السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

حروب القبائل البدائية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا تخدع نفسك وتظن أنك تعيش في وطن حديث تحكمه قواعد سيادة القانون التي لا تميز بين كبير وصغير ولا بين وزير وغفير! إننا نعيش في الواقع في مجتمع بدائى تسوده القبائل القديمة والقبائل الحديثة على السواء!
القبائل القديمة راسخة جذورها في الصعيد كما رأينا في الحروب الأهلية التي دارت بين قبلتين في أسوان استدعت تدخل الشرطة من جانب واستدعاء أحكام القانون العرفى من جانب آخر الذي يعمل في عديد من مناطق الصعيد والأقاليم الصحراوية بصورة أكثر فاعلية من القانون الوضعى!
وهل غاب عنك ظواهر القتل للثأر، وكيف تنتهى عرفيا بأهل الجانى الذين يتقدمون بكفنه ويقدمونه لأهل المجنى عليه في حفل اجتماعى برعاية الشرطة؟
كل هذه أصبحت صورا معتادة للتعامل «القبلى» بين بعض طوائف شعبنا الكريم.
ولكن أخطر من القبائل القديمة التي تعودنا على سلوكها البدائى هي «القبائل الحديثة» التي يرتدى أقطابها البدل الوجيهة ويتحدثون بأناقة في الصالونات وعلى شاشات التليفزيون، مع أنهم في أعماقهم جاهليون حتى النخاع وبدائيون حتى القاع!
انظر حماك الله- إلى الصراع الدموى الذي دار بين قبيلة المحامين وليس «نقابة المحامين» و«قبيلة الشرطة»، وكيف قامت القيامة لأن ضابطا ما صغير الرتبة أو كبيرها اعتدى على محام ما صغيرا كان أو كبيرا، واشتد احتداد المعركة الكلامية حتى تحول إلى واقعة ضرب بالحذاء (كما نشر) من قبل الضابط إزاء المحامى وهكذا بدأت المعركة. اجتمعت قبيلة المحامين بقيادة نقيب المحامين وأعلنت الحرب على «قبيلة الشرطة» دفاعا عن شرفها الذي مسه الأذى وقررت إعلان الإضراب العام عن العمل وعدم الترافع في قضايا المواطنين «الغلابة» حتى يعتذر زعيم قبيلة الشرطة بنفسه لقبيلة المحامين!
وتصاعدت المعركة لأن بعض المحامين العقلاء لم يرحبوا بإعلان الإضراب، وأرادوا مواصلة عملهم (سواء لتقديرهم لعبثية الإضراب أو لزوم أكل العيش) غير زعماء قبيلة المحامين هددوهم بتحويلهم إلى التأديب لمحاكمتهم لخروجهم عن «إجماع» قرار القبيلة.
مع أن تصرف من رفضوا الإضراب قد يكون أعقل من تصرف من نادوا به!
حادثة تافهة تحدث كل يوم بين أطراف شتى، لم تكن تستحق سوى شكوى قانونية يتقدم بها المحامى المجنى عليه ضد الجانى ليأخذ حقه بالقانون. بالقانون وليس باستنفار كل قبيلة المحامين للإضراب.
ومن ناحية أخرى كان من المفروض أن يصرح وزير الداخلية باعتباره زعيم قبيلة الشرطة بأن الضابط المعتدى سيحول للمحاكمة لو ثبتت عليه الواقعة ليعاقب وفق قواعد القانون، وليس بسبب ثارات القبائل!
وجدير بالذكر أنه سبق لقبيلة المحامين أن أعلنت الحرب على القضاة لأن قاضيا ما تعامل بخشونة مع محام ما! وهكذا أعلنت الحرب ووقف المحامون أمام قاعات المحاكم لمنع انعقاد الجلسات!
أهذا تصرف مسئول من قبيلة المحامين الذين سبق لهم دراسة القانون ويعرفون جيدا أن الوقائع الفردية تحدث في كل مكان، وما دام أنها ليست ظواهر عامة أو اتجاهات مسبقة فلا يجوز تحويل الفردى إلى ظاهرة!
ولو أردنا أن نخرج من إطار مجتمعنا البدائى شبه الحداثى ونظرنا نظرة مقارنة للدول الأخرى فإننا لا نستطيع أن نجد أي ظواهر مشابهة لما يحدث في مصر المحروسة!
ومن المؤكد أن مشاحنات قد تدور بين ضابط شرطة ومحام في إنجلترا أو فرنسا (مع أن هذا نادر الحدوث) لأن الفصل بين المؤسسات قائم ومحترم، ولكن حتى لو حدث لا يمكن لنقابة الشرطة في فرنسا (ولديهم نقابة للدفاع عن حقوقهم)، أن تقرر وقف العمل بأقسام الشرطة لأن محاميا اعتدى على ضابط ما! ولو حدث ذلك فإنه سيسجل في سجل العجائب. وقد اضطر الرئيس «السيسى» بتهذيبه الجم وبحكمته السياسية أن يعتذر لقبيلة المحامين درءًا للفتنة ونيابة عن نقابة الشرطة.
لم نكن في حاجة لإقحام رئيس الجمهورية في هذه المنازعات القبلية البدائية.
نحن في حاجة إلى وضع الحدود الفاصلة بين المؤسسات، مع مراعاة احترام العاملين فيها من قبل الجميع.
لدينا في مصر القضاة بكل تاريخهم المشرف الشامخ الذين اعتدنا كقانونيين- أن نلقبهم بالقضاء الجالس ولدينا المحامون الذين اعتدنا تلقيبهم بالقضاء الواقف تشريفا لدورهم الأساسى في القضايا بكل أنواعها. ولدينا أيضا ضباط الشرطة الأشراف الأبطال الذين يضحون بحياتهم كل يوم وهم يصدون عن الشعب كله هجمات الإرهاب الإجرامى.
في ضوء هذا كله ينبغى أن تدار الدولة بالفصل بين السلطات، وتطبيق دقيق للقانون، وينبغى أن يدار المجتمع بصورة حداثية تتعدى نعرات القبائل وتتعامل بصورة ديمقراطية سمحة وتعترف بتقاليد النقد الذاتى وتقبل بالنقد الاجتماعى المسئول في نفس الوقت.
النسخة الورقية