دار جدل صاخب على الفضائيات بصدد «تدوينة» سجلها على تويتر أحد النشطاء السياسيين الذين كانوا فاعلين في الحملة الخاصة بانتخاب الرئيس «السيسى» رئيسًا للجمهورية.
لماذا دار الجدل الصاخب؟
لأن هذا الناشط والذي كان مواليًا «للسيسى»، ومؤيدًا له بقوة انقلب عليه وقرر أن يعارضه على طول الخط!
لو قال الرجل سأنظر نظرة نقدية إلى قراراته وسياساته لما كان في ذلك أي مشكلة. وذلك لأن المهمة الأساسية لأى مثقف ملتزم - وسواء كان مؤيدا «للسيسى» أو معارضا له - أن يمارس ما أطلقنا عليه من قبل «النقد الاجتماعى المسئول». وقد عرفناه في مقال سابق لنا في «البوابة» أنه يتمثل في التشخيص الدقيق للسلبيات وإعطائها التكييف الصحيح، وتقديم الحلول المقترحة للمشكلات المطروحة لو كان ذلك في إمكانه.
ولكن هذا الناشط السياسي قرر أنه سيعارض من الآن الرئيس «السيسى» شخصيا وليس سياساته أو قراراته. وكأن هذه الممارسة نوع من أنواع الانتقام لأنه - كما يتردد - لم يعرض عليه، بعد نجاح «السيسى»، منصبا مرموقا يتفق مع قدراته الفذة!
ولو صدق هذا الكلام لأصبح سلوكه يمثل حالة سلبية تماما. لأن الانتقال من دائرة النقد المسئول - بما يتضمنه من تشخيص دقيق للسلبيات واحترام في نفس الوقت لآداب الحوار - إلى التطاول، يمثل انحرافا في مسيرة أي مثقف يدعى أنه يدافع عن الصالح العام.
وحين يزعم هذا الناشط أن مشروع قناة السويس هو «شو إعلامي» فهذا ليس نقدا مشروعا، ولكنه اتهام خطير لا بد أن يُسأل عنه. لأنه يدعى أن رئيس الجمهورية يخدع الشعب بمشروعات وهمية لا أساس لها!
وكان عليه لو كان جادًا في نقده مبرأ من الأغراض الشخصية الانتهازية أن يدلل لنا في ضوء الوثائق وفى صحبة الأرقام أن مشروع قناة السويس - وهو أهم إنجاز للرئيس «السيسى» منذ تولى منصبه - مشروع وهمى!
ولم يقل لنا هذا الناشط السياسي العبقرى كيف يستطيع الرئيس «السيسى» بعد أن «خدع» شعبه بمشروع وهمى أن يخدع العالم؟ وماذا سيفعل الرئيس حين تأتى السفن لتعبر القناة الجديدة فلا تجد قناة أصلا، وإنما تجد خطا رسمه «السيسى» على الرمال وزعم أنها قناة بحرية يمكن للسفن أن تمخر عبابها؟
أليس هذا الكلام من باب التطاول؟ وسؤالى: لماذا يهتم الإعلام هذا الاهتمام المبالغ فيه بهذه التفاهات؟ ولماذا يستدعى هذا الناشط المزعوم على التليفون لكى يشرح فكرته العبقرية الجوفاء؟ ولماذا يكرر بعض الإعلاميين في برامجهم أن الحق في المعارضة مكفول، وأن من حق الرجل أن يعارض «السيسى». غير أنه غاب عنهم وضع حدود للنقد الاجتماعى المسئول، لأنه كما قلنا لا ينبغى أن يكون نقدا فوضويا لأشخاص أيا كانوا، لأن المهم هو نقد السياسات الخاطئة أو القرارات المنحرفة.
ويذكرنى ذلك بتساؤلات بعض الناشطين السياسيين التي طرحوها على بعض الكتاب حين سألوهم لماذا لم تهاجموا الرئيس السابق «حسنى مبارك» شخصيا وبالاسم قبل ثورة ٢٥ يناير؟
وهذا سؤال ساذج في الواقع، لأن النقد الاجتماعى المسئول مارسه من قبل عديد من الكتاب والمثقفين المصريين للسياسات المنحرفة للرئيس «مبارك» وأركان حكمه. ومن يتشكك في ذلك عليه أن يرجع للأرشيف الصحفى والأرشيف الإلكترونى.
والمضحك أن بعض هؤلاء المتسائلين الأشاوس الذين ارتدوا ثياب الثورية بعد ٢٥ يناير يظنون أن النقد الذي وجهه عديد من الكتاب والمثقفين قبل ثورة ٢٥ يناير للنظام السياسي السلطوى القديم كان لا بد أن يبدأ بعبارة «يسقط حسنى مبارك»!
ومع ذلك - للذكرى والتاريخ - فإن المثقفين المصريين من أعضاء حركة «كفاية»، والتي كانت إحدى الحركات الثورية التي أسهمت في التمهيد لثورة ٢٥ يناير في لحظة ما، قررت أن تنتقل من باب «معارضة» النظام إلى «الانشقاق» الصريح عليه. وهذه تفرقة جوهرية في علم السياسة وفى الممارسة العملية، لأن المعارضة تكون دائما من داخل النظام، بمعنى عدم اعتراضها على قيم النظام الأساسية، أما الانشقاق فهى «انقلاب» على النظام وسعى إلى إسقاطه.
ولذلك حين هتفت إحدى مظاهرات حركة «كفاية» «يسقط حسنى مبارك» كان ذلك إشارة مؤكدة على أن المعارضة تحولت إلى الانشقاق وتتجه بالفعل في حركتها إلى إسقاط النظام.
ولعل هذه «الخميرة» الانقلابية لحركة «كفاية» هي التي حركت اللا شعور السياسي الجمعى للجماهير في ميدان التحرير، حين هتفت بعد أيام من قيام الثورة «الشعب يريد إسقاط النظام».
خلاصة ما نريد أن نركز عليه أن الإعلام عليه ألا يهتم بالفقاعات الثورية المزعومة التي تنفجر بين حين وآخر من قبل ناشطين سياسيين أو مثقفين يبحثون عن وظيفة مرموقة أو دور يلعبونه من باب لفت الأنظار إلى قدراتهم الفذة، ولذلك ينتقلون من النقد الاجتماعى المسئول إلى التطاول على القيادات السياسية الشامخة!
eyassin@ahram.org.eg