تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
يعجبنى أداء العميد محمد سمير، المتحدث العسكري، واثق من نفسه، يعرف ما يريده، يختار كلماته ويكثف عباراته، لا يثرثر كثيرا، يهاجم عندما يحتاج الأمر هجوما، ويتراجع عندما يحتاج الأمر تراجعا، ويصمت تماما عندما يكون الكلام عبئا على الأمن القومى، الذي نسعى جميعا للحفاظ عليه.
أثق أن العميد محمد سمير- لسان المؤسسة العسكرية ومتحدثها الرسمى- يعرف جيدا حدود الدور المكلف به، يحيط بحدود وظيفته إحاطة كاملة، لا يستطيع أحد أن يشكك في هذا إطلاقا.
لكن هل يعرف بنفس الدرجة حدود الدور المكلف به الصحفى؟ ليس من قبل مؤسسته الرسمية، ولكن من قبل الناس في الشارع؟ هؤلاء الذين ينتظرون منه أن ينقل لهم ما يجرى على الأرض، ولا يرحمونه إذا تأخر عليهم، هنا يمكن لى- كما يمكن لغيرى- أن يشكك فيما يعتقده المتحدث العسكري.
أعرف أن هناك رغبة لدى المسئولين في كل عصر أن يصبح الصحفى مجرد ساعى بريد، يحمل ما يمنحونه من معلومات إلى قارئه دون أدنى تدخل منه، وحتى لو لم يفهم ما لديه، فهذا ليس شأنه.
وأعتقد أن سبب الأزمات المتعاقبة بين النظام والصحفيين- وآخرها أزمة مواد الإعلام في قانون مكافحة الإرهاب– هو تصور النظام عن الدور الذي يجب أن تقوم به الصحافة.
يريد النظام أن تتحول الصحافة إلى جارية جميلة ومثقفة وفاتنة ومثيرة، عندما يطلبها لأى من أغراضه يجدها جاهزة، ليس من حقها أن تتأخر عليه، وليس من حقها أن تناقش ما يراد لها ومنها، فهى مسلوبة الإرادة تماما في غرفة سيدها.
لا يمكن لأحد أن يناقش ما يردده المسئولون الآن- وعلى رأسهم المتحدث العسكري- من أن الصحافة لا بد أن تتحرى الدقة فيما تنشره، لكن هل هذا فعلا ما يريدونه؟ هل هذا فعلا ما يحرصون عليه؟ هل هذا ما ينتظرونه؟
لا يريد المسئولون من الصحافة أن تتحرى الدقة أو نشر المعلومات الصحيحة، يريدون لها أن تنشر ما يقولونه هم دون زيادة أو نقصان، باعتباره هو المعلومات الصحيحة، لا يريدون من الصحفى أن يسأل، أو يحاور، أو يناقش، أو يبحث، أو يعترض إذا ما كانت المعلومات غير دقيقة أو غير منطقية، اكتب ما يملى عليك فقط.
كانت مفارقة أن ينص من وضعوا قانون مكافحة الإرهاب على حبس الصحفى عامين إذا ما نشر معلومة عن واقعة إرهابية لم ترد في بيان رسمى من الجهات المعنية، لكنه لم ينص تصريحا ولا تلميحا، على أي عقوبة للمسئول الذي يصدر بيانا رسميا فيه مغالطات، وكأن المسئول الرسمى في مكانه يصل إلى درجة الإله، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
وقت الحرب لا بد أن يعمل الجميع من أجل الحفاظ على هذا الوطن، الجندى الذي يحارب والصحفى الذي يكتب، لكن ونحن نفعل هذا لا بد أن يقتنع الطرفان أنهما شركاء في المعركة، ليس من المناسب أبدا أن يتسرب الشك في نفوس الطرفين، فتتحول المعركة من أرضها الصحيحة، إلى قلب الوطن، فنترك البلد ليمزقه أعداؤه، استجابة لشهوة كل طرف أنه صاحب الحق، فعندما يضيع الوطن سنكون كلنا مخطئين.
يحاول من يحارب بالسلاح أن يحافظ على سرية ما يقوم به، ثم يختار هو الوقت المناسب ليعلن عما لديه، ويحاول من يحارب بالقلم، أن يلبى احتياجات الرأى العام للمعرفة، وهى احتياجات لا يمكن تأجيلها، أو الاستعلاء عليها، والحل ليس في أن نتبادل الاتهامات، أو نعد لبعض الكمائن، ولن نجلس على مائدة واحدة من أجل كلمة سواء.
لن يستطيع أحد أن يقهر الإعلام، يمكن أن يحدث هذا لبعض الوقت، لكنه لا يدوم، لأنه إذا دام دمر، وعليه فليس أمام النظام إذا كان يريد خيرا لهذا الوطن- وأثق أنه يريد ذلك– إلا أن يتعامل مع الإعلام على أنه سلاحه في حربه ضد الإرهاب وفى معركة الخروج بهذا البلد إلى بر الأمان، ليس أمام النظام طريق آخر، إلا استيعاب سلاحه الإعلامي دون صدام معه، فليسلكه الآن، لأن أي توتر أو قلق أو عدم تفاهم أو عدم تفهم لدور الإعلام، لن يكون في صالح أحد.