ظاهرة انتشار «سيديهات «الدعاة الجدد، وفتاواهم المثيرة للجدل والفتنة ونيلهم من صحابة رسول الله والأئمة والتراث الإسلامى تذكرنا بظاهرة «كاسيت» الشيخ عبد الحميد كشك، حيث كانت تمتلئ الشوارع بأشرطة خطبه وآرائه وأفكاره التى اعتنقها جمهور عريض من الطبقات الشعبية الفقيرة، حتى وصفه الكاتب أنيس منصور بـ «كشك فون» لانتشار خطبه على شرائط الكاسيت.
وقد تأثر الكثير من المواطنين بما كان يعرضه فى خطبه من صور للفساد فى مصر آنذاك. ودخوله معارك مع النظام والفنانين والسياسيين، بل ومع رجال الدين حتى بات ظاهرة تؤرق مضاجع الفسدة والجلادين الذين لم يجدوا سوى اعتقاله فزادت مبيعات خطبه عشرات الأضعاف وغار منه كبار المطربين «بسبب ملايين أشرطة الكاسيت المباعة له»!!
وتزامن مع ذلك ظاهرة الشيخ محمد متولى الشعراوى، الذى جمع حوله جمهورًا من الناس، بمن فيهم المنتسبون إلى الدوائر الرسمية، من التكنوقراط والمهنيين، لطبيعة التوازن الموجود فى خطابه، وبعده عن النقد السياسى المباشر للسلطة، خصوصًا وأن الشعراوى، رحمه الله، عرف بعلاقاته الوطيدة مع دوائر الحكم فى مصر حتى عين وزيرا للأوقاف، وبعلاقاته المتوترة مع التيارات الإسلامية المعارضة.
أما الدكتور عمر عبدالكافى، فله ظاهرة فريدة، حيث استطاع أن يصنع نجوميته فى نوادى الصفوة والأحياء الراقية مثل «الصيد والجيزة والمهندسين» واستقطب جمهورًا عريضًا منهم بعد أن حول «نادى الصيد» ومسجد «أسد بن الفرات» إلى مركز دينى قوي.
وجاء بعده عمرو خالد، وخالد الجندى ومظهر شاهين ثم معز مسعود ومصطفى حسنى.. إلخ.
ورغم أن بعض تلك الظواهر كانت محل رصد من أجهزة الأمن ودفع البعض الثمن بالنفى غير المعلن خارج البلاد.. إلا أن بعضها الآن صنيعة أنظمة وأجهزة لإلهاء الناس عن صحيح دينهم وجذبهم إلى مسائل جدالية ومعارك وهمية، وإلا بماذا نفسر ارتداء البعض ملابس «الوعظ والتفسير والفتاوى» لنجد الداعية «أبوحمالات» والشيخ «ميزو» و«طبيب زواج المحارم واغتصاب الزوجة وخطيب الفضائح الذى يروى أن رجلا شُلّ لسانه حينما كان يدعى على الرئيس السيسى في الحرم... إلخ».
والسؤال: لماذا السكوت على انتشار سيديهات مثل هؤلاء الذين يشككون فى عقائدنا وإيماننا؟ وما غرض الفضائيات لاستضافتهم والتعريف بفتاواهم الفاضحة للعقل والمنطق والمنهج؟ وما هو دورنا تجاه ما يحدث؟ وإلى متى تستمر هذه الظواهر الغريبة على مجتمعنا.. و.. و؟؟».
إننا بحاجة أولا إلى القضاء على هذه الظواهر إذا كنا جادين فى الارتقاء بالخطاب الدينى ومعالجة القصور فيه ليتناسب مع روح العصر.
وأيضا بحاجة إلى «صناعة دعاة» لديهم العلم الدينى القويم والرأى الشرعى العصرى البعيد عن الشطط وروح الوطنية، وأن يغير الأزهر مناهجه وأسلوبه التعليمى، فكم من خريجيه يعتلى منبر رسول الله وهو «جاهل» فى الفقه وآداب المعاملة، إنه مجرد «كاسيت» يردد ما حفظه من كتب تراث «الرمح والنبلة والخيل والبعير» التى لم يعد لها وجود فى عصر «الفرقاطات والصواريخ عابرة القارات وحرب النجوم».
نحن بحاجة إلى داعية يتحدث عن «الشرع» فى استخدام «الإنترنت وتويتر والفيس وغيرها من الخيال العصرى» وأن يكون رأيه مبنيا على معلومات تناسب عقول الجيل الحالى مبتعدًا عن الشطط فى التحريم أو الحلال.
وبالطبع سنجد أصواتًا عديدة تهاجم ما ننادى به تحت بند حرية الرأى والقول، فمن حق الصحفى أن يتحدث فى الفتوى ومن حق خطيب المسجد أن يحلل الوضع السياسى والدبلوماسى، ومن حق الفنانة أن تهاجم الثورات التى خلعت جذور الاستبداد والطغيان.. نعم من حق هؤلاء أن يقولوا رأيهم لكن ألا يفرضوه علينا !
يذكر أن «نابليون بونابرت» جلس ذات مرة فى أحد المقاهى، وبجانبه شخص لا يعرفه يتثاءب حتى اقتربت يده من المساس بأنف نابليون، فغضب نابليون ونظر إلى الرجل باستغراب وطالبه بعدم تكرار ذلك، ولكن الرجل لم يكترث وقال مخاطبا نابليون هذا ليس من شأنك، و«أنا حر وفى بلد الحرية»، فأجابه نابليون «نعم أنت حر، ولكن بشرط ألا تصل حريتك إلى أنوف الآخرين»!.