أقول هذا بمناسبة اللغو الذي أثاره قانون مكافحة الإرهاب حيث إن الاصطفاف خلف قواتنا المسلحة، وقيادتنا الوطنية، وجهاز الشرطة في تصديهم للإرهاب واجب مقدس، ففى وحدتنا تكمن قوتنا، وتؤدى إلى عزلة قوى الإرهاب مما يسهل محاصرتها، وبالتالى القضاء عليها. والنقاش، والحوار، والإقناع، لأصدقائنا وحلفائنا حول وسائل وأساليب مكافحة الإرهاب مطلوب، ولا غنى عنه، أما الاختلاف من أجل الاختلاف في حد ذاته ضار، ويؤدى إلى شق الصف، وعدم تعزيز الاصطفاف، فالاصطفاف القائم على إقناع بعضنا البعض أقوى، وسيدوم، ولن يكون عرضة للانشقاق مع أول ضربة من قوى الإرهاب، والأعداء، وسيكون بمثابة سد منيع، وصخرة تتحطم عليها كل المؤامرات، والمخططات الإرهابية، والاصطفاف المبنى على إرهاب بعضنا البعض لن يدوم لأنه وليد خوف. والتدليل على ذلك أن الزعيم الراحل جمال عبدالناصر حقق الكثير والكثير من المكاسب للطبقات الشعبية سواء كانوا عمالًا أو فلاحين وبمجرد وفاته، وحدوث انقلاب ١٥ مايو تم الاعتداء ومحو هذه المكاسب في ليلة، وضحاها، ولم يستطع الشعب الدفاع عنها نظرًا لعدم تسليحه بالوعى، وتنظيم صفوفه، وعلينا الاستفادة من دروس الماضي. نقول هذا مع تسليمنا بأن الحرب التي فرضتها علينا جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، والداعمون لها سواء في الداخل أو الخارج شرسة، وقوية، وسريعة الإيقاعات، وقد لا تسمح لنا بترف النقاش أو الحوار فقد يسقط منا الوطن - لا قدر الله - نتيجة ضربة مباغتة منهم خاصة أن الخنادق قد تحددت بشكل دقيق. خندق المدافعين عن الوطن، وخندق أعداء الوطن يخدم عليه طابور خامس بارع في حرب الشائعات، وبث الأكاذيب، وفئة انتهازية، ومتسلقة على كل العصور، والأنظمة ايا كانت، ولا يحركها سوى المحافظة على مصالحها الذاتية، وإذا طبقنا ذلك على السجال الدائر على قانون مكافحة الإرهاب سنجد الآتى:
تم الزج ببعض المواد التي تثير اللغو، وتحالف مواد الدستور الذي صنعه الشعب عقب ثورتى ٢٥ يناير و٣٠ يونيو، وغير موجهة للإرهابيين، ونقولها ليس هذا القانون الذي طالب المجتمع به، وبسرعة إصداره لمكافحة الإرهاب! فلو الأمر يتعلق بالتصدى لبث الأخبار الكاذبة.. فلدينا المواد الكفيلة بذلك في قانون العقوبات، وهى التي طبقت على الأستاذ الفاضل إبراهيم عيسى الصحفى ورئيس تحرير الدستور في قضية شائعة مرض الرئيس المخلوع.وسبق لنا أن حذرنا من الإسهال التشريعى، وإصدار تشريعات تؤثر على الاصطفاف، والاحتشاد خلف قواتنا المسلحة، وقيادتنا الوطنية أو بمعنى أدق لا مبرر لإصدارها الآن. فلدينا الكثير، والكثير من مخلفات الاستعمار الإنجليزى كقانون المطبوعات، وما تم إضافته من خلال عمل ترزية القوانين الذين ابتلينا بهم عبر العصور الغابرة، ومازلنا نعانى منها حتى الآن، وكان أجدى بنا أن نتخلص منها. وقانون الإرهاب الذي يطالب به المجتمع يهدف إلى التصدى للقتلة، والسفاحين، والمخربين، وحارقى أبراج الكهرباء وواضعى العبوات الناسفة، والقنابل الحارقة.. إلخ، الأمر الذي يثير الشك، والريبة!! حيث إن المواد المعروضة تؤدى إلى التصادم مع الأسرة الصحفية، وهى داعم أساسى للاصطفاف ضد الإرهاب، والإرهابيين قولًا، وفعلًا، حيث تصدت لجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، وباقى التنظيمات التي تدور في فلكها، وفضحت مخططاتهم، ودفعت الثمن غاليًا حيث سقط منهم شهداء. ونخشى ما نخشاه ممن أعلن عن نفسه أنه تولى المنصب الوزارى من أجل تحقيق المصالحة أو بعض الموالين للمخلوع أو المعزول أو الطابور الخامس الذين نجحوا في التسلل وسطنا لأننا لم نقم حتى الآن بفرز صفوفنا بشكل جيد أن يسعوا للوقيعة ما بين قيادتنا الوطنية، والأسرة الصحفية، وأننا نزكى على ما قاله المستشار الجليل وزير العدل بأنه كان يجب عرض مشروع قانون مكافحة الإرهاب على نقابة الصحفيين، وكان من الممكن أن نتجنب هذه الأزمة، ومحاولات البعض في الصيد في المياه العكرة!! فالصحفيون ليسوا على رأسهم ريشة، ولكن لديهم حساسية شديدة من تعرضهم للحبس بسبب ممارسة مهنتهم، وهذه القضية لا تقبل أنصاف الحلول. وهذا ما حدث إبان أزمة القانون رقم ٩٣ لسنة ١٩٩٥ إبان الرئيس المخلوع، والذي تم إعداده بغرض حبس الصحفيين فاحتشدوا جميعًا على مختلف انتماءاتهم السياسية، والمراحل العمرية وأجناسهم من أجل إلغاء وسحب هذا القانون واكتملت الجمعية العمومية، وتضامنت كل فئات المجتمع معهم واستمرت الجمعية في انعقادها حتى تم سحب هذا القانون، ورفعوا شعار الدفاع عن المهنة فوق أي اعتبار آخر وتحقق لهم ما طالبوا به. يضاف لذلك أن الجماعة الصحفية معذورة في هذه الحساسية بسبب حجم القضايا المنظورة أمام المحاكم، واستدعاءات النيابة المختلفة لهم. وهذا راجع للثقافة المنتشرة لدى العديد من كبار المسئولين ورجال الأعمال، وبعض أفراد النخبة حيث لا يؤمنون بحق الرد، والتصحيح الذي كفله القانون رقم ٩٦ لسنة ١٩٩٦ إنما مجرد النشر أو الكتابة عنهم يسارعون بإقامة القضايا وتقديم البلاغات، وهذا خلق إحساسًا بالترصد لدى الجميع، والملاحقة.
ونأمل أن يتفهم الجميع هذه البواعث، والنية الحسنة ولا داعى للتخوين، والإرهاب، والمصادرة لأن هذا الأسلوب ضار بنا جميعًا. وشعبنا واعٍ، وذكى، ويعلم من أخلص له، ومن تخلى عنه، ومهما حاول البعض في الوقيعة بين الأسرة الصحفية، وقيادتنا الوطنية فلن تجدى هذه المحاولات. وهناك العديد من المهام التي يجب اتخاذها قبل إصدار هذا القانون مثل إصدار قانون تداول المعلومات حتى يتم تفعيل المادة ٨ من قانون سلطة الصحافة رقم ٩٦ لسنة ١٩٩٦ التي تنص على: للصحفى حق الحصول على المعلومات والإحصاءات والأخبار المباح نشرها طبقًا للقانون من مصادر سواء كانت هذه المصادر جهة حكومية أو عامة، كما يكون للصحفى حق نشر ما يتحصل عليه منها، وتنشأ بقرار من الجهة المختصة أو إدارة أو مكتب للاتصال الصحفى كل وزارة أو مصلحة أو هيئة عامة لتسهيل الحصول على ما ذكر بالفقرة السابقة. وكذلك المادة ٩ من ذات القانون التي تنص على: يحظر فرض أي قيود تعيق حرية تدفق المعلومات أو تحول دون تكافؤ الفرص بين مختلف الصحف في الحصول على المعلومات أو يكون من شأنها تعطيل حق المواطن في الإعلام والمعرفة، وذلك دون إخلال بمقتضيات الأمن القومى والدفاع عن الوطن ومصالحه العليا، وإذا كانت إدارة التوجيه المعنوى تنظم دورات للمحاربين العسكريين بل بعضهم يحصل على دورة مركزة بأكاديمية ناصر العسكرية، فنأمل في توسيع هذه الدورات خاصة حول كيفية التصدى لأساليب الجيل الرابع للحروب. كما يجب على الصحف الخاصة، والقنوات الفضائية، والمواقع الإخبارية أن يكون لها محررون عسكريون تعتمد عليهم في الحصول على المعلومات الخاصة بالعمليات الحربية.
ولا يعقل أبدًا أن نعتمد على الصحف الخاصة، والقنوات الخاصة، ونترك أجهزة إعلام الدولة غارقة في مشاكلها كاتحاد الإذاعة والتليفزيون أو الصحف القومية، وهذه مهمة عاجلة لا تحتمل التأخير حتى يوجد توازن ما بين الإعلام الخاص، وإعلام الدولة، وهذه مسألة أمن قومى حتى يتمكن لنا التصدى لقنوات وأجهزة إعلام جماعة الإخوان الإرهابية التي تبث من جهات متعددة، ومراجعة الموقف للمواقع الإخبارية التي تركت بلا ضابط.
وهناك الكثير، والكثير مما يجب عمله لأننا في حرب حقيقية في مواجهة الإرهاب الذي يستهدف الأخضر واليابس في وطننا، ونأمل في أن يتدخل العقلاء لحل هذه الأزمة، ولا نتعجل في إصدار هذا القانون، ومراجعته لأننا في حاجة ماسة لقانون حقيقى لمكافحة الإرهاب. فعلى سبيل المثال التعديل الحكومى الأخير للمادة ٣٣ تمت إضافة الحرمان من ممارسة المهنة سنة على الأكثر، وهذا سيؤدى إلى مشكلة أخرى لأن هذا التعديل يتعارض مع نص المادة ٣٤ من قانون سلطة الصحافة التي تنص على «تختص نقابة الصحفيين وحدها بتأديب الصحفيين من أعضائها، وتطبق في هذا الشأن الأحكام الواردة في قانون نقابة الصحفيين فيما لا يتعارض مع أحكام هذا الفصل. وأخيرا لا يبقى سوى الاصطفاف، والاحتشاد خلف قواتنا المسلحة، وقيادتنا الوطنية، وجهاز الشرطة للتصدى للإرهاب بكل أشكاله سواء في الداخل أو الخارج، والحوار، والنقاش، والخلاف بعيدًا عن التخوين من أجل تعزيز هذا الاصطفاف، وإننا بإذن الله تعالى لمنتصرون.