السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

القراءة المشوهة للتاريخ المصري!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

هناك قراءة صحيحة للتاريخ بشكل عام وللتاريخ المصري بشكل خاص، تتوافر شروطها حين تعتمد على الوقائع الموثقة، وتستند إلى منهج علمي يسعى إلى تحقيق الموضوعية في تناول الظواهر التاريخية المختلفة.
أذكر ذلك بمناسبة مقالة نشرها مؤخرا أحد الكتاب الكبار من أنصار جماعة الإخوان المسلمين، حين عقد مقارنة ملفتة للنظر بين “,”جمال عبد الناصر“,” والفريق أول “,”عبد الفتاح السيسي“,”.
والذى دفعه إلى هذه المقارنة أن جماهير الشعب الغفيرة التي خرجت بالملايين في 30 يونيو استجابة للمبادرة الخلاقة لحركة “,”تمرد“,”، والتي كانت إعلانا جهيرا عن الرغبة في إسقاط حكم الإخوان المسلمين الاستبدادي، لقيت استجابة مباشرة من القوات المسلحة بقيادة “,”السيسي“,” الذي اتخذ قرارات حاسمة، بدأت بإعطاء مهلة أسبوع للرئيس “,”محمد مرسي“,” ثم مهلة لمدة 48 ساعة، وذلك للوصول إلى توافق سياسي مع أحزاب المعارضة، ولما لم يستجب صدر قرار بعزله، ثم أعلن “,”السيسي“,” خارطة طريق بحضور ممثلي طوائف الشعب المختلفة.
منذ هذه اللحظة استدعت الجماهير بحكم حيوية ذاكرتها التاريخية اسم وصورة الرئيس “,”جمال عبد الناصر“,”، باعتبار “,”السيسي“,” أقرب ما يكون إلى نموذجه الوطني والسياسي الرفيع.
غير أن الكاتب الكبير لم يرقه هذا التشبيه، وأراد أن يشوه التاريخ عامدا متعمدا بناء على قراءة متحيزة للواقع المصري الآن، لكي يبرئ جماعة الإخوان المسلمين من كل خطاياها السياسية، ومن الجرائم التي ارتكبتها في حق المجتمع المصري، زاعمًا أن ما حدث كان مجرد انقلاب عسكري وليس ثورة شعبية.
غير أنه استطرادًا لمنهجه المتحيز قرر بكل بساطة.. نعم هناك تشابه واضح بين “,”عبد الناصر“,” و“,”السيسي“,”، يبدو في أن كلا منهما وبطريقته عطل الديمقراطية وعادى الإخوان المسلمين!
ومعنى ذلك أنه قرأ تاريخ ثورة 23 يوليو 1952 قراءة بالغة التحيز؛ لأنه اختزلها بغير سند فيما سماه تعطيل الديمقراطية!
ومعنى ذلك أن ثورة يوليو التي أعادت صياغة كل أنساق المجتمع المصري في ظل مشروعها الجسور لتحقيق العدالة الاجتماعية لطبقات الشعب الغفيرة والمتوسطة، وإنجاز خطط طموحة للتنمية القومية، والحفاظ على الاستقلال الوطني، وتزعم حركة القومية العربية، ومساعدة الدول الإفريقية على التحرر من الاستعمار، وكان دور “,”عبد الناصر“,” حاسما في استقلال الجزائر، وكان من زعماء حركة الحياد الإيجابي، مما جعل مصر رائدة بين الأمم، كل ذلك تم اختصاره في عبارة خادعة هي تعطيل الديمقراطية! مع أن هناك إجماعًا من المؤرخين المصريين على أن الأحزاب السياسية في العصر الملكي فشلت فشلاً ذريعًا في حل “,”المشكلة الوطنية“,” التي تتمثل في إجلاء الإنجليز، و“,”المشكلة الاجتماعية“,” والتي تركز على سد الفجوة الطبقية بين الأغنياء والفقراء.
وحين يتهم “,”السيسي“,” بأنه يشارك “,”عبد الناصر“,” في تعطيل الديمقراطية فإن في ذلك تجاهلاً غريبًا للوقائع؛ لأن الرئيس المعزول “,”محمد مرسي“,” هو الذي عطل المسار الديمقراطي، وخصوصًا بعد إعلانه الدستوري الذي نصب فيه نفسه ديكتاتورًا مطلق السراح.
ومن هنا يمكن القول أن “,”محمد مرسي“,” هو الذي أسقط الشرعية؛ لأنه منذ هذا الإعلان سقط سياسيا، ولم تكن ثورة يونيو إلا تعبيرا عن الإرادة الشعبية في ضرورة الخلاص من الاستبداد الإخواني.
وهكذا من خلال هذه الحالة النموذجية من تشويه التاريخ والتحيز المتعمد في قراءة الواقع يظهر لنا أن الهوى والغرض إن تملك من عقل الإنسان ووجدانه فإنه يدفع به في الواقع إلى إنكار الحقائق الماثلة أمام أعين الناس جميعا، وأهمها أن جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية منذ نشأتها الأولى بجهازها السري الشهير، وأنها عادت لممارسة الإرهاب من جديد ليس ضد الدولة ولكن- وهذا من غرائب الأشياء- ضد الشعب المصري نفسه!