لا يمكن أن أقتنع بحكاية البطالة في مصر إلا في سياق تأكيد الفهلوة والاستسهال، بل الاستهبال في كثير من الأحيان، فالجرثومة التي سكنت في الجسد المصرى مع بداية الانفتاح «سداح مداح» في سبعينيات القرن الماضى ترسخت وصار كسب الجنيه من الهواء هو القاعدة، أما شعار العمل حق.. العمل شرف.. العمل واجب فقد تراجع حتى كاد أن يختفى تاركًا لنا من أثر غيابه جيوش البلطجية والفوريجية وخاطفى الكحل من العين.
أعرف أن المجتهد موجود بالطبع في مجتمعنا يعمل وهو صامت ويعانى من القهر المزدوج، تارة بيد الحكومة التي لم تصل بعد لمعيار المكافأة على قدر العمل وتارة أخرى بيد هؤلاء الذين استراحوا وسكنوا على النواصى كتجار صغار للمخدرات أو قاطعى طرق أو سماسرة لكل ما يتعلق بالحياة اليومية للناس، علينا أن نعترف بأن بلادنا تواجه مشكلة مجتمعية حادة، نتجت من مدرسة الربح السريع بأقل مجهود والابتزاز المتواصل للدولة ورضوخ الدولة في كثير من الأحيان لتلك الظواهر.
أكتب هذا المقال وأنا الآن في جولة عمل بالصين، ومع كل خطوة على أرصفة بكين يتأكد لى أن أزمة المجتمعات ليست في ندرة مواردها الطبيعية وثرواتها ولا في زيادة عدد سكانها ولكن في سوء إدارة كفاءات الناس، وبعيدًا عن منطق القروى الذي بهرته أضواء المدينة أقول إن وقوف الناس طوابير في بكين انتظارًا لأتوبيس النقل العام دون مزاحمة أو مناكفة أو صراخ مجرد عنوان حضاري، وأتخيل لو حاولت مصر تطبيق فكرة ترتيب الدور سواء على شباك تذاكر المترو أو محطات الأتوبيسات لسمعنا من العاطلين بإرادتهم ما لا تطيقه الأذن من سُباب.
أعرف أن ما ذكرته من مثال هو مجرد قشرة على السطح وأن قراءة التجربة الصينية تحتاج الكثير قد أنجزه عقب عودتي، ولكن ما أود قوله هو أن افتقاد المعايير في مصر وصل بنا لقاعٍ سحيق نحتاج جهدًا كبيرًا لتجاوزه، نحتاج شجاعة القرار ووضوح الاعتراف، نحتاج القول إن معظم شبابنا المصرى حتى من اتجه منهم ليكون حرفيًا هو حرفى مفتقد الضمير، وإن الجميع يسعى للوظيفة الحكومية كبطالة مقنعة، نحتاج القول إن الدولاب الحكومى فاسد ويحتاج إلى هدم وإعادة بناء.
فهل من الممكن أن يتم ذلك الهدم والبناء وفق نظام الصدمات المؤلمة التي يتعافى بعدها الجسد المصري، أم سنواصل دفن رءوسنا في الرمال قائلين إننا نحتاج وقتًا للإصلاح؟! نعم نحتاج لأفكار من خارج الصندوق لمعالجة الترهل الإداري، كما نحتاج لتطبيق حاسم للقوانين التي تفرض العدالة فرضًا على الجميع، فالبلد الذي يفشل في التخلص من قمامته هو بلد في خطر، ليس من فعل تراكم القمامة فقط ولكن من دلالة الفشل في عنوان بسيط مثل القمامة، وسيظل ذلك الخطر قائمًا طالما الإرادة غائبة.
وفى مسألة الإرادة لا بد من الإشارة إلى فرق مهم بين أحلام وطموحات ومصداقية مؤسسة الرئاسة التي أراها الجهة الوحيدة المجتهدة في مصر، وبين سائر مؤسسات الدولة في كل ربوعها فتلك المؤسسات لا تعرف من الدولة إلا الحوافز والمكافآت واللجان والبدلات، أما معنى إرادة البناء الجاد لنلحق بركب الحضارة ولتتبوأ مصر مكانها الطبيعى في العالم فاعتقادى أنه غائب تمامًا عن ذلك الدولاب الحجرى.
أعرف أن المجتهد موجود بالطبع في مجتمعنا يعمل وهو صامت ويعانى من القهر المزدوج، تارة بيد الحكومة التي لم تصل بعد لمعيار المكافأة على قدر العمل وتارة أخرى بيد هؤلاء الذين استراحوا وسكنوا على النواصى كتجار صغار للمخدرات أو قاطعى طرق أو سماسرة لكل ما يتعلق بالحياة اليومية للناس، علينا أن نعترف بأن بلادنا تواجه مشكلة مجتمعية حادة، نتجت من مدرسة الربح السريع بأقل مجهود والابتزاز المتواصل للدولة ورضوخ الدولة في كثير من الأحيان لتلك الظواهر.
أكتب هذا المقال وأنا الآن في جولة عمل بالصين، ومع كل خطوة على أرصفة بكين يتأكد لى أن أزمة المجتمعات ليست في ندرة مواردها الطبيعية وثرواتها ولا في زيادة عدد سكانها ولكن في سوء إدارة كفاءات الناس، وبعيدًا عن منطق القروى الذي بهرته أضواء المدينة أقول إن وقوف الناس طوابير في بكين انتظارًا لأتوبيس النقل العام دون مزاحمة أو مناكفة أو صراخ مجرد عنوان حضاري، وأتخيل لو حاولت مصر تطبيق فكرة ترتيب الدور سواء على شباك تذاكر المترو أو محطات الأتوبيسات لسمعنا من العاطلين بإرادتهم ما لا تطيقه الأذن من سُباب.
أعرف أن ما ذكرته من مثال هو مجرد قشرة على السطح وأن قراءة التجربة الصينية تحتاج الكثير قد أنجزه عقب عودتي، ولكن ما أود قوله هو أن افتقاد المعايير في مصر وصل بنا لقاعٍ سحيق نحتاج جهدًا كبيرًا لتجاوزه، نحتاج شجاعة القرار ووضوح الاعتراف، نحتاج القول إن معظم شبابنا المصرى حتى من اتجه منهم ليكون حرفيًا هو حرفى مفتقد الضمير، وإن الجميع يسعى للوظيفة الحكومية كبطالة مقنعة، نحتاج القول إن الدولاب الحكومى فاسد ويحتاج إلى هدم وإعادة بناء.
فهل من الممكن أن يتم ذلك الهدم والبناء وفق نظام الصدمات المؤلمة التي يتعافى بعدها الجسد المصري، أم سنواصل دفن رءوسنا في الرمال قائلين إننا نحتاج وقتًا للإصلاح؟! نعم نحتاج لأفكار من خارج الصندوق لمعالجة الترهل الإداري، كما نحتاج لتطبيق حاسم للقوانين التي تفرض العدالة فرضًا على الجميع، فالبلد الذي يفشل في التخلص من قمامته هو بلد في خطر، ليس من فعل تراكم القمامة فقط ولكن من دلالة الفشل في عنوان بسيط مثل القمامة، وسيظل ذلك الخطر قائمًا طالما الإرادة غائبة.
وفى مسألة الإرادة لا بد من الإشارة إلى فرق مهم بين أحلام وطموحات ومصداقية مؤسسة الرئاسة التي أراها الجهة الوحيدة المجتهدة في مصر، وبين سائر مؤسسات الدولة في كل ربوعها فتلك المؤسسات لا تعرف من الدولة إلا الحوافز والمكافآت واللجان والبدلات، أما معنى إرادة البناء الجاد لنلحق بركب الحضارة ولتتبوأ مصر مكانها الطبيعى في العالم فاعتقادى أنه غائب تمامًا عن ذلك الدولاب الحجرى.