السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ليلى الشال.. وردة الحرية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
التلميذة النجيبة لشهدى عطية الشافعى رحلت الأسبوع الماضي، على يديه تعلمت أصول الصلابة والانتماء والانحياز للوطن وأحلامه بالعدل والحرية.. إنها ليلى الشال التي ستبقى ما بقى الزمن رمزًا وأيقونة وعنوانًا للمحبة والسلام والتقدم.
ورغم مرور سنوات وعقود طوال على استشهاد المناضل المثال شهدى عطية إلا أن ليلى هي الوحيدة التي كانت تتذكره يوميًا، في طريقها لبيتها وعند نقطة جغرافية محددة كانت - كما قالت لى - دون إرادة منها تلتفت إلى تلك الشقة التي ضمت الرفاق في خمسينيات القرن الماضى كحالمين بالحرية والعدالة الاجتماعية تحت قيادة شهدى عطية، ولما فتحت السجون جوفها لابتلاعهم وتم اغتيال الرمز وأمضت ليلى ورفاقها سنوات خمس في المعتقلات، لم تحزن ولم تنكسر بل ازدادت إيمانًا بأن النصر قادم.
ليلى الشال أيقونة من زمن مُختلف.. عاشت بيننا ورأيناها بعيوننا مثلًا أعلى يجسد كل أحلام الوطن الجميلة، ومن وحيها حاولنا استكمال الطريق نحو الثورة والتغيير، ترحل ليلى في هدوء وكأنها أتمت رسالتها مع بزوغ الدراما المرتبكة التي شهدتها مصر في السنوات الأربع الماضية، والذين عرفوا الأرصفة والميادين والتظاهر في السنوات العشر السابقة على يناير ٢٠١١، يعرفون وجه ليلى الشال جيدًا فهى الزعيمة دون صخب أو مغازلة لشاشات الفضائيات، وهى الأم الحنون الباكية مع بحة أصواتنا في الهتاف، وهى الابتسامة الواثقة من سلامة عنوان الطريق.
التجارب الطويلة المريرة تتحول على يد ليلى الشال إلى خطوات عملية على الأرض، قليل من الكلام كثير من العمل، بسيط من المعانى كثير من العمق، وضوح في الهدف والسير نحوه بثبات غياب التفاصيل ذات النهايات الغامضة، احترام التنظيم وتطويره، دحر للشللية والعصبوية، إنكار الذات لصالح المجموع، تلاشى للغرور والخطأ والانقسام.
مدرسة كبيرة ملهمة، لم تبتذل سنوات سجنها وهى في ريعان شبابها بالحكى عنها بقية عمرها أو التفاخر كآخرين، وكأن سنوات السجن ضريبة دفعتها عن طيب خاطر لأحلام الوطن والناس، دفعتها راضية مرضية، لذلك لم تتوقف عن نشاطها بعد خروجها من السجن، أتمت دراستها الجامعية وانخرطت في العمل ترشحت كنقابية وفازت، شاركت بقوة كواحدة من أهم مؤسسى حزب التجمع، عاشت للحزب ومبادئه، اهتمت بالنضال ضد التمييز سواء كان للمرأة أو الأقباط، عقلها داخل الحزب وعينها على الشارع، تتفاعل مع الأحداث في الميادين فتكون في أول الصفوف كما يليق بمناضلة.
كان من الممكن أن تحيا ليلى الشال عمرها كله في نسق مُختلف وهى ابنة الحسب والنسب والمال والأصول، ولكن إلهام العدالة بين الناس أصابها مبكرًا، فاختارت طريقها باستقامة، لم تخذل شهدى عطية الذي لقنها أول حروف الكلام، وجاءت بوصلتها الكبرى مع لقائها بالشاب المعتقل محمد رفعت السعيد، وبينما تمضى ليلى سنوات اعتقالها في سجن القناطر كان هو رحالة بين السجون، ولم تكن هناك وسيلة للتواصل بينهما سوى بابتكار منديل الحب الذي كتبت عليه رسالتها له وحملها طبيب السجن ليوصلها إلى ذلك المغامر الذي أوفى لها حقها وأحبها بصدق وتزوجها وصارت سنده في الحياة وهو سندها.
بعد الإفراج عنهما يتزوجان وتنجب ليلى الشال خالد وغادة، وبينما تتنزه الأسرة الصغيرة مشيًا في شارع قصر النيل فإذا بطبيب السجن على الرصيف الآخر، يراهم ويأتى إليهم مهرولًا، يتبادلون السلام والمحبة وتنهمر دموع الطبيب على الرصيف باكية، فصلابة المناضلين قد انتصرت ورفرفت المحبة، وهاهو الطريق مُمهد لإنجاز الأحلام المؤجلة.
في الحياة تلتقى بكل البشر، ولكن قليلا منهم الذي يعيش في وجدانك وروحك، ليلى الشال هي واحدة من هذا القليل النادر، حزانى لفراقها وعزاؤنا لأنفسنا أنها استراحت، أما عزاؤنا للدكتور رفعت السعيد وخالد وغادة وكل أسرتها فلا نجد كلمات كافية لهم لنكتبها.