بعد ٢١ شهرا من المفاوضات بين أمريكا والدول الكبرى وإيران ٥+١ حول البرنامج النووى الإيرانى، انتهت هذه المفاوضات بهزيمة الخمسة وعلى رأسها أمريكا وانتصار إيران كما قال الرئيس الإيرانى – روحانى: إن إيران حققت كل أهدافها من هذه المفاوضات، بينما اعترضت دولتان في المنطقة على هذا الاتفاق هما المملكة العربية السعودية وإسرائيل، واعتراض الدولتين هو دليل على انتصار إيران، لأن كلا من السعودية وإسرائيل تعلمان خبايا الاتفاقات غير المعلنة ولا تنخدعان بالسذج والبلهاء في عالم السياسة الذين يرفعون شعار إخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، هذا شعار المفلسين في عالم السياسة، فلا توجد دولة يستطيع قادتها اتخاذ قرار بالتخلص من سلاحها النووى الذي يوفر لها تفوقا إستراتيجيا على خصمها وأنه سلاح ردع لا يستهان به ويكفى أن إمتلاك إسرائيل للسلاح النووى، يمنع أي دولة عربية تقوم بينها وبين إسرائيل حرب أن تتجرأ هذه الدولة، وتعبر حدود ٦٧ كل أمل الدول العربية تحرير الأراضى المحتلة بعد حرب ٦٧ وإقامة دولة فلسطينية على هذه الأراضى المحتلة، وإن لم تكن إسرائيل تمتلك السلاح النووى، وأصبحت طموحات الدول العربية، هي تحرير فلسطين، فالسلاح النووى سلاح ردع بمعنى أن من يخطط لحرب دولة تمتلك السلاح النووى، لابد أن يضع في ثقته متى تستخدم هذه الدولة سلاحها النووى وامتلاك باكستان للسلاح النووى منع اندلاع الحروب الدائمة بين الهند وباكستان وأن الشهيد ضياء الحق رئيس باكستان السابق اتخذ قرار امتلاك القنبلة النووية للمحافظة على استقلال باكستان، ومنع أطماع الهند في استعمار الأراضى الباكستانية فلا توجد دولة في العالم تستأذن أحدا في امتلاك السلاح النووى.
وأول مكاسب إيران هو الاعتراف الدولى بحق إيران أن يكون لها برنامج نووي سلمي لإنتاج الطاقة أو غير سلمي فهى تمتلك الآن جيشا من المهندسين والفنيين في جميع مجالات العمل النووى، فالمحافظة على هذا الجيش وتنمية قدراته، هي أول شىء سوف تفعله إيران واستغلال هذا الاتفاق للحصول على تقنيات علمية أكبر، كان يصعب عليها الحصول عليها في ظل الحصار غير المجزى، فإيران لم يجز معها الحصار ووصلت إلى ما وصلت إليه في ظل هذا الحصار الذي كانت إيران في حاجة إليه للابتعاد عن أمريكا وقطع علاقتها بالأمريكان، لأن العقبة الوحيدة لمنع إيران والدول العربية من امتلاك برنامج نووي هي الولايات المتحدة الأمريكية فقط، ويستطيع العرب أن يفعلوا كل شىء إن لم تكن الضغوط الأمريكية فوق رءوسهم، أما بالنسبة لتعهدات أوباما للدول العربية وتهديد إيران إن لم تلتزم بالاتفاق، فهى لا قيمة لها ولم يعد عاقل في المنطقة يصدق الرئيس الأمريكى أوباما إذا تكلم، فكل كلامه هو خداع للقادة العرب، أما المكسب الثانى لإيران فسوف يشهد الاقتصاد الإيرانى انتعاشًا لم يسبق له مثيل منذ قيام الثورة الإيرانية لتعطش الشركات الأجنبية للاستثمار في إيران واستغلال الثروات الطبيعية التي تنعم بها إيران، وذلك بسبب حصول إيران على ما يزيد على ١٠٠ مليار دولار أموالًا مجمدة وأصولًا وأرباحًا تخرجها من أزمتها الاقتصادية الطاحنة، فهى عبارة عن عملية إنقاذ أمريكية للاقتصاد الإيرانى الذي أنهك في حرب اليمن وسوريا.
السلاح النووى الإيرانى قادم شاء من شاء، وأبى من أبى وقد قام الرئيس الأمريكى بيل كلنتون بإجراء نفس المفاوضات سنة ٢٠٠٢ مع كوريا الشمالية وأعلنوا أن الاتفاق سوف يمنع كوريا الشمالية من امتلاك القنبلة النووية نفس تصريحات الرئيس أوباما اليوم ثم قامت كوريا الشمالية سنة ٢٠٠٥ بامتلاك القنبلة النووية، وأطلقت الصواريخ البالستية التي تستطيع الوصول للشاطئ الغربى للولايات المتحدة الأمريكية، ربما تكون القيادة الإيرانية أذكى من القيادة الكورية ولن تعلن عن امتلاح سلاح النووى.
مكاسب إيران من هذا الاتفاق أكبر بكثير مما ذكرناه، ولكن هذا الاتفاق يفرض التحدى على العرب فهل هم قادرون؟ أم أن حالة العجز العربى والشلل سوف تستمر؟.
أنا شخصيًا لا أظن ذلك بالنسبة للمملكة العربية السعودية ومصر فهما الدولتان اللتان تمتلكان المقدرة الفنية، وبالنسبة للسعودية المقدرة المادية أيضا، ولا ينقصهما سوى القرار السياسي الجرىء كما فعل الشهيد ضياء الحق، وقد صرح المسئولون السعوديون بأن امتلاك إيران السلاح النووى سوف يدفعهم لامتلاك السلاح النووى أيضا، وأن هناك مفاوضات بين كل من السعودية وروسيا لإنشاء عدد من المحطات النووية وأن ذلك يعد من أكبر الخسائر للولايات المتحدة الأمريكية عندما فكرت إدارة أوباما فی استخدام إيران كحليف لها في المنطقة على حساب الحلفاء التقليديين من العرب، فقامت المملكة العربية السعودية بتأديب الإدارة الأمريكية بعدة اتفاقات أسلحة مع روسيا وفرنسا للسعودية ومصر ولبنان، مما أدى إلى خسائر بالمليارات لشركات السلاح الأمريكية، كما أن السعودية أطلقت صفقة القرن الـ ٢١ وهى تجديد أسطول الطيران المدنى بـ ١٠٠ طائرة وبدأت المفاوضات مع شركة أير باص الأوربية، كل ذلك دفع رئيسة المحكمة الفيدرالية السابقة أن ترسل رسالة لأوباما تحت عنوان (أوباما نسألك الرحيل).
الولايات المتحدة فقدت الكثير من مصداقيتها، عندما تخلت عن كامل العدالة والمساواة وراحت تسعى لتنصيب نفسها كزعيمة للعالم، فاستباحت لنفسها نشر الفتنة لتقسيم العالم وفق خريطتها الخاصة، ولكن لم يتمكن أحد من إسقاط الهيبة الأمريكية إلى الخيبة الأمريكية مثلما فعل فارسها أوباما وتسبب في جلب اللطمات الواحدة تلو الأخرى لأمريكا، عندما تعامى عن قراءة آمال الشعب المصرى ودعم جماعة الإخوان الإرهابية لحكم مصر وراح يهدد بقطع المعونة، ففشل وهزمه الشعب المصرى وعندما هدد باستخدام القوة العسكرية ضد سوريا فتخلى عنه حلفاؤه فلعق الحل الروسى وهو كاره، ثم ذكرت له لطمات المملكة العربية السعودية الواحدة تلو الأخرى...إلخ.
فلو أن العراق كانت تمتلك سلاحا نوويا، ما تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية من احتلال هذه الدولة والقضاء عليها وتمزيقها. فالسلاح النووى الآن هو أهم سلاح في المحافظة على وحدة الدولة واستقلال أراضيها واستقلال قرارها السياسي، ولا عزاء في عالم السياسة للضعفاء وللبلهاء الذين يدارون فشلهم وعجزهم وقلة حيلتهم بإطلاق شعارات وأمان لم ولن تتحقق ولو استمروا في الدعوة لها مئات السنين مثل إخلاء منطقة الشرق الأوسط من السلاح النووى.
فما نيل المطالب بالتمنى ولكن تؤخذ الدنيا غلابا