تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
لم يتأكد حتى الآن ما إذا كانت وزارة الأوقاف ستحرق كتب حسن البنا وسيد قطب، وكل من يمت إلى الإخوان بصلة، أم أنها ستكتفى بمصادرتها وإبعادها عن مكتبات المساجد فقط، الأقرب إلى الواقع أن الوزارة لن تتورط في مشهد حرق الكتب كما تورطت فيه وزارة التربية والتعليم قبل ذلك، فمشهد حرق الكتب، حتى لو كانت تمثل خطرا، إدانة لمجتمع لا يستطيع أن يتعامل مع الفكرة بالفكرة والرأى بالرأى.
وزارة الأوقاف لديها القدرة والإمكانيات والعقل لتفعل ما تراه صحيحا، لكن السؤال هو: هل يجب حتى مصادرة كتب حسن البنا وسيد قطب؟ هل من المفيد في معركة المجتمع المصرى كله مع الجماعة أن نصادر الكتب التي تستند إليها في تبرير عنفها وإرهابها وأعمال قتلها وتخريبها؟
لن تلتقط أنفاسك، وستقول: ترك هذه الكتب في مكتبات المساجد والمدارس وفى المكتبات العامة يمكن أن يشكل خطرا على الأجيال الجديدة، التي حتما ستتعرض لها، ويمكن أن تقع أسيرة لما فيها، فنجد أنفسنا مرة أخرى وجها لوجه أمام جيل من المتطرفين، الذين يرهقوننا باسم الدين، رغم أنهم يحملون على ظهورهم دين حسن البنا وتابعه سيد قطب، ومن نهج نهجهما بإرهاب إلى يوم الدين.
كلامك صحيح لا شك في ذلك، لكن لماذا لا نواجه أنفسنا بحقيقة أننا من أنتجنا الأجيال المتطرفة، وأفسحنا البيت لمن يعتنقون أفكار القتل والتخريب والترهيب باسم الدين؟
لماذا لا نضع النقاط فوق الحروف الصحيحة، ونعلق الجرس في رقاب من يقدمون أنفسهم على أنهم رجال الدين الإسلامى الرسمى، هؤلاء الذين يجلسون على مقاعد المؤسسات الإسلامية الرسمية (الأ.هر والإفتاء ووزارة الأوقاف).. هؤلاء الذين تحولوا مع الزمن إلى مجرد موظفين، لا يشغلهم شىء إلا الحفاظ على وظائفهم ومكاسبهم، وهى بالمناسبة كثيرة جدا، وقد تعذرهم في طريقة محافظتهم عليها.
كان يمكن لهؤلاء أن يكفوا عنا أذى الأفكار المتطرفة، لو قاموا بواجبهم لا أكثر ولا أقل، لو درسوا وكتبوا وأنتجوا كتبا تبين زيف وهزال وضحالة أفكار حسن البنا ومن على شاكلته، لكنهم لم يفعلوا شيئا من هذا، واكتفوا بأن يقوموا بدور الرقيب السمج الذي ينزل إلى المساجد ليفتش في مكتباتها مطاردا الأفكار بين الصفحات.
نسى هؤلاء أن الأجيال الجديدة لا تركن إلى الكتب المطبوعة كثيرا، ففى الفضاء الإلكترونى، حيث كل شىء مباح ومتاح، سيجد الشباب ألف حسن البنا وألف سيد قطب، بل سيجدون أنفسهم وجها لوجه مع من يعلمهم صنع القنابل ويدربهم على عمليات القتال، ثم بعد ذلك يصدر لهم تعليمات بتنفيذ عمليات إرهابية محددة.
إننا أمام أزمة مركبة، فعندما يغيب الخطاب العاقل الذي يقدم طرحا من أجل البشرية واستقرارها وسعادتها، يظهر خطاب متخلف يخاصم الدنيا وما فيها، يحتل الصورة، يأسر العقول، يسير خلفه كثيرون مثل القطيع الذي لا يملك من أمره شيئا، ولا أستطيع أن أبرئ النخبة الدينية، إذا جاز هذا التعبير، من هذه المهزلة التي نعيشها.
هي مهزلة بالفعل، لأن هذه النخبة عاجزة تماما، ولذلك لجأت إلى الحل الأسهل، المصادرة والتهديد بحرق الكتب والأفكار التي لا يقدرون على مواجهتها وتفنيدها، وتقديم خطاب قادر على هزيمتها ومحو آثارها.. إنهم يعانون من فراغ هائل، فلا هم تعلموا، ولا هم يريدون أن يتعلموا، ولذلك فلن نكون قادرين أبدا على منع أجيال جديدة من الانزلاق في مهاوى التطرف والإرهاب.
في بداية تسعينات القرن الماضى أصدرت وزارة الثقافة سلسلة من الكتب أطلقت عليها اسم «المواجهة»، ضمّنتها مجموعة من الكتب التنويرية التي تقدم طرحا مختلفا، وتفند كثيرا مما جاء في كتب الإسلاميين.
هل أقول إننا في حاجة مرة أخرى إلى سلسلة جديدة تكون مهمتها المواجهة مع أفكار المتطرفين وآرائهم؟
نحن نحتاج بالفعل إلى أفكار تقاوم، لا سجون تعذب، نحتاج إلى آراء تحمى لا قرارات مصادرة، نتطلع إلى مجتمع حر، الحوار يكون لغته، لقد سئمنا من القتل، أرهقتنا مشاهد الدم وأوقفتنا على حافة الخطر الدائم الذي لن ينتهى أبدا، إننى لا أطلب كثيرا، أريد فقط ممن يصدرون أنفسهم لنا على أنهم يواجهون الخطر أن يكونوا على قدر المسئولية، أن يتعلموا، فالجهلاء لا ينقذون وطنًا أبدًا.