الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

ابن تيمية المفترى عليه (3)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
توقفنا فى المقال السابق عند ذهاب ابن تيمية إلى خيمة ملك التتار قازان على مشارف دمشق حيث وجد لديه الشيخ الصدر، والشيخ سيف الدين المنصورى، وبعدما تحدث ابن تيمية عن حرمة اعتداء المسلم على المسلم وأن التتار ماهم إلا غزاة ويجب محاربتهم حتى وإن اعتنقوا الإسلام، طلب قازان من المنصورى أن يحاور ابن تيمية بما لديه من حجج، فأبطل ابن تيمية كل حجج المنصورى، وكشف عن جهله وعدم درايته بأمورٍ كثيرة فى الإسلام، وراح قازان يفكر فى أمر ذلك الشاب النابغة، من أين لك بكل هذا العلم الغزير يابن تيمية؟! كيف تُلحق الكلمة بالكلمة وتدفع الرأى بالرأى بآية وحديث، وكيف تجمع بين هذا وذاك وبين منطق العقل؟! ولم يدرك قازان حقيقة أن العلم هبة من عند الله، فسبحانك ربى قلت وقولك الحق «وعلمناه من لدنا علما» (الكهف/٦٥) ومن أراد الله له الخير جعله فقيهاً وكشف له من أسرار العلم الكثير والكثير، المهم أن قازان عدل عن قراره وعاد إلى بلاده وازداد حب والى دمشق الأمير جمال الدين الأفرم لابن تيمية فأرسل إلى السلطان فى مصر يبلغه بما حدث فأمر السلطان الناصر قلاوون بأن تكون الدعوة على المنابر يوم الجمعة لابن تيمية، فدعت كل المنابر فى دولة الإسلام من شرقها إلى غربها للشيخ ابن تيمية الذى أقنع «قازان» بالرجوع عن دمشق، لكن المنصورى راح يلعب برأس «قازان» مرة أخرى ويحرك أطماعه فى الشام ومصر، ويحدثه عن خلافة جديدة للتتار تعيد الأمجاد الأولى للخلافة الإسلامية التى وهنت وصارت مجرد صورة هيكلية بعد انفصال الكثير من الممالك والولايات، «آن لك ياقازان أن تجمع حبات العقد التى تفرقت وأن تصبح الخليفة العادل»، وراقت كلمات المنصورى لقازان وجاءت الأخبار بتحرك جيوش التتار مرة أخرى إلى حدود دمشق، فقرر الأمير الأفرم إرسال ابن تيمية إلى مصر فى مهمة سرية وذلك بهدف لقاء السلطان الناصر قلاوون وعرض الأمر عليه، وهنا.. فى القاهرة، اكتشف ابن تيمية حقيقة جد خطيرة وهى أن الأمر والنهى فى يد «سيلار» نائب السلطان و«الجاشنكير» قائد العسكر وإن كان الأخير أكثر قوة من الأول، أما السلطان فلا حول له ولا قوة، إنه لا يغادر قصره ورجال سيلار والجاشنكير يحاصرونه لكن أحداً لا يفكر فى قتله لأن العامة تحبه وتوقره ولأن صراعاً دامياً سيحدث بين القائدين إذا قُتل الناصر قلاوون، وإذن فليبقى كصورة فقط، والجاشنكير كان يكره ابن تيمية لا لشىء إلاَّ لأنه أثبت جسارة عند لقاء قازان فهو كان يريد سقوط دمشق فى يد التتار حتى تهتز ثقة الناس بالناصر قلاوون ويتحول إلى سلطان مهزوم، أما ابن تيمية فقد أعاد الثقة مرة أخرى بين الشعب وبين قلاوون وراحت الجماهير بعد صلاة الجمعة تهتف باسم الناصر قلاوون وهذا بالطبع أثار غضب وحقد الجاشنكير، لذا فقد اتفق مع عددٍ من العلماء الذين يطمعون فى إرضائه على مناقشة ابن تيمية فى كثير من المسائل الدينية الصعبة، على أن يتم ذلك فى مناظرة كبيرة يحضرها الجميع، واتفق الجاشنكير على حكم مسبق لهذه المناظرة وهو الحكم بإعلان فسق ابن تيمية وإدخاله السجن «يروى ابن تيمية هذه القصة كاملة فى الجزء الخامس فى كتابه الفتاوى الكبرى» لقد جرّوا ابن تيمية للحديث فى أمور فلسفية صعبة، وفى أمور دينية لا يجب أن يخوض فيها أى امرئ دون علم، إنها المسألة المعروفة بالأسماء والصفات، وهى مسألة عقائدية بحثها الأئمة الأوائل حين تعرضوا لتفسير قوله تعالى «الرحمن على العرش استوى» ولا يجب الخوض فى مثل هذه القضية دون علم لأن رب كلمة ينطقها المرء دون فهم لحقيقتها تخرجه من الملة دون أن يدرى، إنها قضية شائكة ظهرت عنها العقيدتان الطحاوية والأشعرية، ودون الخوض فى هذه التفاصيل حُكم على ابن تيمية بالسجن دون تحديد مدة.. وللحديث بقية.