الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

ابن تيمية المفترى عليه «2»

ايمن سلامة
ايمن سلامة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

استكمالا لما بدأناه فى المقال السابق، فإن دمشق كلها قد سمعت بأنباء ذلك الصغير النابغة الذى طلب منه الإمام النووى ذات مرة أن يتحدث فى مسألة فقهية، فإذا به يسرق ألباب الحضور ويسيطر عليهم، فكانت مكافأته هى إجازته للتدريس، وهو لم يكمل بعد العاشرة، نعم لقد أجاز الإمام النووى أحمد بن تيمية للتدريس فى مدرسة الحديث بدمشق، وهو لم يكن بعد قد أكمل العاشرة، وهكذا أصبح الصبى أستاذًا للحديث وزميلًا لوالده فى مدرسة الحديث، لكن الكبر لم يتلبسه، فراح يكمل دراسة التفسير على يد والده، وعندما بلغ السادسة عشرة طلب منه الإمام النووى أن يعتلى المنبر ليخطب الجمعة بدلًا منه، وكان من بين الحضور يومئذ «جمال الدين الأفرم» نائب السلطان على دمشق، إذ كانت دمشق حينذاك تابعة لمصر وكان سلطان مصر يحكمها ويرسل نائبًا يدير شئونها، وقد أبدى جمال الدين الأفرم إعجابه بموهبة وعبقرية الصبى ابن تيمية، وراح يطلبه لحضور مجلسه واستشارته فى بعض الأمور الفقهية، مما أثار غيرة وحقد مجموعة من العلماء الكبار فى دمشق، وعلى رأسهم سيف الدين المنصورى الذى كان يحلم بإمامة المسجد الكبير بدمشق (الأموى)، وكذلك الشيخ الصدر الذى كان على علاقة خفية بالتتار وبزعيمهم «قازان»، وبدأت المؤامرات تحاك لابن تيمية، وذلك بهدف الإيقاع بينه وبين صديقه الأمير «الأفرم» وعمد «الصدر» إلى «سيف الدين المنصورى» للعمل معه ضمن خلية سرية تخدم أهداف التتار وتساعدهم فى اقتحام دمشق، وذهب المنصورى–كما ذكر ابن كثير فى البداية والنهاية، والذهبى فى تاريخ الإسلام وغيرهما من المؤرخين– إلى قازان واتفق معه على التمهيد وتهيئة النفوس لدخول التتار إلى دمشق، مقابل أن يصبح هو الوالى عليها، وهكذا طالت أحلام المنصورى السحاب، فالرجل ذهب إلى قازان وأقصى أمانيه أن يصبح شيخا للجامع الكبير، ولكنه عاد موعودا بولاية دمشق، وفى هذه الأيام يرحل الشيخ عبد الحليم بن تيمية والد (أحمد) فيقرر الأمير الأفرم إسناد مهمة الإشراف على مدرسة الحديث التى كان يشرف عليها الشيخ عبدالحليم إلى ابنه أحمد بن تيمية، مما يتسبب فى زيادة الحقد عليه، وهنا يشتد الصراع بين عالمين الأول هو الشاب أحمد بن تيمية، والثانى هو سيف الدين المنصورى الذى ذهب للأفرم معترضا على تعيين الشاب فى منصب أبيه، ومؤكدا أن مثل هذه المناصب الدينية ليست وراثية، ولكن الأفرم رفض مطلب المنصورى وأصر على قراره، وبدأ المنصورى يمهد لدخول التتار إلى دمشق فيردد فى خطبة الجمعة أن سلطان التتار قازان قد أعلن إسلامه، وتسمى بمحمود، ولا يجوز محاربة المسلم للمسلم، وعندما تهادى هذا الكلام إلى سمع ابن تيمية اعترض بشدة وأجاز محاربة التتار حتى لو أعلنوا إسلامهم، وذلك من باب الفئة الباغية، فهو لم يزل يذكر خيولهم التى داسته وهو عائد من الكتاب الذى كان يحفظ فيه القرآن فى بلدته الأصليه حران، وتمادى المنصورى فى فتاويه المؤيدة لدخول التتار إلى دمشق، إذ فاجأ الناس بقوله إن التتار قوة مسلمة جديدة وخلافة جديدة ينبغى أن نكون معها لإعادة العزة والقوة للإسلام بعدما ضعفت الخلافة العباسية، أما ابن تيمية فقال: إنهم غزاة، جاءوا لنهب خيراتنا وتفريق كلمتنا، وسلطانهم إنما يدعى الإسلام ويجب محاربتهم حتى وإن رفعوا المصاحف، وحاصر التتار دمشق، وجلس الأمير الأفرم مع ابن تيمية يصارحه القول: إننا لا نملك جيشا ولا عدة للوقوف أمامهم، وعلينا أن نستسلم لهم، وصرخ بن تيمية: لا وألف لا..لن يَدخل التتار دمشق إلاّ فوق أجسادنا، ولكن وحقنا للدماء سأذهب للقاء قازان وسوف أثنيه –بمشيئة الله– عن عزمه دخول دمشق، وبالفعل ذهب الشاب بن تيمية إلى قازان والرواية مثبتة فى جميع كتب التاريخ الإسلامى، وكذلك فى التراجم، (سير أعلام النبلاء للذهبى، والبداية والنهاية وغيرهما) حاوره، فابتل جبين قازان بالعرق، إذ أنه لم يجد الرد، والتفت بن تيمية وهو فى خيمة قازان على حدود دمشق، ليكتشف وجود الشيخ الصدر وسيف الدين المنصورى، وللحديث بقية.