تابعت باهتمام شديد لقاء الإعلامية البارعة منى الشاذلي مع المستشار القانوني لرئيس الجمهورية محمد فؤاد جاد الله، والذي أكد فيه على ضعف مؤسسة الرئاسة والحكومة بلا مواربة. وعلى الرغم من اهتمامي بفحوى الحوار إلا أنني أصبت وقتئذ بحالة لم أستطع أن أجد لها تشخيصًا، حالة تقع بين الدهشة والهيستريا مما أسمع وأرى. وبعد لحظات معدودة استدعى ذهني المثال المصري الشهير “,”أسمع كلامك أصدقك.. أشوف أفعالك أستعجب“,”.
وحقيقةً، إن هذا المشهد الممزوج بصراحة منقطعة النظير من قبل مسئول مهم في النظام الجديد، لم نتعود عليها في مصر من قبل، كما أنها لا توجد أيضًا في الدول الديمقراطية. والسؤال الذي دار في خلدي: هل هي محاولة جديدة من قبل مؤسسة الرئاسة لتبرير ما فعلته من أخطاء خلال الفترة الماضية؟ وقد تمنيت أن تكون كذلك، ولكن هيهات، ما زالت الأخطاء تتكرر وبنفس الأسلوب، والشارع يزداد عنفًا، ولا يدرك أحد أهمية عنصر الوقت.
الجدير بالذكر أن السيد المستشار اعترف: أولاً، بأن القيادة السياسية فشلت في تحقيق مطالب المواطنين البسطاء، وأنهم لا يستطيعون أن ينفذوا رؤيتهم نتيجة للاضطرابات والأحداث المتلاحقة، وأنه لا يوجد استقرار سياسي، وهذا يخلق بالتبعية عدم استقرار اقتصادي.
وهذا القول مردود عليه بأنه “,”فسر الماء بعد الجهد بالماء“,”، ويجعلني أتساءل أين هذه الرؤية يا سعادة المستشار؟ فإذا كنتم تمتلكون رؤية فلا بد من تقديمها للمواطنين؛ حتى يساعدوكم في تنفيذها على الأقل، وهل هي أيضًا ضمن مشروع النهضة الذي اعترفت قيادتكم بأنه ليس هناك مشروع للنهضة، أم أن رؤيتكم تتمثل في التصالح فقط مع رجال أعمال مبارك؟ لقد مر على عهدكم ما يقارب من ثمانية أشهر، ولم نر من هذه الرؤية شيئًا يذكر سوى القول: نريد أن تعمل “,”عجلة الإنتاج“,”.. فبماذا تعمل هذا العجلة، أو بالأحرى أين هذه العجلة من الأصل؟!
ثانيًا: اعترف سيادته بأن تعديل مواد الدستور المختلف عليها، وتغيير الدكتور هشام قنديل، رئيس الحكومة، وتعيين شخص أكثر خبرة سياسيًّا واقتصاديًّا أمر ضروري، بحيث يكون له علاقات بكل القوى المتناحرة؛ ليضع حدًّا للصراع الدائر.
سيادة المستشار.. أنت محق تمامًا هنا، فلي طلب واحد منك، بأن تبلغ سيادة الرئيس هذا الكلام؟ هل حضرتك تقابله أم لا؟ وكم مرة تقابله في اليوم الواحد؟ أو من الممكن أن تأخذ لي موعدًا معه لكي أقول أنا له نصائح سيادتك!
ثالثًا: أكد سيادته على ضرورة تشكيل لجنة لدراسة المواد المختلف عليها دستوريًّا، وهم متفقون على ذلك، ويلتزم الجميع بكتابة التزام سياسي بعرض المواد المعدلة على رئيس مجلس النواب في أول جلسة. وأضاف: “,”لن نكون الدولة الوحيدة التي تعدل الدستور فور وضعه، فالولايات المتحدة عدلت دستورها 27 مرة، منها مرة بعد وضع دستورها مباشرة“,”.
نعم سيادة المستشار، لقد قامت أمريكا وغيرها من الدول بتعديل دستورها كثيرًا، ولكن لم تقم أية دولة –ديمقراطية أو استبدادية- بالذهاب إلى صناديق الاقتراع للاستفتاء على الدستور وفي ذات الوقت تشكل لجنة لتعديل مواده. أين كنت حضرتك، ورئيس الجمهورية، من المطالبات لتأجيل الاستفتاء على الدستور لحين التوافق على المواد الخلافية؟!
رابعًا: شدد المستشار القانوني للرئيس على أنه رفض حصار المحكمة الدستورية، وأنه سعى إلى فك هذا الحصار، وقال: “,”كيف أمنع القضاة من الدخول؟ أصدرنا وقتها بيانًا من الرئاسة، ولكن لم نستطع أن نفض المتظاهرين“,”. بالفعل لم تستطيعوا فض الاعتصام أمام الدستورية ولكن استطعتم فعل ذلك أمام قصر الاتحادية.. سيادة المستشار، لاحظ بأنك تخاطب المصريين وليس الخارج!
خامسًا: انتقد سيادته رفض المعارضة الحوار بعد تسع دعوات وجهتها الرئاسة، مشيرًا إلى أن الحوار في الوقت الحالي ليس رفاهية، ولا بديل عنه، مؤكدًا أن الوضع السياسي المضطرب جعل الشارع يكفر بالمعارضة، بينما أحداث العنف المتلاحقة جعلت السلطة لا تستطيع أن تحقق مطالب المصريين البسطاء.
بالطبع السلطة معذورة، والمعارضة تتحمل كل الأخطاء!! فهي التي أصدرت الإعلان الدستوري المكبل للحريات، وهي التي شكلت حكومة ضعيفة غير قادرة على الاستجابة لجزء من مطالب عموم المصريين، وهي التي دعت إلى الذهاب إلى عملية استفتائية على دستور بدون توافق وطني حوله، وهي التي تدعو إلى حوار وطني شكلي. أدعوك للنظر إلى التجربة البولندية التي يتحدث عنها قيادات الحرية والعدالة وجماعتك، وغيرها من التجارب في أوربا الشرقية، لقد أخذت ثلاث سنوات لوضع الدستور، وتسع سنوات في حوار وطني مستمر، وعشرين عامًا في إعادة بناء مؤسسات ديمقراطية توافقية بين جميع الأحزاب وقوى المجتمع البولندي، فهل فعل الإخوان هذا؟! أو على الأقل، هل لديهم نيه لذلك؟
والخلاصة، ظهر علينا سيادته ليستكمل سيناريو مفهومًا تمامًا، سيناريو أن المعارضة هي التي تقف حائلاً أمام مشروع النهضة -عفوًا “,”الفنكوش“,”- مبررًا تلكؤ السلطة في تنفيذ وعودها الرئاسية.
وأختم مقالي باقتراح للسلطة، بأن يعتبروا جميع المصريين أبناء وزير العدل؛ بحيث يذهب كل مصري شهرًا واحدًا لقطر، حينئذ ستحل كل المشاكل المادية للمصريين!!