قبيل الانتهاء من كتابة هذا المقال وقع حادث الانفجار أمام مبنى ليوناردو دافنشى التابع للسفارة الأمريكية بالقاهرة في محاولة فاشلة لتشويه صورة مصر بالخارج، وهذا ما أردت إبرازه في المقال، من الملاحظ أن جميع التقارير السنوية الصادرة عن منظمة العفو الدولية والمنظمات الشبيهة المتعلقة بحقوق الإنسان بالخارج منذ فترة ليست بالقصيرة ترسم صورة سلبية ومشوهة لمصر في ذهنية كثير من دول العالم، وتؤثر بشكل كبير في تكوين هذه الصورة ما تسمى شركات الـ PR أو العلاقات العامة المتخصصة في تشكيل الرأى العام بهذه الدول، فمن المعروف أن هذه الشركات تحصل على أموال طائلة من التنظيمات الإرهابية، ومنها التنظيم الدولى للإخوان مقابل القيام بهذه المهمة، وتتركز في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، وإلى حد كبير في الولايات المتحدة وكندا.
والسؤال ماذا فعلنا نحن المصريين لمواجهة هذه الحملات الشرسة ضد مصر؟
أخشى أن يكون لا شيء، بل نظل واقفين مكتوفى اليدين لا نملك من أمرنا شيئا أو نعتمد على أساليب تقليدية عفا عليها الزمن في إدارة إعلامنا الخارجى.
في تصورى، أن وظيفة الإعلام الخارجى أخطر بكثير من وظيفة الإعلام الداخلى المتمثل في وسائل الإعلام التقليدية، مثل الصحف الورقية، والإذاعة المرئية والمسموعة، وحتى الإعلام الجديد المتمثل في الجرائد الإلكترونية معظمه باللغة العربية، ويخاطب المتصفح المحلى، وبالتالى تأثير هذا النوع من الإعلام محدود جدا في مخاطبة الآخر، كذلك القنوات الموجهة بلغات أجنبية محدودة التأثير، ولا يوجد لدينا غير قناة النيل الدولية، وهى محملة على القمر الصناعى المصرى نايل سات، وأخيرا تم تحميلها أيضا على قمر آخر يسمى جالكسى ٥ يصل إلى بعض الدول الأفريقية، وهى قناة إنشئت في الأصل لمخاطبة الآخر، ومن المفترض أنها تمثل جسرا إليه، ولكن اكتشفنا بعد فترة أنه لا يراها، لأن المتلقى في الدول الأوربية وفى القارة الأمريكية يستخدم نظام الكابل، وليس الدش المتعارف عليه في المنطقة العربية!!
إن المعنى بإلاعلام الخارجى هو مكاتبنا الإعلامية في الخارج، وهى مكاتب تابعة للهئية العامة للاستعلامات، وكما أسلفت أننا نتعامل مع الإعلام الخارجى بطرق بدائية، ولو كان لهيئة الاستعلامات دور فاعل، ما حدث تشويه لصورة مصر في الخارج، حيث لا تعدو المكاتب الإعلامية إلا مجرد مكاتب خدمية أو تشهيلات ملحقة بالبعثات الدبلوماسية بالخارج تراجع الصحف المحلية والأجنبية، وتستقبل البعثات الرسمية، وخلال عملى باتحاد الإذاعة والتليفزيون لمدة ٣٨ عاما سافرت دولا كثيرة في مهام رسمية، وللأسف يمارس المستشار الإعلامي دوره، خاصة في الدول العربية والأفريقية بشكل وظيفى بيروقراطى صِرف، من هنا جاء فشل الإعلام الخارجى، وأتعجب لماذا تتبع الهيئة العامة للاستعلامات رئاسة الجمهورية؟! أليس من باب أولى أن تكون تابعة لوزارة الخارجية، أولا لأنها ملحقة بالسفارات، ثانيا لأن وزارة الخارجية منوط بها رسم وتنفيذ السياسة الخارجية والإعلام الخارجى، والحفاظ على الصورة القومية لمصر من ضمن مكونات السياسة الخارجية، ثالثا يتم تعيين موظف بدرجة سفير بشكل دائم على رأس هذه الهيئة، وإن كنت أرى أنه لم يستطع أن يخلص الهيئة من تبعات فكر الموظفين التقليدى، ولهذا يجب أن يعاد النظر في واجبات المكاتب الإعلامية، خاصة في الدول التي نجد فيها نشاطا معاديا لمصر، وتنقل هيئة الاستعلامات إلى وزارة الخارجية بكل مخصصاتها، لأنه لا معنى لها أن تكون تابعة للرئاسة ولا تؤدى دورها كما ينبغى، ويتولى رئاسة المكتب الإعلامي بالخارج دبلوماسى له خبرة في مجال الإعلام والرأى العام، أو يتولاه إعلامي أو صحفى من أصحاب الخبرات في الاتصال الجماهيرى وكيفية مخاطبة الآخر، ويلحق بوزارة الخارجية.
ويجب أن تمد الحكومة المكتب الإعلامي بكل ما يحتاجه من عناصر بشرية ومادية وتقنيات حديثة تساعده على أداء وظيفته في تفنيد ومواجهة الحملات المشوهة لصورة مصر بالخارج، ويكون له امتداداته في مراكز صنع القرار في الدولة الموجود بها ومراكز تشكيل الرأى العام مثل الصحافة والإعلام، وله علاقات مؤثرة بعناصر توجيه الرأى، مثل المفكرين والكتاب والساسة والأدباء والفنانين، ويؤدى المكتب الإعلامي دورا مهما في تفعيل روابط وجمعيات الجالية المصرية بشكل يجعلها تساهم في قطع الطريق على شركات العلاقات العامة المؤجرة لتشويه صورة مصر، وتعظم من دور الفعاليات المصرية بالخارج، مثل المعارض والندوات والمشاركات المصرية في المؤتمرات العلمية، هذا إضافة إلى الزيارات الرسمية، ومنها زيارات الوزراء وكبار المسئولين، وبالطبع زيارات رئيس الجمهورية لهذه الدولة أو تلك بدلا من مولد الفنانين الذي يصاحب الزيارة وبلا أي تاثير سياسي.
كلمة أخيرة، قد ننجح إعلاميا في الداخل لكن أي فشل في إعلامنا الخارجى سيفرغ هذا النجاح من مضمونه والكارثة - لا قدر الله- إذا أصاب الفشل الإعلام داخليا وخارجيا وهذا له حديث آخر!!