تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
لم أكن في يوم من الأيام معجبًا بعلاء الأسوانى كاتبًا أو روائيًا أو حتى طبيب أسنان، حاورته مرة واحدة، تأكد لى خلالها أنه لا يحب نفسه فقط بل يعبدها، وقد يكون هذا هو المفتاح الذي يمكن أن يفتح لنا الطريق لفهم ظاهرة علاء.
إنه ليس أكثر من مشروع فردى، يسعى لبناء مجده فقط، لا يشغله الذي يخسره الآخرون، طالما أنه يربح وحده، ولا يهتم بما يمكن أن يتعرض له وطن كامل، طالما أن هناك من يصفق لكلامه، ويروج لمقولاته، ويستوقفه ليلتقط معه صورة في الشارع.
وجد الأسوانى دلاله بعد ثورة ٢٥ يناير، تعامل معه الإعلام ليس على أنه أحد صناعها فقط، ولكن اعتبره عرّابها، له كلمة عليا فيما يجرى على الأرض، لكنه لم يجد نفس الدلال بعد ثورة ٣٠ يونيو، فانقلب ليس على النظام الذي لم يلتفت لمواهبه الخارقة، ولكن على الشعب الذي أصبح لا يهتم به، فلا أحد يصفق ولا أحد يبدى إعجابًا، ولا أحد يستوقفه ليلتقط معه صورة.
إذا اقتربت من الصورة التي يحتلها علاء الأسوانى ودققت في تفاصيلها، ستكتشف بسهولة أنه يحتقر الشعب المصرى، يتعالى عليه بشدة، ولماذا لا يفعل ذلك؟ وهو الذي يتحرك بإحساس الكاتب العالمى، الذي أوتى الحكمة من أطرافها، فهو وحده القادر على معرفة الداء والدواء، ورغم أنه علميا تراجع عن تولى أي مسئولية بعد ثورة يناير، فقد طلبوه لوزارة الثقافة إلا أنه رفض واعتصم بأنه كاتب، يقدم ما لديه فقط.
من زاوية محددة أتفق مع علاء في رفضه لوزارة الثقافة أو أي وزارة أخرى، ليس لأنه كاتب فقط، والكاتب ليس من شأنه أن ينفذ أفكاره بيديه، لكنى أعتقد أنه رفض المنصب خوفًا على نفسه، كان يعرف أن كل من يقترب من السلطة في فترة الريبة السياسية التي عاشتها مصر بعد الثورة سيحترق، وهو لا يريد أن يحترق، يفضل دور الوصى على الجميع، يمسك بعصا يثبت من خلالها للآخرين قوته، دون أن يعرض نفسه لاختبار حقيقى لنقيس معه هذه القوة.
لا أنكر أن الأسوانى محاصر الآن، تعرض لحالة إقصاء، لكنها إلى حد بعيد كانت باختياره، عرف أن النظام الجديد لن يرحب بنزواته السياسية، ورغبته في الظهور على حساب الجميع، فقرر أن ينسحب من المشهد، ولا مانع بالطبع من أن يصور الأمر على أن النظام يحاربه، فهو يريد مزيدًا من حصد البطولة والزعامة.
لا أعتقد أن هناك من أصدر أمرًا بمنع علاء الأسوانى من الكتابة، وأعتقد أيضًا أنه لو عاد ليكتب ما شكل ما يقوله خطرًا من أي نوع، فالفضاءات المفتوحة أفقدت أي كلام صاخب حرارته وقوته، ثم أن الشعب يثور عندما يرى أن الثورة ضرورة، وليس لأن علاء الأسوانى أو غيره يحرضه.
من شهور والأسوانى يعانى من حالة نسيان تامة، ولأنه لا يصبر على هذه الحالة، فقد أقدم على ما يعتقد أنه سيجلب له تصفيقًا جديدًا، على حسابه الخاص على تويتر كتب: أجرت شقتى لشخص فمزق العقد واستولى على الشقة. استدعيت الشرطى فطرد المستأجر واستولى على الشقة، سأنتزع حقى كاملا. لم أندم على اشتراكى في ٣٠ يونيو.
أتخيل الحالة التي كان عليها الأسوانى بعد أن انتهى من كتابة هذه التويتة، مؤكد أنه أشعل سيجارته، أخذ نفسًا عميقًا، نفث دخانه بإعجاب شديد في الهواء، ثم سيطر عليه إحساس بأنه انتصر على الجميع، وربما يكون قد شعر بأنه انتزع حقه كاملًا، فمؤكد أن هناك من سيعجب بما كتبه، وهذا عنده غاية المراد.
لقد ضاعت ثورة يناير لأن أمثال علاء الأسوانى بتنظيرهم ونرجسيتهم، والآن يحرقهم ألم استبعادهم من المشهد، فيسعون إلى هدم المعبد على رءوس الجميع.
لم يندم الأسوانى على مشاركته في ٣٠ يونيو، وهى مشاركة تساوى مشاركة أي مواطن مصرى عادى بدون روايات أو مقال أو عيادة أسنان، قرر أن يعزل الرئيس الإخوانى، الفارق أن المواطن العادى لم يشارك في جريمة عصر الليمون التي تورط فيها الأسوانى ومن على شاكلته، وهى الجريمة التي جاءت لنا بمحمد مرسي رئيسا، رحب به الأسوانى وذهب إليه في قصر الرئاسة مؤيدا ومهنئا وداعمًا.
الفارق الأهم بين الأسوانى والمواطن العادى الذي شارك في ٣٠ يونيو، أن المواطن العادى يمكن أن يقدم نفسه طواعية للوطن، بينما يراه الكاتب والروائى والطبيب يتعامل مع الوطن على أنه شقة، مجرد شقة مفروشة، يريد أن يسترجعها مما خلصه من المستأجر القديم، لكنه طمع فيها.
دع عنك هزال رؤيته وما يقوله عن مستأجرى شقته، فما قاله الأسوانى يخصه وحده، مجرد فعل فاضح في شقة لا نعرف عنها شيئًا، فثورته لا تخصنا وشقته لا تهمنا.