فاروق القاضى مناضل سياسى يعشق الثورة، ولما تمثلت الثورة أساسًا فى القضية الفلسطينية كان هناك واحد من صفوفها الأولى متخذًا اسمًا حركيًا «أحمد الأزهري»، وخاض الأزهرى النضال حتى اتفاق أوسلو.. وفاروق القاضى خاض معارك النضال الماركسى فى صفوف منظمة «حدتو» وكان أيضًا واحدًا من قادة الصفوف الوسطي، وعاش مع اليسار أجمل وأصعب معاركه. وهو فوق هذا بل قبل هذا مفكر تنويرى أبدع كتابات عديدة دعت إلى التجديد وإلى استنارة العقل العربى والإسلامى كسبيل لفهم صحيح للدين ورفض دعاوى التأسلم، ومن ثم النهوض بالمجتمع نحو إعمال العقل والعلم ومن ثم الانطلاق نحو بناء وطن يستحقنا ونستحقه. توقفت طويلا.. أى كتاب من كتبه أختار وأتيت إلى موسوعة من ستمائة صفحة من القطع الكبير هى «آفاق التمرد- قراءة نقدية فى التاريخ الأوروبى والعربى والإسلامي» والحرف الأول فى المقدمة عبارة لألبير كامى «التمرد أحد الأبعاد الأساسية للجنس البشري»، والحقيقة أن المؤلف جعل للتجديد فى الفكر الدينى اسمًا ثوريًا هو «التمرد»، فلا تجديد إلا بالتمرد على السائد والمألوف والغارق فى الجهالة والرافض لإعمال العقل فيما ورثناه من أقوال وفتاوى وفقه يمتلئ بالخرافة. ومن هنا يعود بنا إلى تمرد أبدى به «استطاع الإنسان الانتصار على التحديات وتخطى العقبات وسخر الطبيعة لخدمته وتغلب على الجهل والضلالة وصارع القمع والطغيان، وهكذا تمكن من إثبات ذاته عبر العصور لأنه تمرد على القوى المعادية طبيعية كانت أم بشرية». ثم يمضى بنا قائلًا «الإنسان هو الكائن الحى الوحيد الذى لم يرضَ أبدًا عن حاله ولن يرضى، فيتطلع دائمًا إلى الأحسن». ويقول «تسلح الإنسان بالتمرد وإن خسر فى بعض المعارك، وحتى وإن خاطر بحياته، ولو تأملنا الحياة الكونية المعاصرة ومخترعاتها واكتشافاتها وكل منجزاتها لوجدنا أنها نتاج سلسلة من التمردات، خاض غمارها متمردون. ثم هو يقودنا إلى طه حسين وينقل عنه «لابد أن نمنح الشباب ما ينبغى لهم من الحرية التى تتيح لهم أن يقبلوا ما يقبلون وأن يرفضوا ما يرفضون، وأن يتركوا حين يريدون هم وليس حينما يريد غيرهم)، ويمضى طه حسين (خذ من شئت من المبدعين فى الفن واستقص حياته فسترى أنه لم يبدع إلا لأنه شذ وانفرد وامتاز فخرج على ما ألفه غيره من القيود) (طه حسين - مرآة الضمير الحي- ص١١٦). ونعود إلى فاروق القاضى لنقرأ «ليست هناك مغالاة إذا قلنا إن تراكم قول لا، أى تراكم التمرد الإنسانى صنع تاريخ البشرية، فالمتمرد يسعى لتغيير الحاضر ويتطلع إلى المستقبل، يقول «لا» لحاضر مرفوض لحساب مستقبل منشود وبالرفض والطموح سارت حياة الإنسان منذ قديم الزمان وبالرفض والتحدى، صنع الإنسان المتمرد التاريخ» (ص٨)، وحتى الأساطير الخرافية عن الآلهة الفراعنة والآلهة فى الأوليمب الإغريقى كانت مثالًا نموذجيًا لتمرد العقل على ما هو كائن ودعوة لتغييره» (ص١٠).
.. ونواصل مع كتاب ممتع ومتمرد ونحن لم نزل فى المقدمة.
.. ونواصل مع كتاب ممتع ومتمرد ونحن لم نزل فى المقدمة.