شهدت بناء أول مسجد فى مصر وسمّي بـ«سادات قريش»
«يوسف ويعقوب والأسباط» اتخذوها موطنًا ودفن بها أنبياء بني إسرائيل
مسقط رأس «هاجر» زوجة «أبو الأنبياء» وجدة «خاتم المرسلين» وعلى أرضها سارت العائلة المقدسة
عندما قررت «البوابة» فتح ملف وصف مصر، كنا على علم تام بأن كنوز هذا البلد العريق لا تنضب، وأننا لا نعرف سوى النزر اليسير جدا من تاريخها الذى تحكى فصوله كل حبة رمل على أرضها.
هذه الحقيقة جعلتنا نطوف حول كعبة الوطن، أملا فى اكتشاف أسرار الزمان وعبقرية المكان، وفهم طبيعة الإنسان، ذلك العملاق الذى بنى حضارة قادت الدنيا يومًا، وتحدت التاريخ عنها حتى خضع بين يديها مستسلما منذ خمسة آلاف عام.
خاضت «البوابة» التجربة، فوقفت عند المدخل الجنوبى لمصر تسجل عجائب المجتمع النوبى وروعته، مخترقة حجب الحياة الصعبة فى مدينة حلايب والشلاتين.
ومن هناك عدنا إلى حيث الشمال الساحر وتحديدا عند المدينة الأكثر إثارة للجدل على البحر المتوسط، وهى بورسعيد، المدينة الباسلة بلد أبو العربى.
لكن هل يمكن أن تكتمل ملامح الشخصية المصرية، أو يصبح «وصف مصر» مصطلحا أمينا، دون الحديث عن القلب؟ وهل يمكن أن يكون هذا القلب غير الفلاح؟! وهل يمكن الحديث عن الفلاح المصرى الذى يمتد تاريخه متوازيا مع التاريخ، إلا بذكر محافظة الشرقية، أم الفلاح المصرى، وسيدة الدلتا.
كثيرون هم من لا يعرفون عن الشرقية سوى أنها البلد الذى «عزم أهله ركاب القطار على الإفطار»، لكن هناك الكثير من الكنوز التى يضمها تاريخ هذا البلد العريق؛ لذا كان لابد من الانطلاق خلف مفاتيح الشخصية الشرقاوية، التى تعد سرا من أسرار هذا الوطن. ذهبت إلى هناك وفى ذهنى تساؤلات عدة، هل مازال الريف يحافظ على هويته وبيئته الجغرافية وتركيبته السكانية؟! أم أن طموحات الريفيين الجدد مع جراح الريف الغائرة، عصفت بهويته وغيرت كل شىء؟! ولماذا لم تخطط الحكومة للحفاظ على طراز القرية المصرية.
ويبقى السؤال الأهم على الإطلاق، وهو: لماذا أصبحت الشرقية على وجه الخصوص معقلا للإخوان، وجامعتها مفرخة لهم، وتربة خصبة للسلفيين ومرتعا للتكفيريين وهوسًا للصوفيين وزاوية للشيعة؟ وكيف يمكن لبلد واحد أن يحوى فى مجتمعه كل هذه الأفكار المتناقضة أحيانا، والمتعارضة غالبا؟.
«مدينة بلبيس».. هى أول أرض تلمسها قدماك عند دخولك محافظة الشرقية، والتى تعد الطريق الرابط بين مصر والشمال، سواء من جهة قارة آسيا، أو البحر المتوسط، وهى تمثل العمق الاستراتيجى لسيناء منذ فجر التاريخ، كما تمتلك تلك المحافظة الأسطورية ثروة تاريخية هائلة لا مثيل لها على الإطلاق، بالرغم من كل ما تملكه مصر من كنوز أثرية تاريخية عريقة، فـ«بلبيس» هى عاصمة مصر فى عهد الهكسوس، وكانت مقرا لحكم عدد من أهم فراعنة مصر، لمدة ١٤٥ سنة، ومنهم رمسيس الأول والثانى، ويطلق عليها العاصمة السابعة، وتمتلك من الطرق التاريخية ما يفوق فى قداسته وشهرته أى طريق فى العالم، لارتباط مواقعها التاريخية بذكريات دينية لدى أصحاب الديانات السماوية الثلاث، لذلك يمكن أن نطلق عليها «طرق الشرقية المقدسة»، وهى ذات أهمية دينية وسياحية أيضا، بعد أن سار فيها الأنبياء إبراهيم ويعقوب ويوسف وموسى وعيسى عليهم السلام، وكانت طريقا للفتوحات فقد عبرها رمسيس والإسكندر وعمرو بن العاص، وتكشف «البوابة»، أسرار تلك المدينة المقدسة، التى تعد خامس أقدم مدينة فى العالم، كما ترسم خريطة الطرق الأكثر عراقة على الإطلاق.
مسجد «أمير الجيش»
الشيخ محمد نجم، إمام وخطيب أقدم مسجد فى مصر وإفريقيا، والذى يسبق مسجد عمرو بن العاص بالفسطاط، يؤكد تلك المعلومة قائلا: «حينما دخل عمرو بن العاص المدينة عند فتح مصر، قرر أن يبنى مسجدًا ليصلى فيه الجنود، فاختار قصرًا كان مقرًا للأميرة «أرامنيوس» ابنة المقوقس، حاكم مصر الرومانى، وتم دفن ٢٥٠ شهيدًا، و٢١٠ من التابعين ممن كانوا مصاحبين له، واتخذ من بلبيس قاعدة عسكرية، وترك فيها حامية من الجيش وأمر عليها قائدًا، والذى بنى له مسجدًا باسمه فى بلبيس، سمى مسجد سادات قريش، لافتا إلى أن الأمير عمرو بن العاص انتهج ذات النهج الذى جرى عليه كل من دخلوا المدينة منذ عصر الفراعنة، حيث استغل الجميع موقعها الاستراتيجى، وأقاموا بها قواعد عسكرية.
زوجة أبو الأنبياء
«مدينة بلبيس بها آثار كثيرة ينقب عنها الأهالى أسفل منازلهم ويستولون عليها»، بهذه الكلمات التى بدا الحزن فى نبراتها، استكمل نجم حديثه معربا عن أسفه من حالة الإهمال التى تعانيها آثار الشرقية، كاشفا عن أن المسجد الذى يتولى هو شئونه تعرض هو الآخر للحفر أسفله بحثا عن الآثار، وقال: «العناية الإلهية تحفظ المسجد، وبركات الصحابة والتابعين المدفونين فيه تحرسه».
وكشف إمام أقدم المساجد الإفريقية عن مفاجأة، حين أكد أن السيدة هاجر، زوجة نبى الله إبراهيم، وأم نبى الله إسماعيل من «بلبيس»، وبالتحديد من منطقة تسمى «غيثه» باللغة الفرعونية.
وتابع أن المنطقة المسماة الآن بـ«غيتة» ورد ذكرها بكتاب «مسالك الممالك لابن حوقل»، ومعجم «البلدان» لياقوت الحموى، مضيفًا كانت سارة زوجة سيدنا إبراهيم أجمل نساء الأرض، فطمع بها ملك الهكسوس الذى كان يحكم شمال مصر، وكانت عاصمته «أواريس»، فدعت ربها فشلت يديه، فاعتقد أنه سُحر، فتوسل إليها كى تشفيه فدعت الله فعفا عنه، فاقتنع أنهم قوم مباركون، ومنحها هاجر هدية لها لتخدمها وكانت أميرة فرعونية تمكن من أسرها فى الحرب من أجداد أحمس، وتزوج سيدنا إبراهيم من هاجر لينجب منها سيدنا إسماعيل جد النبى محمد، قائلًا إن ذلك هو سر مقولة الرئيس الراحل أنور السادات «نحن أخوال العرب».
"بلبيس" مقر حكم "يوسف"
وأوضح نجم، أن نبى الله يوسف، عزيز مصر، حكم مصر من بلبيس، وأهدى جزءًا منها كضيعة لأبيه وإخوته يعيشون فيها على الرعى، وعاشوا فى منطقة تسمى «تل اليهودية»، ودفن فيها بنيامين شقيق سيدنا يوسف، وعدد من أنبياء بنى إسرائيل بمنطقة سعدون، لذا يعتقد الكثيرون أن هذه المنطقة مبروكة، وولد بها النبيان موسى وهارون، وذكرت بلبيس فى القرآن بالكناية خمس مرات، فى سورة «يوسف»، بحسب تفسير الطبرى، ومشيرا إلى أن آل بيت الرسول، زاروا بلبيس، حينما هربوا من يزيد بن معاوية، فأقاموا شهرا بمسجد سمى «سادات قريش» لمرض الأمير مدين، قائد الركب الذى مرض وهو مصطحبا للسيدة زينب ومات ودفن فى بلبيس وسمى الشارع باسم الضريح الذى عثروا فيه على جثمانه خلال ثمانينيات القرن الفائت داخل زير، وهم يحفرون، ومكتوب عليه الأمير مدين.
قصة سرداب يحتوي أكبر مقبرة فرعونية
وقال إمام المسجد: رأيت سردابًا بأرض المسجد الفضاء، وبه أكبر مقبرة فرعونية فى تاريخ مصر. وقال نجم إن الكارثة هى عدم اهتمام وزارة الآثار بإنقاذ الكنوز الأثرية من أيدى اللصوص لإحياء تاريخ مصر من جديد، مضيفًا أن الإمام السابق للمسجد نزل إلى داخل السرداب، وتفقد أجساد الشهداء، ثم خرج لا يتحدث إلى أحد ومات بعد ١٥ يومًا من الواقعة جراء الصدمة، موضحًا أن بلبيس دارت على أرضها أحداث قصة نبى الله موسى، وكانت مدخلًا لأرض جاشان التى جاء ذكرها بالتوراة والإنجيل، بأنها تباركت بزيارة وإقامة سيدنا يعقوب والأسباط، ووصفها فرعون ليوسف بأنها أفضل أرض فى مصر، وورد ذكرها فى «قوله تعالى»: «وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِى كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِى أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ»، فهناك منطقة ببلبيس تسمى «تل اليهودية»، بقرية السلام عبارة عن مساحة رملية واسعة تحيط بها منازل القرية من جميع الاتجاهات، وتعتبر من أهم الطرق المقدسة بالشرقية وهى طريق خروج موسى عليه السلام، وطريق دخول العائلة المقدسة، وطريق الفتح الإسلامى، وطريق الحج القديم، وطريق حورس الحربى، بالإضافة إلى طريق دخول إبراهيم عليه السلام ويوسف وقومه وزيارات آل بيت النبوة.
طريق العائلة المقدسة
ولد عيسى، عليه السلام، فى بيت لحم بفلسطين ولم يغادرها إلى أى مكان آخر سوى إلى مصر فقد أتى إليها فى طفولته مع أمه السيدة العذراء ويوسف النجار هربا من الحاكم الرومانى هيرودس ودخلت العائلة المقدسة مصر عن طريق رفح ثم العريش ومنها إلى قاطية حتى الفرما من خلال طريق الشاطئ بعيدا عن طريق حورس «طريق الحرب والتجارة»، حتى لا يعثر عليهم جنود هيرودس، وواصلت سيرها حتى قرية قنتير شمال الشرقية، وأقاموا بها ثلاثة أيام اتجهوا بعدها إلى صفط الحنة بمركز أبو حماد وأمضوا بها ليلة ثم اتجهوا غربا إلى تل بسطة بجوار الزقازيق وأمضوا بها ليلة حيث كان البرد شديدًا والمطر غزيرًا وبرق السماء مخيفًا فآواهم فلاح يدعى «كلوم» وقد بنيت كنيسة فى مكان منزله فى القرن الرابع الميلادى ومكانها حاليًا كنيسة سان جورج - هناك تداخل وربط لمسافة ٦٦ كم بين طريق العائلة المقدسة وطريق خروج بنى إسرائيل فى المنطقة من الفرما حتى الصالحية - ومن تل بسطة اتجهوا إلى مسطرد ثم شمالا إلى بلبيس، يروى لنا الأب صمويل كاهن كنيسة الشهيد العظيم مار جرجس ببلبيس.
البركة حلت ببلبيس مع زيارة وإقامة العائلة المقدسة، ويذكر أنه حدثت معجزة مع قدومهما فحينما اقتربت العائلة المقدسة من المدينة كان يغادرها نعش محمولا على الأكتاف لطفل أرملة كانت تسكن مدينة بلبيس، فلمس الطفل يسوع النعش، فأقامه من الموت، فلما رأى الجموع هذا المشهد أصبح حديث المدينة، ويروى الرحالة والمؤرخ الألمانى الأب فانسليب أن بلبيس استظلت فيها العائلة المقدسة بشجرة تسمى شجرة مريم، وكانت بجوارها بئر، ويروى أن عسكر الحملة الفرنسية بقيادة نابليون عندما مروا ببلبيس أثناء مطارداتهم فلول المماليك وإبراهيم بك أرادوا قطع الشجرة ليستفيدوا من خشبها، فلما ضربوا بالفأس أول ضربة بدأت الشجرة تدمى فارتعب العسكر ولم يجرؤا أن يمسوها وبنى فى هذا المكان مسجد عثمان بن الحارث الأنصارى ثم توجهوا إلى الشمال الغربى حتى مدينة سمنود قرب مدينة أجا بالدقهلية، وعبروا النيل إلى سمنود بالغربية ثم شمالا إلى سخا بكفر الشيخ، ومنها عبرت العائلة المقدسة النيل إلى غربى الدلتا وتحركت جنوبا إلى وادى النطرون، ثم إلى المطرية حيث استظلوا بشجرة عرفت بشجرة مريم وأنبع الله عين ماء شرب منها المسيح وغسلت فيها العذراء ملابسه ثم انتقلوا لفترة للزيتون وتحركوا إلى موقع الكنيسة الأثرية بحارة زويلة وكذلك على العزباوية بكلوت بك ثم ساروا جنوبا إلى حصن بابليون بالفسطاط وأقاموا أسبوعا فى مغارة الحصن، حيث كنيسة أبى سرجة ومنها انتقلوا إلى منف وهى قرية ميت رهينة الآن بالجيزة، وأقلعت العائلة المقدسة إلى الصعيد فى مركب شراعى من البقعة المقامة عليها الآن كنيسة العذراء مريم بالمعادى، حتى قرية دير الجرنوس بمركز مغاغة ثم وصلت البهنسا بمركز بنى مزار، فى مكان يعرف ببيت يسوع، ومكانه الآن قرية صندفا، وأقاموا فيها أربعة أيام ثم عبروا النيل إلى الشاطئ الشرقى ووصلوا إلى جبل الطير شمال سمالوط، ويقال إن صخرة كبيرة كادت تسقط عليهم فمد المسيح يده ومنع الصخرة من السقوط وانطبع كفه عليها، وعرفت الكنيسة التى أقامتها الإمبراطورة هيلانة فى جبل الطير باسم العذراء مريم بكنيسة الكف ثم اتجهوا إلى الأشمونيين بمركز ملوى ثم إلى قرية فيليس «ديروط الشريف» على الضفة اليسرى للنيل ومنها اتجهوا إلى القوصية فلم يرحب بهم أهلها وطردوهم عندما رأوا معبودهم البقرة حتحور تسقط وتتحطم فهربت العائلة المقدسة إلى ميرة على بعد ٨ كم شرقى نزالى جنوبًا ومنها إلى جبل قسقام حيث يقوم الآن دير السيدة العذراء، الشهير بـ«المحرق» ٤٨ كم شمال أسيوط، وهذه آخر بقعة فى صعيد مصر بلغتها العائلة المقدسة وأقامت فيها ستة أشهر وعشرة أيام ومنها بدأت رحلة العودة إلى فلسطين، وقد ركبت العائلة المقدسة المركب من جبل أسيوط المعروف بجبل درنكة حتى بابليون ثم مسطرد وبلبيس واتجهت إلى الفرما ثم العريش ورفح، وقد اختلف المؤرخون فى تقدير المدة التى أقامتها العائلة المقدسة فى مصر ما بين ثلاث سنوات ونصف وأربع سنوات.
الفتح الإسلامي
استأذن عمرو بن العاص الخليفة عمر بن الخطاب فى فتح مصر وقاد أربعة آلاف من جند المسلمين حتى بلغوا رفح ثم واصلوا سيرهم حتى حصون العريش، وبعد عبورها أمر جنوده بالراحة، وأعلنهم بأن اليوم التالى هو عيد الأضحى لسنة ١٨ هجريًا، وأن «المساء عيد» فعرفت هذه المنطقة بـ «المساعيد» ثم اتجه إلى الغرب على طريق حورس الحربى حتى بلغ الفرما وحاصرها شهرًا حتى سقطت ثم عبر منطقة السبخة إلى مدينة مجدول القديمة ومنها إلى القنطرة واتجه إلى الصالحية، ومنها تحرك جنوبا وعبر وادى الطميلات بالقرب من التل الكبير إلى بلبيس ودار بها قتال عنيف خسر الروم أكثر من ألف قتيل وثلاثة آلاف أسير.
كانت بلبيس مدخل العرب إلى مصر عند الفتح الإسلامى وأقام عمرو بن العاص فيها واتخذ منطقة فيها تسمى «الكتيبة» وأثناء سيره كان كل من يتوفى من الصحابة والتابعين يتم دفنه وتم دفن الشهداء فى مسجد سادات قريش «ببلبيس»، وهو أقدم مسجد بمصر وإفريقيا، ويقال إنه أول مسجد فى الإسلام فى مصر، وقد أطلق عليه هذا الاسم تكريما لشهداء المسلمين من صحابة الرسول، صلى الله عليه وسلم، فى معركتهم ضد الرومان عند فتحهم مصر وبنى المسجد عام ١٠٠٢ هـ. وكذلك مسجد أمير الجيش بشارع سعد زغلول.
المسجد الكبير «الشيخ المنسى» بالقيسرية. مسجد المقرقع بالقيسارية، بلبيس سميت على اسم الملكة بيسة التى كانت تحكم مصر فى الفترة التى استقبلت فيها المدينة عمرو بن العاص فى أول زيارة له مصر قبل دخوله الفسطاط.
ثم واصلت قوات عمرو سيرها حتى وصلت هليوبوليس «عين شمس» التى اتخذها مقرًا لقواته ثم تحرك إلى أم دنين وموقعها حديقة الأزبكية حاليا فتحصن الرومان بحصن بابليون «قصر الشمع حاليًا بمصر القديمة» وعندما طال الحصار قام عمرو بفتح الفيوم ثم البهنسا ثم عاد بجيشه إلى عين شمس والتقى بقوات الرومان فى موقعة فاصلة فى نفس موقع حى العباسية الآن وعقب ذلك سقط حصن بابليون وتحرك عمرو بقواته إلى نقبوس ( وردان حاليا بإمبابة، وأقام بها بضعة أيام ثم عبر النيل إلى الغرب وأمر صاحبه شريك أن يطارد الروم فاشتبك معهم فى موقع يعرف الآن بـ«كوم شريك» بالبحيرة وواصل ابن العاص سيره حتى بلغ الدلنجات ومنها سار شمالا فى اتجاه دمنهور ومنها إلى سلطيس ثم تحرك إلى الكريون جنوب الإسكندرية، التى تم حصارها ثم الصلح وجلاء الروم وقام العرب بفتح مدن الدلتا مثل فوه وسخا وسمنود ومنوف.
ثم طريق مرور السيدة زينب والسيدة فاطمة والسيدة سكينة ابنتى الإمام الحسين بقرية العباسة مركز أبو حماد مرورًا ببلبيس.
المحمل والحج القديم
ظهر طريق الحج بعد انتشار الإسلام فى مصر وظل مستخدما حتى تطورت وسائل المواصلات وعقب قيام السلطان الظاهر بيبرس سنة ٦٥٨ هـ بكسوة الكعبة أصبح الطريق يعرف بطريق المحمل والحج، وظل كذلك حتى ١٩٢٦ وكان يبدأ المحمل التحرك من ميدان القلعة تتقدمه أشاير الصوفية ثم الجنود وجمل المحمل، ويستمر الموكب سائرا إلى المحجر فالدرب الأحمر ويمر من بوابة المؤيد فـ«الغورية» ثم النحاسين فباب النصر ثم العباسية ومنها إلى عجرود غرب السويس وتغادر قافلة الحج السويس عبر وادى الحاج ثم تعبر ممر متلا إلى صدر الحيطان ثم تعبر صحراء التيه حتى نخل ثم رأس أبو طليحات ومنها إلى بئر أبو محمد ومنها إلى الثمد ثم رأس النقب حتى قرية أم الرشراش على خليج العقبة ثم تدخل الأراضى الحجازية
سبيل حورس الحربي
هذا الطريق موجود منذ الفراعنة وقد سموه بحورس، أى الصقر، آلة الحرب والقوة وقد شهد جميع غزوات الفراعنة لفتح بلاد الشام كما كان طريق التجارة الرئيسى بين مصر ودول المشرق ومن هذا الطريق مر تحتمس الثالث لفتح الشام ورمسيس الثانى لمحاربة الحيثيين وأحمس وكذلك شهد قدوم إبراهيم الخليل وسيدنا يوسف ويعقوب عليهم السلام كما شهد هذا الطريق حملات الملك الفارسى قمبيز على مصر وفتوحات الإسكندر الأكبر وحملات الرومان والإغريق كما سلكه نابليون فى طريقه لفتح الشام ويبدأ طريق حورس من رفح إلى الشيخ زويد ثم الخروبة حتى العريش ثم المساعيد بالقرب من البحر ثم يمر جنوب بحيرة البردويل إلى مزار ثم مصفق وبير العبد حتى قاطية ومنها إلى رمانة ثم بالوظة وينحرف نحو الجنوب الغربى ويصل إلى جلبانة ثم القنطرة حتى الصالحية ثم يستمر بعد ذلك إلى داخل مصر حتى القاهرة.
«يوسف ويعقوب والأسباط» اتخذوها موطنًا ودفن بها أنبياء بني إسرائيل
مسقط رأس «هاجر» زوجة «أبو الأنبياء» وجدة «خاتم المرسلين» وعلى أرضها سارت العائلة المقدسة
عندما قررت «البوابة» فتح ملف وصف مصر، كنا على علم تام بأن كنوز هذا البلد العريق لا تنضب، وأننا لا نعرف سوى النزر اليسير جدا من تاريخها الذى تحكى فصوله كل حبة رمل على أرضها.
هذه الحقيقة جعلتنا نطوف حول كعبة الوطن، أملا فى اكتشاف أسرار الزمان وعبقرية المكان، وفهم طبيعة الإنسان، ذلك العملاق الذى بنى حضارة قادت الدنيا يومًا، وتحدت التاريخ عنها حتى خضع بين يديها مستسلما منذ خمسة آلاف عام.
خاضت «البوابة» التجربة، فوقفت عند المدخل الجنوبى لمصر تسجل عجائب المجتمع النوبى وروعته، مخترقة حجب الحياة الصعبة فى مدينة حلايب والشلاتين.
ومن هناك عدنا إلى حيث الشمال الساحر وتحديدا عند المدينة الأكثر إثارة للجدل على البحر المتوسط، وهى بورسعيد، المدينة الباسلة بلد أبو العربى.
لكن هل يمكن أن تكتمل ملامح الشخصية المصرية، أو يصبح «وصف مصر» مصطلحا أمينا، دون الحديث عن القلب؟ وهل يمكن أن يكون هذا القلب غير الفلاح؟! وهل يمكن الحديث عن الفلاح المصرى الذى يمتد تاريخه متوازيا مع التاريخ، إلا بذكر محافظة الشرقية، أم الفلاح المصرى، وسيدة الدلتا.
كثيرون هم من لا يعرفون عن الشرقية سوى أنها البلد الذى «عزم أهله ركاب القطار على الإفطار»، لكن هناك الكثير من الكنوز التى يضمها تاريخ هذا البلد العريق؛ لذا كان لابد من الانطلاق خلف مفاتيح الشخصية الشرقاوية، التى تعد سرا من أسرار هذا الوطن. ذهبت إلى هناك وفى ذهنى تساؤلات عدة، هل مازال الريف يحافظ على هويته وبيئته الجغرافية وتركيبته السكانية؟! أم أن طموحات الريفيين الجدد مع جراح الريف الغائرة، عصفت بهويته وغيرت كل شىء؟! ولماذا لم تخطط الحكومة للحفاظ على طراز القرية المصرية.
ويبقى السؤال الأهم على الإطلاق، وهو: لماذا أصبحت الشرقية على وجه الخصوص معقلا للإخوان، وجامعتها مفرخة لهم، وتربة خصبة للسلفيين ومرتعا للتكفيريين وهوسًا للصوفيين وزاوية للشيعة؟ وكيف يمكن لبلد واحد أن يحوى فى مجتمعه كل هذه الأفكار المتناقضة أحيانا، والمتعارضة غالبا؟.
«مدينة بلبيس».. هى أول أرض تلمسها قدماك عند دخولك محافظة الشرقية، والتى تعد الطريق الرابط بين مصر والشمال، سواء من جهة قارة آسيا، أو البحر المتوسط، وهى تمثل العمق الاستراتيجى لسيناء منذ فجر التاريخ، كما تمتلك تلك المحافظة الأسطورية ثروة تاريخية هائلة لا مثيل لها على الإطلاق، بالرغم من كل ما تملكه مصر من كنوز أثرية تاريخية عريقة، فـ«بلبيس» هى عاصمة مصر فى عهد الهكسوس، وكانت مقرا لحكم عدد من أهم فراعنة مصر، لمدة ١٤٥ سنة، ومنهم رمسيس الأول والثانى، ويطلق عليها العاصمة السابعة، وتمتلك من الطرق التاريخية ما يفوق فى قداسته وشهرته أى طريق فى العالم، لارتباط مواقعها التاريخية بذكريات دينية لدى أصحاب الديانات السماوية الثلاث، لذلك يمكن أن نطلق عليها «طرق الشرقية المقدسة»، وهى ذات أهمية دينية وسياحية أيضا، بعد أن سار فيها الأنبياء إبراهيم ويعقوب ويوسف وموسى وعيسى عليهم السلام، وكانت طريقا للفتوحات فقد عبرها رمسيس والإسكندر وعمرو بن العاص، وتكشف «البوابة»، أسرار تلك المدينة المقدسة، التى تعد خامس أقدم مدينة فى العالم، كما ترسم خريطة الطرق الأكثر عراقة على الإطلاق.
مسجد «أمير الجيش»
الشيخ محمد نجم، إمام وخطيب أقدم مسجد فى مصر وإفريقيا، والذى يسبق مسجد عمرو بن العاص بالفسطاط، يؤكد تلك المعلومة قائلا: «حينما دخل عمرو بن العاص المدينة عند فتح مصر، قرر أن يبنى مسجدًا ليصلى فيه الجنود، فاختار قصرًا كان مقرًا للأميرة «أرامنيوس» ابنة المقوقس، حاكم مصر الرومانى، وتم دفن ٢٥٠ شهيدًا، و٢١٠ من التابعين ممن كانوا مصاحبين له، واتخذ من بلبيس قاعدة عسكرية، وترك فيها حامية من الجيش وأمر عليها قائدًا، والذى بنى له مسجدًا باسمه فى بلبيس، سمى مسجد سادات قريش، لافتا إلى أن الأمير عمرو بن العاص انتهج ذات النهج الذى جرى عليه كل من دخلوا المدينة منذ عصر الفراعنة، حيث استغل الجميع موقعها الاستراتيجى، وأقاموا بها قواعد عسكرية.
زوجة أبو الأنبياء
«مدينة بلبيس بها آثار كثيرة ينقب عنها الأهالى أسفل منازلهم ويستولون عليها»، بهذه الكلمات التى بدا الحزن فى نبراتها، استكمل نجم حديثه معربا عن أسفه من حالة الإهمال التى تعانيها آثار الشرقية، كاشفا عن أن المسجد الذى يتولى هو شئونه تعرض هو الآخر للحفر أسفله بحثا عن الآثار، وقال: «العناية الإلهية تحفظ المسجد، وبركات الصحابة والتابعين المدفونين فيه تحرسه».
وكشف إمام أقدم المساجد الإفريقية عن مفاجأة، حين أكد أن السيدة هاجر، زوجة نبى الله إبراهيم، وأم نبى الله إسماعيل من «بلبيس»، وبالتحديد من منطقة تسمى «غيثه» باللغة الفرعونية.
وتابع أن المنطقة المسماة الآن بـ«غيتة» ورد ذكرها بكتاب «مسالك الممالك لابن حوقل»، ومعجم «البلدان» لياقوت الحموى، مضيفًا كانت سارة زوجة سيدنا إبراهيم أجمل نساء الأرض، فطمع بها ملك الهكسوس الذى كان يحكم شمال مصر، وكانت عاصمته «أواريس»، فدعت ربها فشلت يديه، فاعتقد أنه سُحر، فتوسل إليها كى تشفيه فدعت الله فعفا عنه، فاقتنع أنهم قوم مباركون، ومنحها هاجر هدية لها لتخدمها وكانت أميرة فرعونية تمكن من أسرها فى الحرب من أجداد أحمس، وتزوج سيدنا إبراهيم من هاجر لينجب منها سيدنا إسماعيل جد النبى محمد، قائلًا إن ذلك هو سر مقولة الرئيس الراحل أنور السادات «نحن أخوال العرب».
"بلبيس" مقر حكم "يوسف"
وأوضح نجم، أن نبى الله يوسف، عزيز مصر، حكم مصر من بلبيس، وأهدى جزءًا منها كضيعة لأبيه وإخوته يعيشون فيها على الرعى، وعاشوا فى منطقة تسمى «تل اليهودية»، ودفن فيها بنيامين شقيق سيدنا يوسف، وعدد من أنبياء بنى إسرائيل بمنطقة سعدون، لذا يعتقد الكثيرون أن هذه المنطقة مبروكة، وولد بها النبيان موسى وهارون، وذكرت بلبيس فى القرآن بالكناية خمس مرات، فى سورة «يوسف»، بحسب تفسير الطبرى، ومشيرا إلى أن آل بيت الرسول، زاروا بلبيس، حينما هربوا من يزيد بن معاوية، فأقاموا شهرا بمسجد سمى «سادات قريش» لمرض الأمير مدين، قائد الركب الذى مرض وهو مصطحبا للسيدة زينب ومات ودفن فى بلبيس وسمى الشارع باسم الضريح الذى عثروا فيه على جثمانه خلال ثمانينيات القرن الفائت داخل زير، وهم يحفرون، ومكتوب عليه الأمير مدين.
قصة سرداب يحتوي أكبر مقبرة فرعونية
وقال إمام المسجد: رأيت سردابًا بأرض المسجد الفضاء، وبه أكبر مقبرة فرعونية فى تاريخ مصر. وقال نجم إن الكارثة هى عدم اهتمام وزارة الآثار بإنقاذ الكنوز الأثرية من أيدى اللصوص لإحياء تاريخ مصر من جديد، مضيفًا أن الإمام السابق للمسجد نزل إلى داخل السرداب، وتفقد أجساد الشهداء، ثم خرج لا يتحدث إلى أحد ومات بعد ١٥ يومًا من الواقعة جراء الصدمة، موضحًا أن بلبيس دارت على أرضها أحداث قصة نبى الله موسى، وكانت مدخلًا لأرض جاشان التى جاء ذكرها بالتوراة والإنجيل، بأنها تباركت بزيارة وإقامة سيدنا يعقوب والأسباط، ووصفها فرعون ليوسف بأنها أفضل أرض فى مصر، وورد ذكرها فى «قوله تعالى»: «وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِى كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِى أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ»، فهناك منطقة ببلبيس تسمى «تل اليهودية»، بقرية السلام عبارة عن مساحة رملية واسعة تحيط بها منازل القرية من جميع الاتجاهات، وتعتبر من أهم الطرق المقدسة بالشرقية وهى طريق خروج موسى عليه السلام، وطريق دخول العائلة المقدسة، وطريق الفتح الإسلامى، وطريق الحج القديم، وطريق حورس الحربى، بالإضافة إلى طريق دخول إبراهيم عليه السلام ويوسف وقومه وزيارات آل بيت النبوة.
طريق العائلة المقدسة
ولد عيسى، عليه السلام، فى بيت لحم بفلسطين ولم يغادرها إلى أى مكان آخر سوى إلى مصر فقد أتى إليها فى طفولته مع أمه السيدة العذراء ويوسف النجار هربا من الحاكم الرومانى هيرودس ودخلت العائلة المقدسة مصر عن طريق رفح ثم العريش ومنها إلى قاطية حتى الفرما من خلال طريق الشاطئ بعيدا عن طريق حورس «طريق الحرب والتجارة»، حتى لا يعثر عليهم جنود هيرودس، وواصلت سيرها حتى قرية قنتير شمال الشرقية، وأقاموا بها ثلاثة أيام اتجهوا بعدها إلى صفط الحنة بمركز أبو حماد وأمضوا بها ليلة ثم اتجهوا غربا إلى تل بسطة بجوار الزقازيق وأمضوا بها ليلة حيث كان البرد شديدًا والمطر غزيرًا وبرق السماء مخيفًا فآواهم فلاح يدعى «كلوم» وقد بنيت كنيسة فى مكان منزله فى القرن الرابع الميلادى ومكانها حاليًا كنيسة سان جورج - هناك تداخل وربط لمسافة ٦٦ كم بين طريق العائلة المقدسة وطريق خروج بنى إسرائيل فى المنطقة من الفرما حتى الصالحية - ومن تل بسطة اتجهوا إلى مسطرد ثم شمالا إلى بلبيس، يروى لنا الأب صمويل كاهن كنيسة الشهيد العظيم مار جرجس ببلبيس.
البركة حلت ببلبيس مع زيارة وإقامة العائلة المقدسة، ويذكر أنه حدثت معجزة مع قدومهما فحينما اقتربت العائلة المقدسة من المدينة كان يغادرها نعش محمولا على الأكتاف لطفل أرملة كانت تسكن مدينة بلبيس، فلمس الطفل يسوع النعش، فأقامه من الموت، فلما رأى الجموع هذا المشهد أصبح حديث المدينة، ويروى الرحالة والمؤرخ الألمانى الأب فانسليب أن بلبيس استظلت فيها العائلة المقدسة بشجرة تسمى شجرة مريم، وكانت بجوارها بئر، ويروى أن عسكر الحملة الفرنسية بقيادة نابليون عندما مروا ببلبيس أثناء مطارداتهم فلول المماليك وإبراهيم بك أرادوا قطع الشجرة ليستفيدوا من خشبها، فلما ضربوا بالفأس أول ضربة بدأت الشجرة تدمى فارتعب العسكر ولم يجرؤا أن يمسوها وبنى فى هذا المكان مسجد عثمان بن الحارث الأنصارى ثم توجهوا إلى الشمال الغربى حتى مدينة سمنود قرب مدينة أجا بالدقهلية، وعبروا النيل إلى سمنود بالغربية ثم شمالا إلى سخا بكفر الشيخ، ومنها عبرت العائلة المقدسة النيل إلى غربى الدلتا وتحركت جنوبا إلى وادى النطرون، ثم إلى المطرية حيث استظلوا بشجرة عرفت بشجرة مريم وأنبع الله عين ماء شرب منها المسيح وغسلت فيها العذراء ملابسه ثم انتقلوا لفترة للزيتون وتحركوا إلى موقع الكنيسة الأثرية بحارة زويلة وكذلك على العزباوية بكلوت بك ثم ساروا جنوبا إلى حصن بابليون بالفسطاط وأقاموا أسبوعا فى مغارة الحصن، حيث كنيسة أبى سرجة ومنها انتقلوا إلى منف وهى قرية ميت رهينة الآن بالجيزة، وأقلعت العائلة المقدسة إلى الصعيد فى مركب شراعى من البقعة المقامة عليها الآن كنيسة العذراء مريم بالمعادى، حتى قرية دير الجرنوس بمركز مغاغة ثم وصلت البهنسا بمركز بنى مزار، فى مكان يعرف ببيت يسوع، ومكانه الآن قرية صندفا، وأقاموا فيها أربعة أيام ثم عبروا النيل إلى الشاطئ الشرقى ووصلوا إلى جبل الطير شمال سمالوط، ويقال إن صخرة كبيرة كادت تسقط عليهم فمد المسيح يده ومنع الصخرة من السقوط وانطبع كفه عليها، وعرفت الكنيسة التى أقامتها الإمبراطورة هيلانة فى جبل الطير باسم العذراء مريم بكنيسة الكف ثم اتجهوا إلى الأشمونيين بمركز ملوى ثم إلى قرية فيليس «ديروط الشريف» على الضفة اليسرى للنيل ومنها اتجهوا إلى القوصية فلم يرحب بهم أهلها وطردوهم عندما رأوا معبودهم البقرة حتحور تسقط وتتحطم فهربت العائلة المقدسة إلى ميرة على بعد ٨ كم شرقى نزالى جنوبًا ومنها إلى جبل قسقام حيث يقوم الآن دير السيدة العذراء، الشهير بـ«المحرق» ٤٨ كم شمال أسيوط، وهذه آخر بقعة فى صعيد مصر بلغتها العائلة المقدسة وأقامت فيها ستة أشهر وعشرة أيام ومنها بدأت رحلة العودة إلى فلسطين، وقد ركبت العائلة المقدسة المركب من جبل أسيوط المعروف بجبل درنكة حتى بابليون ثم مسطرد وبلبيس واتجهت إلى الفرما ثم العريش ورفح، وقد اختلف المؤرخون فى تقدير المدة التى أقامتها العائلة المقدسة فى مصر ما بين ثلاث سنوات ونصف وأربع سنوات.
الفتح الإسلامي
استأذن عمرو بن العاص الخليفة عمر بن الخطاب فى فتح مصر وقاد أربعة آلاف من جند المسلمين حتى بلغوا رفح ثم واصلوا سيرهم حتى حصون العريش، وبعد عبورها أمر جنوده بالراحة، وأعلنهم بأن اليوم التالى هو عيد الأضحى لسنة ١٨ هجريًا، وأن «المساء عيد» فعرفت هذه المنطقة بـ «المساعيد» ثم اتجه إلى الغرب على طريق حورس الحربى حتى بلغ الفرما وحاصرها شهرًا حتى سقطت ثم عبر منطقة السبخة إلى مدينة مجدول القديمة ومنها إلى القنطرة واتجه إلى الصالحية، ومنها تحرك جنوبا وعبر وادى الطميلات بالقرب من التل الكبير إلى بلبيس ودار بها قتال عنيف خسر الروم أكثر من ألف قتيل وثلاثة آلاف أسير.
كانت بلبيس مدخل العرب إلى مصر عند الفتح الإسلامى وأقام عمرو بن العاص فيها واتخذ منطقة فيها تسمى «الكتيبة» وأثناء سيره كان كل من يتوفى من الصحابة والتابعين يتم دفنه وتم دفن الشهداء فى مسجد سادات قريش «ببلبيس»، وهو أقدم مسجد بمصر وإفريقيا، ويقال إنه أول مسجد فى الإسلام فى مصر، وقد أطلق عليه هذا الاسم تكريما لشهداء المسلمين من صحابة الرسول، صلى الله عليه وسلم، فى معركتهم ضد الرومان عند فتحهم مصر وبنى المسجد عام ١٠٠٢ هـ. وكذلك مسجد أمير الجيش بشارع سعد زغلول.
المسجد الكبير «الشيخ المنسى» بالقيسرية. مسجد المقرقع بالقيسارية، بلبيس سميت على اسم الملكة بيسة التى كانت تحكم مصر فى الفترة التى استقبلت فيها المدينة عمرو بن العاص فى أول زيارة له مصر قبل دخوله الفسطاط.
ثم واصلت قوات عمرو سيرها حتى وصلت هليوبوليس «عين شمس» التى اتخذها مقرًا لقواته ثم تحرك إلى أم دنين وموقعها حديقة الأزبكية حاليا فتحصن الرومان بحصن بابليون «قصر الشمع حاليًا بمصر القديمة» وعندما طال الحصار قام عمرو بفتح الفيوم ثم البهنسا ثم عاد بجيشه إلى عين شمس والتقى بقوات الرومان فى موقعة فاصلة فى نفس موقع حى العباسية الآن وعقب ذلك سقط حصن بابليون وتحرك عمرو بقواته إلى نقبوس ( وردان حاليا بإمبابة، وأقام بها بضعة أيام ثم عبر النيل إلى الغرب وأمر صاحبه شريك أن يطارد الروم فاشتبك معهم فى موقع يعرف الآن بـ«كوم شريك» بالبحيرة وواصل ابن العاص سيره حتى بلغ الدلنجات ومنها سار شمالا فى اتجاه دمنهور ومنها إلى سلطيس ثم تحرك إلى الكريون جنوب الإسكندرية، التى تم حصارها ثم الصلح وجلاء الروم وقام العرب بفتح مدن الدلتا مثل فوه وسخا وسمنود ومنوف.
ثم طريق مرور السيدة زينب والسيدة فاطمة والسيدة سكينة ابنتى الإمام الحسين بقرية العباسة مركز أبو حماد مرورًا ببلبيس.
المحمل والحج القديم
ظهر طريق الحج بعد انتشار الإسلام فى مصر وظل مستخدما حتى تطورت وسائل المواصلات وعقب قيام السلطان الظاهر بيبرس سنة ٦٥٨ هـ بكسوة الكعبة أصبح الطريق يعرف بطريق المحمل والحج، وظل كذلك حتى ١٩٢٦ وكان يبدأ المحمل التحرك من ميدان القلعة تتقدمه أشاير الصوفية ثم الجنود وجمل المحمل، ويستمر الموكب سائرا إلى المحجر فالدرب الأحمر ويمر من بوابة المؤيد فـ«الغورية» ثم النحاسين فباب النصر ثم العباسية ومنها إلى عجرود غرب السويس وتغادر قافلة الحج السويس عبر وادى الحاج ثم تعبر ممر متلا إلى صدر الحيطان ثم تعبر صحراء التيه حتى نخل ثم رأس أبو طليحات ومنها إلى بئر أبو محمد ومنها إلى الثمد ثم رأس النقب حتى قرية أم الرشراش على خليج العقبة ثم تدخل الأراضى الحجازية
سبيل حورس الحربي
هذا الطريق موجود منذ الفراعنة وقد سموه بحورس، أى الصقر، آلة الحرب والقوة وقد شهد جميع غزوات الفراعنة لفتح بلاد الشام كما كان طريق التجارة الرئيسى بين مصر ودول المشرق ومن هذا الطريق مر تحتمس الثالث لفتح الشام ورمسيس الثانى لمحاربة الحيثيين وأحمس وكذلك شهد قدوم إبراهيم الخليل وسيدنا يوسف ويعقوب عليهم السلام كما شهد هذا الطريق حملات الملك الفارسى قمبيز على مصر وفتوحات الإسكندر الأكبر وحملات الرومان والإغريق كما سلكه نابليون فى طريقه لفتح الشام ويبدأ طريق حورس من رفح إلى الشيخ زويد ثم الخروبة حتى العريش ثم المساعيد بالقرب من البحر ثم يمر جنوب بحيرة البردويل إلى مزار ثم مصفق وبير العبد حتى قاطية ومنها إلى رمانة ثم بالوظة وينحرف نحو الجنوب الغربى ويصل إلى جلبانة ثم القنطرة حتى الصالحية ثم يستمر بعد ذلك إلى داخل مصر حتى القاهرة.