لكن أبو زيد إذ يتألق في كتابه الجميل «الخطاب والتأويل» يأبى التهادن حتى مع بعض المجددين الذين وتحت وطأة الهجوم الرجعى عليهم وخوفا من اتهامهم بالكفر ومن مصير كمصيره هو، فيلجئون إلى إمساك العصى من منتصفها ولا يفلت من نقده أحد من المجددين المصريين في بدايات القرن الماضى وحتى منتصفه فأحمد لطفى السيد ومحمد حسين هيكل وأحمد أمين وطه حسين والعقاد جميعا لم يصمدوا في ساحة التجديد الفعلى والثورى، وتراجعوا خطوة إلى الوراء ليحموا أنفسهم من اتهام الرجعيين، وعلى رأسهم الشيخ رشيد رضا وبدءوا يتحدثون بلهجة فيها قدر من استعاطف الرجعيين.
ونقرأ «ومشكلة هذا التيار الوسطى التوفيقى إنه ينتهى إلى التلفيق، بانتقاء عناصر فكرية مأخوذة من أنظمة فكرية مختلفة بل ومتعارضة احيانا، ليصنع منها على تفاوتها بناء واحدا يصلح للحاضر، ولأن معيار «الانتقاء» هو معيار «المنفعة» بالمعنى الايديولوجى وليس المعرفى، تصبح الفكرة صائبة لأنها نافعة وليس العكس، بينما المطلوب أن تكون نافعة فقط لأنها صحيحة.
إن اعتماد المنفعة معيارا للحكم بالصحة على الأفكار من شأنه أن يحول مجال الفكر إلى نوع من «السوق» الفكرية. وفى مثل هذه السوق التي تروج سلعة «التوفيق» و»التلفيق» لا يكسب في النهاية إلا اصحاب شعار «الإسلام هو الحل»، فهل يمكن في شروط هذه السوق الفكرية حيث الفكرة تصبح صحيحة فقط لأنها نافعة لمن يرددها إلا أن يكسب أصحاب الشعار المخادع، لأنهم ببساطة ينتجون أو بالأحرى يعيدون إنتاج السلعة التراثية الرائجة في السوق التقليدى « (ص١٨٥).
ويمضى أبو زيد ليس فقط ليؤكد تجديديته وإنما ليؤكد أيضا ثوريته فيقول أن تيار «الإسلام هو الحل» ينطلق من مفهوم يعتبر الحاضر نقطة تراجع واضمحلال ويرى أن حالة الكمال موجودة في الماضى الذي يجب أن يعاد بناء الحاضر على مثاله، فإذا أعيد بناء الحاضر على مثال الماضى صار المستقبل مضمونا، أما التيار التوفيقى فمشكلته أنه في ادراكه النظرى يرى أن الحاضر نقطة التقاء الماضى بالمستقبل، وانه نقطة تفاعل لأفكار لا سكون فيها ولا تكرار؟ (ص١٨٦).
ويمضى أبو زيد متحدثا عن رؤيته للتراث فيقول «التراث لا ينطق، بل تتكلم به الايديولوجيا، أما كيف يمكن للتراث أن يتكلم؟ وكيف لنا أن ننصت له فنحسن الانصات، فالسبيل إلى ذلك يتطلب تغيير الشروط العلمية المعرفية وتحريرها. وبدون تغيير هذه الشروط فمن المستحيل أن يصبح التراث مجالا للدرس العلمى النقدي». ثم يقول «وليس معنى إنجاز هذا المطلب العلمى كشف القناع نهائيا عن مكنون التراث إذ يظل البحث أفقا مفتوحا مع كل أثر جديد يظهر، أو نص مخطوط ينشر» هذا فضلا عن التطور المعرفى الذي لا يتوقف لأدوات ومناهج البحث، ومع ذلك كله يظل سؤال التراث مفتوحا، لأن سؤال الحاضر وكذلك اسئلة المستقبل تعيد صياغة اسئلة الماضى، فلا شيء مغلق إلا عقول البعض منا» (ص١٨٦).
لكننى لا استطيع أن أغادر نصر حامد أبو زيد وكتابه الرائع «الخطاب والتأيول» دون أن اقرأ مع القارئ عبارات سجلها على غلاف الكتاب فاستمع معى عزيزى القارئ «في ظل احتدام الصراعات تحاول معظم الخطابات أن تستخدم ضد بعضها البعض أشد أسلحة الاستبعاد والإقصاء، ويسعى كل خطاب لأن يتحول إلى سلطة. وكلما اقترب الخطاب من سدة السلطة السياسية إزدادت شهية القمع والتدمير عند ممثليه رغم الفارق بين خطاب يمارس سلطة مستمدة من مصدر خارجى وآخر يستمدها من آليات الاقناع والحفز المعرفى، وللسلطة تجليات وأشكال شتى فإضافة إلى السلطة السياسية هناك سلطة العقل الجمعى، وسلطة الواعظ وهما سلطتان تساند احداهما الأخرى وتشملها بالحماية، فإذا استطاع نمط من انماط الخطاب أن يستخدم هاتين السلطتين ويوظفهما لترويج أفكاره فإنه يكون مؤهلا لا لتهميش نقيضه فقط بل يكون قادرا على تحدى السلطة السياسية التي غالبا ما تسعى للتحالف معه.
وتستعير الخطابات أدوات بعضها البعض وتسمح لنفسها احيانا باستعارة مقولات الخطاب الخصم وتعيد تأويلها وتوظيفها، يحدث ذلك مهما تباعدت منطلقاتها الفكرية وتناقضت آلياتها التعبيرية والأسلوبية».
ومهما أفضنا في الحديث عن نصر أبو حامد زيد وكتبه عديدة وكتاباته متقنة ومفعمة بالحقيقة التي اقتادته إلى التصادم مع الكثيرين ملتزما التزاما حاسما بأن رؤية التجديد في الفكر الدينى لن تصمد طويلا إلا رذا حصنت نفسها منذ البداية بالتثوير فبدون فكر ثورى لا يمكن للمجدد أن يصمد في خندق التجديد.
ويرحل نصر أبو زيد مبكرا تاركا فكرا يحتاج إلى مزيد من الدراسة ومن الاقتداء به.. وفكرا تجديديا ثوريا دفع ثمنه غاليا وهو ثمن لا يستطيع أن يدفعه إلا من يحتمل ما احتمل نصر أبو زيد.
ونقرأ «ومشكلة هذا التيار الوسطى التوفيقى إنه ينتهى إلى التلفيق، بانتقاء عناصر فكرية مأخوذة من أنظمة فكرية مختلفة بل ومتعارضة احيانا، ليصنع منها على تفاوتها بناء واحدا يصلح للحاضر، ولأن معيار «الانتقاء» هو معيار «المنفعة» بالمعنى الايديولوجى وليس المعرفى، تصبح الفكرة صائبة لأنها نافعة وليس العكس، بينما المطلوب أن تكون نافعة فقط لأنها صحيحة.
إن اعتماد المنفعة معيارا للحكم بالصحة على الأفكار من شأنه أن يحول مجال الفكر إلى نوع من «السوق» الفكرية. وفى مثل هذه السوق التي تروج سلعة «التوفيق» و»التلفيق» لا يكسب في النهاية إلا اصحاب شعار «الإسلام هو الحل»، فهل يمكن في شروط هذه السوق الفكرية حيث الفكرة تصبح صحيحة فقط لأنها نافعة لمن يرددها إلا أن يكسب أصحاب الشعار المخادع، لأنهم ببساطة ينتجون أو بالأحرى يعيدون إنتاج السلعة التراثية الرائجة في السوق التقليدى « (ص١٨٥).
ويمضى أبو زيد ليس فقط ليؤكد تجديديته وإنما ليؤكد أيضا ثوريته فيقول أن تيار «الإسلام هو الحل» ينطلق من مفهوم يعتبر الحاضر نقطة تراجع واضمحلال ويرى أن حالة الكمال موجودة في الماضى الذي يجب أن يعاد بناء الحاضر على مثاله، فإذا أعيد بناء الحاضر على مثال الماضى صار المستقبل مضمونا، أما التيار التوفيقى فمشكلته أنه في ادراكه النظرى يرى أن الحاضر نقطة التقاء الماضى بالمستقبل، وانه نقطة تفاعل لأفكار لا سكون فيها ولا تكرار؟ (ص١٨٦).
ويمضى أبو زيد متحدثا عن رؤيته للتراث فيقول «التراث لا ينطق، بل تتكلم به الايديولوجيا، أما كيف يمكن للتراث أن يتكلم؟ وكيف لنا أن ننصت له فنحسن الانصات، فالسبيل إلى ذلك يتطلب تغيير الشروط العلمية المعرفية وتحريرها. وبدون تغيير هذه الشروط فمن المستحيل أن يصبح التراث مجالا للدرس العلمى النقدي». ثم يقول «وليس معنى إنجاز هذا المطلب العلمى كشف القناع نهائيا عن مكنون التراث إذ يظل البحث أفقا مفتوحا مع كل أثر جديد يظهر، أو نص مخطوط ينشر» هذا فضلا عن التطور المعرفى الذي لا يتوقف لأدوات ومناهج البحث، ومع ذلك كله يظل سؤال التراث مفتوحا، لأن سؤال الحاضر وكذلك اسئلة المستقبل تعيد صياغة اسئلة الماضى، فلا شيء مغلق إلا عقول البعض منا» (ص١٨٦).
لكننى لا استطيع أن أغادر نصر حامد أبو زيد وكتابه الرائع «الخطاب والتأيول» دون أن اقرأ مع القارئ عبارات سجلها على غلاف الكتاب فاستمع معى عزيزى القارئ «في ظل احتدام الصراعات تحاول معظم الخطابات أن تستخدم ضد بعضها البعض أشد أسلحة الاستبعاد والإقصاء، ويسعى كل خطاب لأن يتحول إلى سلطة. وكلما اقترب الخطاب من سدة السلطة السياسية إزدادت شهية القمع والتدمير عند ممثليه رغم الفارق بين خطاب يمارس سلطة مستمدة من مصدر خارجى وآخر يستمدها من آليات الاقناع والحفز المعرفى، وللسلطة تجليات وأشكال شتى فإضافة إلى السلطة السياسية هناك سلطة العقل الجمعى، وسلطة الواعظ وهما سلطتان تساند احداهما الأخرى وتشملها بالحماية، فإذا استطاع نمط من انماط الخطاب أن يستخدم هاتين السلطتين ويوظفهما لترويج أفكاره فإنه يكون مؤهلا لا لتهميش نقيضه فقط بل يكون قادرا على تحدى السلطة السياسية التي غالبا ما تسعى للتحالف معه.
وتستعير الخطابات أدوات بعضها البعض وتسمح لنفسها احيانا باستعارة مقولات الخطاب الخصم وتعيد تأويلها وتوظيفها، يحدث ذلك مهما تباعدت منطلقاتها الفكرية وتناقضت آلياتها التعبيرية والأسلوبية».
ومهما أفضنا في الحديث عن نصر أبو حامد زيد وكتبه عديدة وكتاباته متقنة ومفعمة بالحقيقة التي اقتادته إلى التصادم مع الكثيرين ملتزما التزاما حاسما بأن رؤية التجديد في الفكر الدينى لن تصمد طويلا إلا رذا حصنت نفسها منذ البداية بالتثوير فبدون فكر ثورى لا يمكن للمجدد أن يصمد في خندق التجديد.
ويرحل نصر أبو زيد مبكرا تاركا فكرا يحتاج إلى مزيد من الدراسة ومن الاقتداء به.. وفكرا تجديديا ثوريا دفع ثمنه غاليا وهو ثمن لا يستطيع أن يدفعه إلا من يحتمل ما احتمل نصر أبو زيد.