قناة الجزيرة زادت من وتيرة هجومها وكثفت من أكاذيبها وأضاليلها خلال هذه الفترة، ومن لحظة استشهاد النائب العام حتى سقوط خلية 6 أكتوبر وتصفية عناصرها مرورًا بعملية كمائن (الشيخ زويد) الفاشلة
للتخصص العلمى قدسية ورهبة تصد عنه العامة، وتكاد تغلقه على أهل الاختصاص، ورغم ما تثيره تلك الواقعة من جدل حول مبررات ذلك السياج ومعقوليته، بل وشرعيته أيضًا، إلا أن كل ذلك لا يقلل من كونه حقيقة واقعة بالفعل. فالعامة حيال كل علم متخصص يكاد ينتظمهم موقف موحد، مؤداه أن القول الفصل فى قضايا ذلك العلم قاصر على المتخصصين فيه، وأنه ليس أمامهم - أى العامة - سوى انتظار هذا القول من أصحابه، والأخذ به دون اجتراء على معارضته، أو حتى إقدام على مناقشته. ولا ينفى ذلك حدوث خروج أحيانًا على الانتظام فى هذا الموقف من العامة، أو من يطلق عليهم أهل الاختصاص صفة «غير المتخصصين» غير أن ذلك لا يعدو أن يكون شذوذًا لا ينفى القاعدة بل يؤكدها.
غير أن ذلك الاتساق والتكامل اللذين نلاحظهما فى العلاقة بين موقف العامة وأهل الاختصاص حيال الكثير من مجالات التخصص العلمي، نفتقدهما بشكل يكاد يكون صارخًا بالنسبة لعلوم الإنسان بعامة، وبالنسبة لعلم النفس بوجه خاص. فموقف العامة حيال تلك العلوم يكاد - بدرجة أو بأخرى - أن يكون مناقضًا تمامًا لموقف أهل الاختصاص فيها، ومناقضًا أيضًا لموقف أولئك العامة حيال مجالات التخصص الأخرى. وسوف نقصر حديثنا على علم النفس بالتحديد مكتفين بالإشارة إلى غيره من العلوم الإنسانية كلما دعت حاجة التمييز إلى ذلك.
علم النفس.. من الاستهانة إلى الاستحالة
يتخذ العامة من علم النفس موقفًا يمكن تلخيصه فى أنهم يعتبرونه مجرد معارف يمكن لأى فرد أن يحصلها دون أن يستلزم ذلك إعدادًا خاصًا ولا خبرة متخصصة، بمعنى أن أى فرد يستطيع الإلمام بعلم النفس وحسم قضاياه من خلال وعيه لاتصالاته بالآخرين، بل حتى من خلال استبصاره بنفسه ومشاعره هو فحسب. ومؤدى ذلك الموقف من الناحية العملية، أنه ليس ثمة تخصص فى علم النفس، وبالتالى فليس ثمة متخصصون فى علم النفس. الجميع على قدم المساواة حيال قضايا ذلك العلم، سواء فى طرح تلك القضايا أو فى التصدى لمناقشتها دون قيد، سوى رغبة المرء نفسه فى أن يشترك فى الحوار أو يعزف عنه. وبالتالى فإن من نطلق عليهم صفة التخصص فى علم النفس لا يتميزون سوى بأنهم أكثر اهتمامًا بذلك النوع من القضايا، وهم لذلك أكثر طرحًا لها. ولا تعنى زيادة اهتمامهم بتلك القضايا أو بطرحهم لها وجودًا لتخصص بالمعنى المتعارف عليه. ولكيلا يتبادر الى الذهن أننا إنما نتعرض لموقف تاريخى عفا عليه الزمن ولم تعد منه سوى الذكرى. ولكى لا نقع أيضًا فى منزلق الخلط بين ما نعنيه بمصطلح «العامة» وما قد يعنيه سوانا بذلك المصطلح من إشارة إلى «الأميين» أو «المتخلفين» أو غير ذوى الاختصاص بشكل مطلق، وليس بالشكل النوعى المحدد الذى نعنيه والذى يعنى أن العامة بالنسبة لمجال تخصص محدد قد يضمون بين صفوفهم - بل إنهم يضمون بالتأكيد - المتخصصين فى مجالات أخرى متخصصة، ولكى نتلافى كل ذلك يكفى أن نشير إلى أن اصطلاح «العلوم» ما زال قاصرًا حتى يومنا هذا - فى كثير من دول العالم - على العلوم الطبيعية دون جميع العلوم المتعلقة بالإنسان ومن بينها بطبيعة الحال علم النفس. ولسنا فى حاجة إلى تفصيل انعكاسات تلك التفرقة على تصنيف الدراسات الأكاديمية وغيرها لدينا، فهى تفوق الحصر وغنية عن البيان.
وإذا كان العامة يتخذون من علم النفس موقف التبسيط المفرط إلى حد أنهم ينكرون عليه مجرد وجوده كعلم، فماذا عن موقفنا نحن المتخصصين فى هذا العلم؟ إن كثيرًا منا نحن أهل الاختصاص فى علم النفس يتخذون حيال مجال تخصصهم موقف التصعيب المفرط إلى حد أنهم لا يعتبرونه علمًا فحسب، بل يعتبرونه أصعب العلوم. ولا يكاد يدور نقاش بين متخصصى علم النفس على كثرة وتعدد اتجاهاتهم وبين غيرهم إلا ويطرح فيه أهل الاختصاص تلك القضية. قد يطرحها البعض من قبيل تقرير الواقع أحيانًا، وقد يطرحها البعض كتبرير لنواقص يراها فى مجال تخصصه أو يخشى أن يراها فيه الآخرون، وقد يطرحها غير هؤلاء كتفسير لما يمكن أن تسفر عنه نتائج البحوث النفسية المختلفة من تناقضات. ولكن هؤلاء جميعًا على اختلاف مدارسهم وتنافرها يكادون يجمعون - وهم نادرًا ما يجمعون على شيء - على اعتبار تلك القضية، أى قضية أن علم النفس أصعب من بقية العلوم، هى التفسير الوحيد لتأخر انفصال علم النفس عن الفلسفة، أو بعبارة أخرى لحداثة عهد علم النفس. ولقد يختلف علماء النفس فى حصرهم لأوجه تلك الصعوبة، أو فى تصنيفهم لتلك الأوجه، أو ترتيبهم لها حسب أهميتها، ولكنهم مهما مضت بهم اختلافاتهم لا يخرجون عن التسليم بأن ما أدى إلى تأخر استقلال علم النفس إنما هى صعوبته، وأن تلك الصعوبة أمر لصيق بذلك العلم.
للتخصص العلمى قدسية ورهبة تصد عنه العامة، وتكاد تغلقه على أهل الاختصاص، ورغم ما تثيره تلك الواقعة من جدل حول مبررات ذلك السياج ومعقوليته، بل وشرعيته أيضًا، إلا أن كل ذلك لا يقلل من كونه حقيقة واقعة بالفعل. فالعامة حيال كل علم متخصص يكاد ينتظمهم موقف موحد، مؤداه أن القول الفصل فى قضايا ذلك العلم قاصر على المتخصصين فيه، وأنه ليس أمامهم - أى العامة - سوى انتظار هذا القول من أصحابه، والأخذ به دون اجتراء على معارضته، أو حتى إقدام على مناقشته. ولا ينفى ذلك حدوث خروج أحيانًا على الانتظام فى هذا الموقف من العامة، أو من يطلق عليهم أهل الاختصاص صفة «غير المتخصصين» غير أن ذلك لا يعدو أن يكون شذوذًا لا ينفى القاعدة بل يؤكدها.
غير أن ذلك الاتساق والتكامل اللذين نلاحظهما فى العلاقة بين موقف العامة وأهل الاختصاص حيال الكثير من مجالات التخصص العلمي، نفتقدهما بشكل يكاد يكون صارخًا بالنسبة لعلوم الإنسان بعامة، وبالنسبة لعلم النفس بوجه خاص. فموقف العامة حيال تلك العلوم يكاد - بدرجة أو بأخرى - أن يكون مناقضًا تمامًا لموقف أهل الاختصاص فيها، ومناقضًا أيضًا لموقف أولئك العامة حيال مجالات التخصص الأخرى. وسوف نقصر حديثنا على علم النفس بالتحديد مكتفين بالإشارة إلى غيره من العلوم الإنسانية كلما دعت حاجة التمييز إلى ذلك.
علم النفس.. من الاستهانة إلى الاستحالة
يتخذ العامة من علم النفس موقفًا يمكن تلخيصه فى أنهم يعتبرونه مجرد معارف يمكن لأى فرد أن يحصلها دون أن يستلزم ذلك إعدادًا خاصًا ولا خبرة متخصصة، بمعنى أن أى فرد يستطيع الإلمام بعلم النفس وحسم قضاياه من خلال وعيه لاتصالاته بالآخرين، بل حتى من خلال استبصاره بنفسه ومشاعره هو فحسب. ومؤدى ذلك الموقف من الناحية العملية، أنه ليس ثمة تخصص فى علم النفس، وبالتالى فليس ثمة متخصصون فى علم النفس. الجميع على قدم المساواة حيال قضايا ذلك العلم، سواء فى طرح تلك القضايا أو فى التصدى لمناقشتها دون قيد، سوى رغبة المرء نفسه فى أن يشترك فى الحوار أو يعزف عنه. وبالتالى فإن من نطلق عليهم صفة التخصص فى علم النفس لا يتميزون سوى بأنهم أكثر اهتمامًا بذلك النوع من القضايا، وهم لذلك أكثر طرحًا لها. ولا تعنى زيادة اهتمامهم بتلك القضايا أو بطرحهم لها وجودًا لتخصص بالمعنى المتعارف عليه. ولكيلا يتبادر الى الذهن أننا إنما نتعرض لموقف تاريخى عفا عليه الزمن ولم تعد منه سوى الذكرى. ولكى لا نقع أيضًا فى منزلق الخلط بين ما نعنيه بمصطلح «العامة» وما قد يعنيه سوانا بذلك المصطلح من إشارة إلى «الأميين» أو «المتخلفين» أو غير ذوى الاختصاص بشكل مطلق، وليس بالشكل النوعى المحدد الذى نعنيه والذى يعنى أن العامة بالنسبة لمجال تخصص محدد قد يضمون بين صفوفهم - بل إنهم يضمون بالتأكيد - المتخصصين فى مجالات أخرى متخصصة، ولكى نتلافى كل ذلك يكفى أن نشير إلى أن اصطلاح «العلوم» ما زال قاصرًا حتى يومنا هذا - فى كثير من دول العالم - على العلوم الطبيعية دون جميع العلوم المتعلقة بالإنسان ومن بينها بطبيعة الحال علم النفس. ولسنا فى حاجة إلى تفصيل انعكاسات تلك التفرقة على تصنيف الدراسات الأكاديمية وغيرها لدينا، فهى تفوق الحصر وغنية عن البيان.
وإذا كان العامة يتخذون من علم النفس موقف التبسيط المفرط إلى حد أنهم ينكرون عليه مجرد وجوده كعلم، فماذا عن موقفنا نحن المتخصصين فى هذا العلم؟ إن كثيرًا منا نحن أهل الاختصاص فى علم النفس يتخذون حيال مجال تخصصهم موقف التصعيب المفرط إلى حد أنهم لا يعتبرونه علمًا فحسب، بل يعتبرونه أصعب العلوم. ولا يكاد يدور نقاش بين متخصصى علم النفس على كثرة وتعدد اتجاهاتهم وبين غيرهم إلا ويطرح فيه أهل الاختصاص تلك القضية. قد يطرحها البعض من قبيل تقرير الواقع أحيانًا، وقد يطرحها البعض كتبرير لنواقص يراها فى مجال تخصصه أو يخشى أن يراها فيه الآخرون، وقد يطرحها غير هؤلاء كتفسير لما يمكن أن تسفر عنه نتائج البحوث النفسية المختلفة من تناقضات. ولكن هؤلاء جميعًا على اختلاف مدارسهم وتنافرها يكادون يجمعون - وهم نادرًا ما يجمعون على شيء - على اعتبار تلك القضية، أى قضية أن علم النفس أصعب من بقية العلوم، هى التفسير الوحيد لتأخر انفصال علم النفس عن الفلسفة، أو بعبارة أخرى لحداثة عهد علم النفس. ولقد يختلف علماء النفس فى حصرهم لأوجه تلك الصعوبة، أو فى تصنيفهم لتلك الأوجه، أو ترتيبهم لها حسب أهميتها، ولكنهم مهما مضت بهم اختلافاتهم لا يخرجون عن التسليم بأن ما أدى إلى تأخر استقلال علم النفس إنما هى صعوبته، وأن تلك الصعوبة أمر لصيق بذلك العلم.