تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
يعد مارك ساجمان Marc Sageman الطبيب النفسي وعضو معهد بحوث السياسة الخارجية الأمريكي والذي عمل في صفوف المخابرات الأمريكية بأفغانستان في الفترة من 1987-1989 وأدلى بشهادة شهيرة بشأن أحداث 11 سبتمبر 2011 أمام لجنة الأمن القومي بمجلس الشيوخ الأمريكي، وهو من أهم من حاولوا تقديم دراسة رقمية إحصائية تكشف عن هويات أولئك الإرهابيين، لقد صدر لساجمان عام 2004 كتاب بعنوان “,”فهم شبكات الإرهاب“,” كما كتب عام 2006 فصلاً بعنوان “,”سيكلوجية إرهابيي القاعدة.. تطور الجهاد السلفي العالمي“,” ضمن كتاب مرجعي عن علم النفس العسكري والعيادي والتطبيقات العملية، وصدر له عام 2007 كتاب بعنوان “,”جهاد بلا قادة.. الشبكات الإرهابية في القرن 21“,”، ما جعل منه واحدًا من أهم المراجع العلمية في هذا المجال.
كتب ساجمان في مقدمة الفصل المشار إليه أنه بعد أن أولى ظهره للعمل بجهاز المخابرات المركزية الأمريكية عام 1989 وتفرغ لمهنته كطبيب نفسي في مجال الطب الشرعي، وظن أن علاقته بالإرهاب والإرهابيين قد انتهت؛ إذ به إثر أحداث 11 سبتمبر 2000 يحس أن عليه أن يفعل شيئًا ما، خاصة وأن ما كان يتردد على ألسنة العامة آنذاك لم يكن متسقًا مع ما خلص إليه من واقع خبراته الشخصية في المجال، وحين نظر ساجمان للبحوث المتوافرة في المجال فيما يتعلق بمرتكبي جريمة 11 سبتمبر، وجد نفسه حيال ركام هائل من النظريات والآراء والانطباعات الشخصية، ولكنه لم يجد تجميعًا منظمًا للبيانات الواقعية الخاصة بممارسي العمليات الإرهابية؛ ومن ثم فقد شرع في تجميع السير الذاتية لهم من مختلف المصادر وعلى رأسها ملفات المحاكمة التي انعقدت في نيويورك عام 2001 واستمرت 72 يومًا وتجاوزت صفحات التحقيق مع المتهمين بتفجير السفارة الأمريكية عام 1988 ما يقارب 9000 صفحة تتضمن كمًا هائلاً من المعلومات عن حياة هؤلاء المتهمين، بالإضافة إلى حوالي 400 سيرة حياة ذاتية تفصيلية وأسفر تحليله الرقمي لتلك البيانات عن عدد من النتائج الهامة: إن ثلاثة أرباع أفراد العينة ينحدرون من الطبقات المتوسطة فما فوقها، و90% منهم نشأوا في رعاية أسر متماسكة، و63% التحقوا بكليات جامعية، فإذا ما وضعنا في الاعتبار أن نسبة من يلتحقون بالجامعة في بلدان العالم الثالث التي أتى منها هؤلاء الإرهابيون، اتضح أنهم يعتبرون من خيرة أبناء تلك المجتمعات ممن بعثت بهم أسرهم لاستكمال دراستهم بالخارج، ومن ثم فإنهم يتقنون الحديث بعدة لغات، كذلك فإنهم يختلفون عن أطفال الحجارة الفلسطينيين الذين لم تكن تتجاوز أعمارهم الرابعة عشر، حيث التحقت غالبيتهم بمنظمة القاعدة وهم في السادسة والعشرين أي في قمة نضجهم النفسي والعقلي، وأنهم أميل للاستقرار الأسري، حيث 73% منهم متزوجون وغالبية هؤلاء لهم أطفال، وغير المتزوجين منهم لم يبلغوا بعد السن المعتادة للزواج، وأن عدد من استطاع سيجمان في ضوء خبرته المتخصصة في الطب النفسي أن يضعهم ضمن من يعانون اضطرابات نفسية أربعة أفراد فقط من بين 400 فرد وهو ما يقل كثيرًا عن المعدل المعروف لانتشار مثل تلك الاضطرابات بين الجمهور، فضلاً عن أنه من بين من ارتكبوا جريمة 11 سبتمبر 2000 لا يوجد لأيهم سجل إجرامي كأفراد، ويتفق ذلك مع ما تميزوا به من قدرة على العمل الجماعي المخطط المنظم ومن ثم فإنهم يختلفون في هذا المجال عن غيرهم ممن أقدموا على أعمال إرهابية فردية كتيودور كازينسكي Ted Kaczynski على سبيل المثال الذي قام بإرسال عدد متتال من المتفجرات لعدد من الشخصيات الأمريكية الجامعية وشركات الطيران في الفترة من مارس 1987 حتى 1995 وتم اعتقاله في إبريل 1996 وتمت محاكمته وحكم عليه بالسجن مدى الحياة.
وعلى مستوى التعليم والعمل فإن ثلاثة أرباع العينة مهنيون يعملون في مجالات الهندسة الميكانيكية والمدنية والمعمارية؛ أي إن غالبيتهم علماء وقلة منهم من المتخصصين في الإنسانيات، وقلة نادرة من هؤلاء من المتخصصين في الدراسات الدينية، حيث إن 13% فحسب تلقوا تعليمهم الأول في مدارس دينية بينما تحتل العلوم الطبيعية قمة التخصصات حتى بين القادة: بن لادن مهندس مدني، وأيمن الظواهري طبيب، ومحمد عطا مهندس معماري، بالإضافة إلى بعض دارسي العلوم العسكرية مثل محمد إبراهيم مكاوي.
ترى.. هل من شك بعد ذلك في أنه لا ينبغي أن نستسهل فننظر إلى “,”الإرهابيين“,” باعتبارهم مختلين عقليًا.