تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
لعل الكاتب المصرى المعروف فهمى هويدي من بين أكثر الذين يعبرون عن ضيقهم وحسرتهم لما وصل إليه حال العرب، آخر ما كتبه عن ذلك فى صحيفة الشروق المصرية تحت عنوان «المصير العربى فى مفترق طرق»، إذ تداخلت فى مقالته مشاعر الحسرة على مدى تراجع الحالة العربية، ومسحة تشاؤم لا تخطئها عين، لكن اللافت أن المؤشرات التى يوردها عن الحالة العربية لا ترقى إلى حجم الخطر كما يراه، أحد هذه المؤشرات ما يقال عن تقارب خليجي، وتحديدا سعودي مع إسرائيل، وعلى الرغم من خطورة هذا الادعاء إلا أن «هويدى» لم يجد ما يعتمد عليه سوى خليط يجمع معلومة مبتسرة، وأخرى لا علاقة لها بالموضوع إلى رأى وتفكير بالتمنى أحيانًا.
المؤشر الآخر، والأكثر غرابة على تراجع العرب بحسب هويدي، هو أن سؤال «من هو العدو؟» بات كما يقول: «واردًا وباب الاجتهاد فيه مفتوحًا». وهو يقصد بذلك أن إسرائيل لم تعد فى نظر العرب هى العدو الوحيد لهم، بل دخلت، أو أدخلت إيران على قائمة العداء، والحقيقة أن الكاتب أبدى جزعه من هذا التطور فى مقالات عدة، لكنه استشهد فى مقالته الأخيرة على هذا التطور بما جاء بشكل خاص فى الإعلام الخليجي- وتحديدا السعودي- إذ يقول بالنص: «فى تقييم الموقف الإيرانى ذهب معلقو النخبة السعودية أربعة مذاهب، الأول اعتبر أن إيران هى العدو، وهو رأى تردد فى الإعلام الخليجي، وتبناه بعض الكتابات المصرية، الثانى ذكر أن إيران عدو جاهل وإسرائيل عدو عاقل (أنور عشقي)، الثالث اعتبر أن إسرائيل عدوة بذاتها، أى أنها ولدت عدوة للعرب فى حين أن إيران عدوة بأفعالها بمعنى أن الثورة الإسلامية لم تولد معادية للعرب، ولكنها أصبحت كذلك بممارساتها اللاحقة (خالد الدخيل)، الرابع قال إن إيران عدوة بأفعالها، (داود الشريان فى جريدة «الحياة» وجهاد الزين فى «النهار» البيروتية)».
يستنتج الكاتب من ذلك أن إسرائيل لم تعد العدو الأول للعرب، ولا الوحيد، بل أصبحت إيران تنافسها.
ويرى مخاطر ثلاثة لذلك: أنه يسوغ الممارسات الإسرائيلية، والتطبيع، ويؤجج الصراع العربى الإيراني، ويفتح «الأبواب لصراع كارثى بين السنة والشيعة»، وجه الغرابة والتناقض فى تناول الكاتب لهذه النقطة أنه ارتكب الخطيئة التى كتب مقالته للتحذير منها، إذ إنه يطالب العرب هنا بتهميش أنفسهم، وألا يكون لهم رأى بما تفعله إيران فى حقهم وعلى أراضيهم، لأن إسرائيل تحتل فلسطين، لم يحدد هويدى معيارا للعداء، يمكن الاحتكام إليه؟ ولم ينتبه إلى أن الطرف المتهم بالعداء هو المنبع الأول لهذه التهمة، معيار العداء هو أولا الاعتداء، وثانيا الإصرار عليه وتبريره، وأخيرا تحويله إلى سياسة ممنهجة وملزمة، هل اعتدى العرب على إيران؟ هل حاولوا التدخل فى شئونها الداخلية؟ أو محاولة اللعب فى تركيبتها الطائفية أو القومية، وهى تركيبة قابلة للتوظيف والتأجيج؟ الإجابة هى النفي، إيران هى التى جاءت إلى العرب وتدخلت فى شئونهم.
وكما ذكرت المقالة التى أشار إليها هويدى «لم تأت إيران إلى العالم العربى من باب الجيرة، والانتماء الإسلامي، والتنافس، وحق الدور الإقليمى ومشروعيته، بل جاءت من أبواب.. تهدم معطيات الجيرة، وتشكك فى دلالة الانتماء الإسلامي، وتقدم الدم والهدم على البناء والتنافس.. تدخلت إيران بالعنف والاغتيالات والقتل والطائفية والميليشيات، وليس هناك أفعال أكثر عدوانية من هذه، تهدد الدول فى استقرارها، والمجتمعات فى تماسك نسيجها الاجتماعى والسياسي»، هل لأن إسرائيل هى العدو الأول، على العرب ألا يلقوا بالاً لآخرين يعتدون عليهم، خصوصا إذا كان هؤلاء مسلمون؟ هل يجب أن نسلم أنفسنا، وحقوقنا وأراضينا وتاريخنا لآخرين مثل إيران فقط لتفادى تهمة أننا نساوى بينهم وإسرائيل؟ إلى أى منطق ينتمى مثل هذا التحليل؟ إذا كان هناك تساوٍ أو مماثلة بين إيران وإسرائيل فالمسئول عن ذلك من عمل على مساواة نفسه بإسرائيل، وليس على من سجل ملاحظة التساوى هذه، إذا كانت إيران تتصرف مع العرب بشكل لا يختلف كثيرا عن إسرائيل، فإيران هى المسئولة عن ذلك، تركيا لم تتصرف مع العرب مثل إسرائيل، ولا الحبشة كذلك، لم يصف أحد أيا من هاتين الدولتين بأنهما عدو للعرب، لكن إيران هى التى كسبت هذه الصفة بنفسها، وسياساتها، واعتداءاتها. كل ذلك، وأنا لم آتِ على ذكر احتلال إيران للجزر الإماراتية منذ أيام الشاه حتى يومنا هذا.
والأغرب فى هذا السياق قول الكاتب بأن اعتبار إيران عدو للعرب يفتح أبواب صراع سنى شيعي، الجمهورية الإسلامية هى من عرفت نفسها بنصوص دستورها بأنها دولةٌ شيعيةٌ اثناعشرية، وهى أول من أيقظ الطائفية فى المنطقة وحولها إلى عملية سياسية، وصراع سياسي، وميليشيات طائفية. بعبارة أخرى تفجير إيران للصراع الطائفى هو سبب اعتبارها عدوة بأفعالها، وليس العكس، وكونها عدوة بأفعالها يحصر السلوك العدوانى هنا بنظام الجمهورية الإسلامية السياسي، وإلا فإيران كشعب ليست عدوة للعرب.
صحيفة "الحياة" اللندنية