يؤكد الكثير من شيوخنا الأفاضل أن ثمة تخصصا فى العلوم الدينية، وأن مهمة إصلاح أو تجديد أو تطوير الخطاب الدينى لا ينبغى أن يخوض فيها عامة المسلمين، وأن تقتصر فحسب على المتخصصين فى العلوم الدينية. ورغم ما قد يثيره هذا التحديد الصارم من تحفظات لعل أشدها خطرا مدى اعتبار تاريخ المسلمين مما لا يمكن الخوض فيه سوى لأهل الاختصاص فى العلوم الدينية.
وحيث إننى مواطن مصرى مسلم مهموم بشأن وطنى وديني، وحيث إننى لا أستطيع الزعم بتخصصى فى العلوم الدينية، فقد بدا لى مسموحا أن أحاول توظيف تخصصى فى علم النفس السياسى فى المساهمة بجهد ضئيل فى التصدى الفكرى لظاهرة الإرهاب، بصرف النظر عن الرداء الفكرى الذى يتسربل به الإرهابيون.
وبدأت أن أسأل: ترى كيف يتم تدريب الفتى أو الفتاة لممارسة الفعل الإرهابى بما يتطلبه من قتل وتدمير بل وانتحار؟
وحين عدت إلى تراث علم النفس السياسى، وجدت أن كل ما يلزم غرسه لكى يصبح هذا الشخص إرهابيا، أربع خصائص يتم تدريبه على تمثلها:
الخاصية الأولى، أن القوة هى السبيل لكى تكون محترما، وأن تحصل على ما تريد، أما التفاوض والإقناع والأخذ والرد فهى أمور مائعة يلجأ إليها الضعاف، ينبغى أن تكون حاسما وقويا ترد على العنف بالعنف، بل وترد على شبه العنف بالعنف، وأن تبدو للآخرين قادرا على سحقهم بحيث لا تحتاج حتى إلى استخدام القوة بالفعل.
أما الخاصية الثانية، فهى أن أدربه وأعده فكريا على أنه لا وجود للون الرمادي، فالدنيا أبيض وأسود، والحديث عن تعدد الألوان واللكنة وأن كل شيء له جانب سيئ وجانب طيب، هذا حديث لا قيمة له عليك أن ترى العالم بمنظار واضح هذا سيئ وهذا حسن ولا شيء بينهم.
الخاصية الثالثة، هى أن أدربه على أن الثقة فى الرجال تسبق الثقة بالأفعال والأقوال، فإذا كنت تثق فيه حقا وصدقا، فعليك ألا تصدق نفسك حتى إذا ما رأيتنى أرتكب خطأ!! فالثقة هى الأساس.
أما الخاصية الرابعة، فهى أن أدعم لديه شعورا بأننا نحن الأفضل والأصوب فى كل شيء لا جدال فى ذلك.
أربع خصائص لو نجحنا فى غرسها - والنجاح فى غرس هذه الخصائص ليس بالأمر الصعب- تتحول الجماعة المستهدفة إلى جماعة إرهابية بصرف النظر عن توجهها الفكرى أو الأيديولوجى أو ظروفها الاجتماعية أو أى شيء، بمعنى أننى حين أرى مظاهرات لشباب من الإخوان المسلمين حتى الآن، كنت للوهلة الأولى كمواطن يفزعنى الإرهاب وأكره هذه الجماعة، ثم حين أستعيد رؤيتى العلمية أرى أنه لا مبرر للفزع لأن هؤلاء نشأوا فى أحضاننا نحن، ونحن دربناهم على هذه الخصائص الأربع، البعض يقول لا الذين دربوهم هم جماعة الإخوان المسلمين، وأنا أود أن أسأل وأتساءل: لو نظر كل منا بداخله هل يجد رفضا حقيقيا داخله هو لهذه الخصائص الأربع؟ هذه الخصائص الأربع تشكل أساسا للإرهابيين، والأخطر من ذلك أنها تشكل أساسا لبعض الفصائل المقاومة للإرهاب! وهذا أمر يجب وضعه فى الاعتبار.
ولعله مما يستوقف النظر أن الكتلة المصرية المسلمة السنية كتلة تختلف عن غالبية الكتل السنية فى العالم، أذكر أن شيعيا من دولة خليجية كان يأتى لزيارة مصر من حين لآخر، وكان يفزع ويندهش حين يرى موالد الحسين والسيدة زينب مزدحمة بالبشر، فيقول متعجبا: هل الشيعة كثيرون إلى هذا الحد فى مصر، وحين كنت أقول له: لا، هؤلاء سنة، فيسأل وقد ازداد اندهاشا كيف يتبركون إذن بالحسين؟ إننا حقا كتلة سنية متميزة لا ترى بأسا أو تناقضا فى الترضى حين يذكرون سيدنا معاوية رضى الله عنه؛ ويعشقون الحسين كرم الله وجهه، وللأسف فإن هذه الكتلة السنية المتميزة تتهم بعدم الوضوح المذهبي.
كنت أعرف صديقا مهندسا شابا ذهب فى نهاية الخمسينيات إلى دولة خليجية طلبا للرزق، وعند وصوله بحث عن مسكن لا يكلفه كثيرا، وبالفعل وجد بغيته، وأقام بين جيران لم يلحظ فى سلوكهم شططا، كان يصاحبهم إلى المساجد للصلاة ويتزاور معهم، ومضت شهور فوجد جيرانه يتجهون إلى مدافن آل البيت فصاحبهم واتخذ مجلسه بينهم، وشاركهم طقوس الحزن والبكاء، ولما لاحظ أحدهم أنه يبدو غريبا على المكان اقترب منه وسأله: ترى هل تعرف لماذا هذا الحزن وذاك البكاء، فأجاب صديقي: إنه إحياء لذكرى الحسين رضى الله عنه ورفاقه الشهداء، فمضى الرجل يسأله: أتعرف ظروف استشهاده رضى الله عنه، فأجاب صاحبي: إنه القتال مع سيدنا معاوية رضى الله عنه، وسأله الرجل: من أين أنت يا بني؟ وحين أجاب صاحبي: من مصر، فوجئ بالرجل يتساءل مندهشا أتترضون على القاتل والقتيل؟ ولم يجد صاحبى سوى أن يجيب الإجابة المصرية التقليدية: ألم يكونوا جميعا صحابة الرسول عليه الصلاة والسلام؟
لا شك أن تلك الإجابة تجسد ما يطلق على تلك الكتلة السنية المصرية من اتهام، مؤداه أنها تفتقد الوعى المذهبى المطلوب، إنها الميوعة المذهبية.
وحيث إننى مواطن مصرى مسلم مهموم بشأن وطنى وديني، وحيث إننى لا أستطيع الزعم بتخصصى فى العلوم الدينية، فقد بدا لى مسموحا أن أحاول توظيف تخصصى فى علم النفس السياسى فى المساهمة بجهد ضئيل فى التصدى الفكرى لظاهرة الإرهاب، بصرف النظر عن الرداء الفكرى الذى يتسربل به الإرهابيون.
وبدأت أن أسأل: ترى كيف يتم تدريب الفتى أو الفتاة لممارسة الفعل الإرهابى بما يتطلبه من قتل وتدمير بل وانتحار؟
وحين عدت إلى تراث علم النفس السياسى، وجدت أن كل ما يلزم غرسه لكى يصبح هذا الشخص إرهابيا، أربع خصائص يتم تدريبه على تمثلها:
الخاصية الأولى، أن القوة هى السبيل لكى تكون محترما، وأن تحصل على ما تريد، أما التفاوض والإقناع والأخذ والرد فهى أمور مائعة يلجأ إليها الضعاف، ينبغى أن تكون حاسما وقويا ترد على العنف بالعنف، بل وترد على شبه العنف بالعنف، وأن تبدو للآخرين قادرا على سحقهم بحيث لا تحتاج حتى إلى استخدام القوة بالفعل.
أما الخاصية الثانية، فهى أن أدربه وأعده فكريا على أنه لا وجود للون الرمادي، فالدنيا أبيض وأسود، والحديث عن تعدد الألوان واللكنة وأن كل شيء له جانب سيئ وجانب طيب، هذا حديث لا قيمة له عليك أن ترى العالم بمنظار واضح هذا سيئ وهذا حسن ولا شيء بينهم.
الخاصية الثالثة، هى أن أدربه على أن الثقة فى الرجال تسبق الثقة بالأفعال والأقوال، فإذا كنت تثق فيه حقا وصدقا، فعليك ألا تصدق نفسك حتى إذا ما رأيتنى أرتكب خطأ!! فالثقة هى الأساس.
أما الخاصية الرابعة، فهى أن أدعم لديه شعورا بأننا نحن الأفضل والأصوب فى كل شيء لا جدال فى ذلك.
أربع خصائص لو نجحنا فى غرسها - والنجاح فى غرس هذه الخصائص ليس بالأمر الصعب- تتحول الجماعة المستهدفة إلى جماعة إرهابية بصرف النظر عن توجهها الفكرى أو الأيديولوجى أو ظروفها الاجتماعية أو أى شيء، بمعنى أننى حين أرى مظاهرات لشباب من الإخوان المسلمين حتى الآن، كنت للوهلة الأولى كمواطن يفزعنى الإرهاب وأكره هذه الجماعة، ثم حين أستعيد رؤيتى العلمية أرى أنه لا مبرر للفزع لأن هؤلاء نشأوا فى أحضاننا نحن، ونحن دربناهم على هذه الخصائص الأربع، البعض يقول لا الذين دربوهم هم جماعة الإخوان المسلمين، وأنا أود أن أسأل وأتساءل: لو نظر كل منا بداخله هل يجد رفضا حقيقيا داخله هو لهذه الخصائص الأربع؟ هذه الخصائص الأربع تشكل أساسا للإرهابيين، والأخطر من ذلك أنها تشكل أساسا لبعض الفصائل المقاومة للإرهاب! وهذا أمر يجب وضعه فى الاعتبار.
ولعله مما يستوقف النظر أن الكتلة المصرية المسلمة السنية كتلة تختلف عن غالبية الكتل السنية فى العالم، أذكر أن شيعيا من دولة خليجية كان يأتى لزيارة مصر من حين لآخر، وكان يفزع ويندهش حين يرى موالد الحسين والسيدة زينب مزدحمة بالبشر، فيقول متعجبا: هل الشيعة كثيرون إلى هذا الحد فى مصر، وحين كنت أقول له: لا، هؤلاء سنة، فيسأل وقد ازداد اندهاشا كيف يتبركون إذن بالحسين؟ إننا حقا كتلة سنية متميزة لا ترى بأسا أو تناقضا فى الترضى حين يذكرون سيدنا معاوية رضى الله عنه؛ ويعشقون الحسين كرم الله وجهه، وللأسف فإن هذه الكتلة السنية المتميزة تتهم بعدم الوضوح المذهبي.
كنت أعرف صديقا مهندسا شابا ذهب فى نهاية الخمسينيات إلى دولة خليجية طلبا للرزق، وعند وصوله بحث عن مسكن لا يكلفه كثيرا، وبالفعل وجد بغيته، وأقام بين جيران لم يلحظ فى سلوكهم شططا، كان يصاحبهم إلى المساجد للصلاة ويتزاور معهم، ومضت شهور فوجد جيرانه يتجهون إلى مدافن آل البيت فصاحبهم واتخذ مجلسه بينهم، وشاركهم طقوس الحزن والبكاء، ولما لاحظ أحدهم أنه يبدو غريبا على المكان اقترب منه وسأله: ترى هل تعرف لماذا هذا الحزن وذاك البكاء، فأجاب صديقي: إنه إحياء لذكرى الحسين رضى الله عنه ورفاقه الشهداء، فمضى الرجل يسأله: أتعرف ظروف استشهاده رضى الله عنه، فأجاب صاحبي: إنه القتال مع سيدنا معاوية رضى الله عنه، وسأله الرجل: من أين أنت يا بني؟ وحين أجاب صاحبي: من مصر، فوجئ بالرجل يتساءل مندهشا أتترضون على القاتل والقتيل؟ ولم يجد صاحبى سوى أن يجيب الإجابة المصرية التقليدية: ألم يكونوا جميعا صحابة الرسول عليه الصلاة والسلام؟
لا شك أن تلك الإجابة تجسد ما يطلق على تلك الكتلة السنية المصرية من اتهام، مؤداه أنها تفتقد الوعى المذهبى المطلوب، إنها الميوعة المذهبية.