حينما ننظر إلى مشاكلنا القومية والسياسة والاقتصادية سنكتشف أن كلها تنبع من كونها متسببة من الخلافات والصراعات والمزايدات.
فمشاكلنا القومية بطبيعتها تأتى من الخلاف حول الانتماء إلى كيانات دينية أو عقائدية أو فكرية ترفض الفهم المشترك فتتحول إلى صراعات ومزايدات، وحينئذ تتشتت الجهود وتفقد الأمة أي عائد مفيد.
ولنأخذ أمثلة لحالات تقبل فيها كيانات الأمة المختلفة أن تجتمع على كلمة سواء بحثا عن فهم مشترك وجهود موحدة وحينئذ سننال جميعا عائدا يعود على الجميع بقدر كبير من المنفعة.
وفى حالة الكيانات الدينية بالذات إذا اختارت أن تعيش في محبة وتآخى فمعنى ذلك أنهم اختاروا السلام، وإذا وضعوا في ذاكرتهم كيف أن قداسة البابا شنودة رحمه الله، جعل من كلمة المحبة قيمة مقدسة ورباطا بين البشر جعلنى يوم الأربعين لوفاته أوجه إليه في كلمتى بالكاتدرائية معنى سجلته في قلبى حينما قلت «إنه عبقرى المودة»، وكان الشعب القبطى من أخوتى يوجهون إلى التحية وهم يغادرون الكنيسة ويقبلونى والدموع في أعينهم.
ولم ينس مسلم مؤمن واحد كلمات قداسة البابا تواضرس وهو يقول كلمات كلها حكمة بعد حرق الكنائس في جنوب مصر – من جانب المتطرفين الذين فقدت قلوبهم الإيمان – وكانت الحكمة وضبط النفس من جانب قداسة البابا تقصد حماية الوطن من الفتنة والانفجار.
وهنا يجب على كل مسلم عاقل حينما يعرف هذه المواقف الحكيمة من قيادة الكنيسة ورجالها أن يوجه تحية إجلال واحترام إلى إخواته الأقباط الذين يعيشون معنا في وطن واحد، وليتذكر كل وطنى على أرض مصر كيف اختلط دم القبطى والمسلم أثناء معركة أكتوبر والآن على أرض سيناء.وكيف كان القادة العسكريون من إخواننا الأقباط أبطالا حقيقيين.
ويجب ألا ننسى أن مصر منذ تاريخها القديم وقت الاحتلال الإنجليزى واليوم في عهد الشياطين من قطر وتركيا وأمريكا، يحاولون اللعبة القذرة للفتنة ومحاولات كسر الوحدة الوطنية.
أما عن الكيانات العقائدية من اشتراكية وناصرية وماركسية وليبرالية فهذه قصة أخرى في العائلات الثلاث العقائدية هناك عناصر مشتركة كثيرة ولكن الشخصانة في العلاقات التي تربط القيادات تجعل التنافس بينها أحيانا قويا أو عنيفا وعلى كل لم أر بين هذه الكيانات تعاونا تنظيميا وفكريا، ولكن الكيان الليبرالى له استقلالية فكرية وأسلوب في التعبير تجعل في لغتة في الدفاع عن مصالحة المعنوية والمادية شبهه من الأنانية.
ولكن أقولها بصراحة هناك بعض الكيانات الليبرالية لها عطاء اجتماعى يستحق التقدير إلا في الحالات التي يستعمل فيها العطاء على سبيل الدعاية.
وبخصوص الكيانات الفكرية فما أحسن من الفكر كأسلوب حضارى للتعبير، ولكن على المستوى العملى فحينما يختار المفكرون الأصوات العالية وما يسميه البعض «لغة الحنجريات».. وكأن الصوت العالى تعبير عن القوة والقدرة على قهر الآخر.. فكريا!!
لم أر في حياتى أصواتا هادئة مثل صور الكاتب والمفكر طه حسين والعبقرى نجيب محفوظ.
وأعجب وأنا استمع لمناقشات على شاشة التليفزيون يهيأ إلىّ وكأن هناك صراعا قد يصل إلى تشابك بالأيدى، وأندهش وأنا أرى زملائى من المسئولين عن إدارة الحلقات النقاشية عاجزين عن فرض الهدوء وأدب الحوار.
باختصار إذن في العلاقات التي تربط الكيانات الدينية أو العقائدية أو الفكرية.. كلها في احتياج لقاعدة لا تتغير.. احترام الآخر.
المطلوب إذن لحل مشاكلنا القومية هو لغة الحوار الحضارى، أما مشاكلنا الاقتصادية فهى بالغة الصعوبة والتعقيد لأنه يحكمها التنافس وأحيانا المنافسة غير الشريفة فضلا عن صراع القوى.
الاقتصاد والمال يغلب عليه طابع الأنانية، وقد تكون لغة الأنانية تمارس بنوع من التعقل والاعتدال فيجعل المنافسة مقبولة.
بقى لنا أنا نتكلم عن مشاكلنا السياسية وهنا من السهل أن تصل إلى لغة الصراع أو الصدام أو معارك ومجازر في أسبابه.
فإذا نظرنا مثلا إلى أحداث الإرهاب التي اعتدت على القنصلية الإيطالية فلن نجد هناك سببا أو مبررا فالإيطاليون يربطهم بشعب مصر علاقة طيبة. ولكن كما نعلم الإرهاب أعمى ولا يرى غير الحقد والانتقام لإرهاب الدولة.