الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

"بورشينكو" و"سورس" وعام على المأساة!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يمر هذه الأيام عام على تولى الرئيس "بورشينكو" حُكم أوكرانيا، بعد أن أطاح انقلاب، من يسمون ثوار الميدان، الرئيس السابق "يانكوفيتش" في فبراير ٢٠١٤، الأمر الذي تبعته مجموعة هائلة من التطورات، منها استعادة روسيا لشبه جزيرة القرم، وإجراء استفتاء صحيح "لا يعترف به الغرب"، لحق تقرير المصير هناك، فضلًا عن استقلال جمهوريتى دونتسك ولوجانسك الشعبيتين من جانب واحد في الدونباس، وبدء مجموعة احتكاكات عسكرية من جانب "كييف" ضد قوات المقاومة الثورية الشعبية في الجمهوريتين.
ببساطة وأنا سأبدأ بالجانب الشخصى للملف - فإن "بورشينكو" الذي كان يُعرف بـ"ملك الشوكولاه"، وهو صاحب مصنع روزينا للحلوى، ولم يكن سياسيًا برلمانيًا له وزن يذكر، هو عميل أمريكى قولًا واحدًا، وقد جاءوا به ليخدم أغراضهم في مناوئة روسيا، وضم أوكرانيا إلى ست جمهوريات سوفيتية سابقة إلى اتفاقات مع الاتحاد الأوروبي، ورغم أن موسكو حاولت استمالة أوكرانيا الجديدة إلى اتفاقيات تجارية حرة، ودعم مباشر بلغ ١٥ مليار دولار، فإن "بوروشينكو" أدار ظهره لذلك كله، وراح يُنفذ تعليمات الغرب، الأمر الذي أثار حفيظة روسيا التي كانت أعلنت - مرارًا وتكرارًا - أن لديها ثلاثة خطوط حمراء لا تسمح لحلف الناتو بالاقتراب منها، وهى جورجيا وبيلاروسيا وأوكرانيا، وقد سبق لو تذكرون - أنها حركت "صواريخ إسكندر" عند تدخل الغرب في جورجيا.
وبالمناسبة فإن "بوروشينكو" قام - مؤخرًا - بتعيين "سكاشفيللى"، الرئيس الجورجى السابق محافظًا لأوديسا في أوكرانيا، وهو ما أثار هياج المعارضة، التي قال بعض رموزها ونجومها إنهم لن يستغربوا إذا قام الرئيس الأوكرانى بتعيين "سكاشفيللى" رئيسًا لأوكرانيا ذاتها !
ولكن المثير في ذلك الأمر هو ما يعرفه الجميع عن "سكاشفيللى"، الذي لطالما وُصف بأنه فتى المخابرات الأمريكية المدلل!
"بورشينكو" انكشف تمامًا طوال العام الفائت كعميل للأمريكان والغرب، ولكن محاولته الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي باءت بفشل كبير، إذ قال "دونالد توسك"، رئيس مجلس أوروبا، مؤخرًا: "إنه يريد الانضمام إلى أوروبا.. حسنًا من حق كل إنسان أن يحلم)!.
وقد بدأ حماس الغرب رغم استمرار تصعيده العقوبات على روسيا - يفتر لنظام بورشينكو الذين استخدموه لتحقيق أغراض معينة، فلمَا استتب لهم الأمر تعاملوا معه - كالعادة في معاملة العملاء - بوصفه عبئًا عليهم، لا بل ورأوا أنه لا يطبق اتفاقية "مينسك"، التي صيغت في أغسطس المنقضى بين روسيا وبيلاروسيا وأوكرانيا والاتحاد الأوروبي، ومنظمة الأمن والتعاون الأوروبي، وبقية دول مجموعة النورماندى، "ألمانيا - فرنسا - بولندا"، ومن ذلك رفض التفاوض مع جمهوريتى الدونباس المعلنتين من جانب واحد، وكذلك التمنع عن إجراء انتخابات محلية أو إصلاحات دستورية نصت عليها الاتفاقية، وبالتالى فإن ذلك أعطى فرصة لروسيا أن تقوم بتنظيم ضغوطها على الولايات المتحدة، حيث قال بوتين - مؤخرًا قبيل بدئه زيارة إيطاليا - إن الولايات المتحدة فقط هي التي تستطيع حمل أوكرانيا على تنفيذ ما ورد في اتفاقية "مينسك"، التي تخرقها أوكرانيا كل يوم.
ويبدو أن هناك جناحين في أمريكا يتعاملان مع المسألة الأوكرانية بمنطقين مختلفين.. أولهما، هو الذي يرى أن سعى أوكرانيا المتواصل لزيادة قوتها العسكرية هو - في نهاية المطاف ضد اتفاقية "مينسك"، فنحن نعرف أن أوكرانيا زادت قواتها العسكرية من ١٣٥ ألفًا إلى ٢٣٠ ألف جندى، وربما تصل إلى ٢٥٠ ألف جندى، وهى كذلك حركت منظومات صواريخ "نوتنسكي- أو"، ناحية دولتى شرق أوكرانيا المستقلتين من طرف واحد، وهناك في الولايات المتحدة من يرى أن تصعيد العداء مع روسيا ليس مطلوبًا لما هو أبعد من النقطة التي وصل لها، في حين أن نائب الرئيس جو بايدن - مثلا - يؤيد منح أسلحة فتاكة إلى أوكرانيا.
ولكن اللافت - بالنسبة لي - هو ظهور اسم الملياردير المجرى اليهودى الأمريكى، "جورج سورس"، على الخط في ذلك الملف، وهو الرجل الذي لعب أدوارًا قذرة جدًا في إثارة ما يسمى بالثورات الملونة في أوروبا الشرقية، كما لعب ذات الأدوار - وربما أكثر - فيما يسمى ثورات الربيع العربى في منطقة الشرق الأوسط.
وطبعًا لست في حاجة - هنا - للتذكير بتلك العلاقة الوطيدة التي تربط "سورس" بالمخابرات المركزية الأمريكية، والتي ذاع وشاع أمرها في الأفق، وعلى نحو يرسم خلفية مروعة لمجهوداته وتدخلاته في الصياغات الجديدة لدول أوروبا الشرقية، وبلدان الشرق الأوسط.
سورس - الآن - يطالب وبإلحاح، بتعظيم قوة الجيش الأوكرانى، ويؤكد ضرورة تلقى الجنود الأوكرانيين تدريبات على يد حلف الناتو، وخارج بلادهم، كما يحدث مع الجنود الرومانيين.
وبالتالى يتفق "جورج سورس" مع "جو بايدن" وجناحه في الإدارة، على حين تراخت قبضة أوروبا في مواجهة موسكو، وبالذات حين راحت أوروبا تعانى من قوائم روسية، تحظر بعض الشخصيات ورجال الأعمال الأوروبيين، ردًا على العقوبات، وبعد أن شاع - كذلك - تحفيز روسيا لرجال الأعمال الروس في بريطانيا على الرحيل، مما أدى إلى نزوح ٢٤ مليار دولار خلال شهر مارس الماضى، وكذلك ٦٨ مليار دولار خلال الربع الأول من العام الذي تلا فرض العقوبات، وبوتين سحب البُساط تدريجيًا، فأدى إلى ليونة في موقف الرئيس الفرنسى، "فرانسوا هولاند"، وبالذات بعد التهديد باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بعد تعطيل صفقة الطرادين "مينسترال"، اللذين اشترتهما روسيا، وكذلك موقف المستشارة ميركل المؤيد من "شتولتنبرج"، الأمين العام للناتو، والذي يرى عدم التصعيد مع موسكو.
المأساة أن الحاكم الدمية "بورشينكو" سيواجه تعاظم مقاومة ذات طابع قومى في بلاده، ربما كان إحدى تجلياتها هو ظهور جماعة "كيبربيركوت"، بعد أن حلت الشرطة الخاصة الأوكرانية المعروفة باسم "بيركوت"، في أعقاب انقلاب ثوار الميدان في فبراير ٢٠١٤، وجماعة "كيبربيركوت" وهي مجموعة قراصنة نت، تستهدف أوكرانيا للحفاظ على استقلالها في مواجهة الغرب، ومواجهة حكومة الفاشيين.
يبدو أن طبيعة حكم "بوروشينكو" انكشفت بأسرع من توقعاتنا.