارهم في النهاية يحملون الهوية الإسرائيلية رسميا‏‏، ونحن نقاطع كل ما يحمل شبهة إسرائيلية‏‏، فما بالنا ببشر يحملون الهويات الإسرائيلية‏،‏ محظور عليهم العبور إلى أي بلد عربى إلا من بوابات التطبيع المصرية أو الأردنية أو الفلسطينية‏، أو إذا تخلوا عن الجنسية الإسرائيلية وخرجوا من بلدهم بلا عودة، ولا يبدو أن مراجعة الموقف العربى العملى منهم واردة في المستقبل المنظور‏.‏
ومن يتاح له الإنصات ولو عن بعد لما يصدر عن عرب ‏٤٨‏ سواء على مستوى التحليلات السياسية أو حتى الإنتاج الأدبي،‏‏ سوف يجد مثل تلك الإشكالية قائمة وبشكل حاد‏،‏ إنهم الأكثر معاناة من الاحتلال الإسرائيلي‏‏ والأكثر دراية بأساليبه‏‏، ومن ثم‏‏ فإن إدانتهم له تعد بمثابة زادهم اليومى قولا وممارسة‏،‏ ولكن تلك الإدانة تضعهم تلقائيا وبحكم المناخ العربى السائد في خندق الدعوة لمقاطعة كل ما هو إسرائيلي،‏‏ ومن ثم ينسحب ذلك عليهم‏.‏
ومن المتوقع -والأمر كذلك-‏‏ أن يصبح تقديم رأى عربى فيما ينبغى أن يكون عليه دور عرب ‏٤٨‏ في الانتخابات الإسرائيلية،‏‏ بل وفيما يجرى داخل إسرائيل بعامة‏‏ أمرا بالغ الصعوبة بمكان‏، عودة مرة أخرى إلى ما ذكرناه منذ قليل عن تباين الرؤى العربية في توصيف الصراع، ترى هل على عرب ‏٤٨‏ تكثيف جهودهم للحصول على نسبة أكبر من مقاعد الكنيست؟ ألا يعنى ذلك لو نجحوا في تحقيقه ترويجا لصورة الديمقراطية الإسرائيلية؟ هل عليهم أن يركزوا في برامجهم الانتخابية على المطالبة بالمساواة والقضاء على التمييز؟ أليس واردا تفسير ذلك باعتباره تحقيقا لما يسمى بالأسرلة‏‏ بمعنى تأكيد الهوية الإسرائيلية لعرب ‏٤٨‏؟ هل يقاطعون الانتخابات الإسرائيلية؟ ألا يعنى ذلك أنهم يحققون لحكام إسرائيل ما يريدونه من تهميشهم تماما؟ أم أن المطلوب أن يولوا ظهورهم لكل ما هو إسرائيلى، ويشاركوا مشاركة فعلية في عمليات مسلحة ضد إسرائيل؟ ألا يعنى ذلك تدعيما للدعاوى الإسرائيلية بضرورة الترانسفير التخلص منهم وطردهم؟
خلاصة القول: إن المشكلة ليست في دور عرب ‏٤٨‏ في الانتخابات الإسرائيلية‏، بل إنها تكمن أساسا في رؤية العقل العربى لطبيعة الصراع‏، ‏ أو بتحديد أدق لرؤية ذلك العقل العربى لعدة قضايا محددة‏:‏
القضية الأولى‏:‏ من هو العدو الأساسي؟ الصهيونية؟ إسرائيل؟ اليهود؟ الإمبريالية؟
القضية الثانية‏:‏ من نحن أساسا؟ عرب؟ مسلمون؟ فلسطينيون/مصريون... إلى آخره؟
القضية الثالثة‏:‏ ما تصورنا للهدف النهائى للصراع‏:‏ تحرير كل فلسطين؟ القبول بدولتين على أرض فلسطين التاريخية؟ القضاء على النفوذ الأمريكى الإمبريالى في العالم‏ في المنطقة العربية؟ القضاء على أعداء الإسلام؟
إن الإجماع على توصيف موحد لمثل هذا النوع من الصراع الذي نواجهه ليس بالأمر السهل‏، ولكن الحوار المفتوح الصريح بين كل فصائل القوى العربية أمر ضرورى لا مهرب منه‏،‏ وبدون مثل هذا الحوار‏‏ سوف يستمر التدهور في الأداء العربي، ويظل الحديث عن الدور العربى في الانتخابات الإسرائيلية مجرد حديث موسمى لا معنى له ولا طائل وراءه‏،‏ ما دام قد ظل التأثير العربى فيما يجرى داخل إسرائيل مجرد أمنيات‏.‏
ولعل لحديثنا بقية