الثلاثاء 15 أبريل 2025
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

سيناريوهات ما بعد تقسيم سوريا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عندما صرح وزير الخارجية الروسى بأن بلاده تتفق مع الأمريكان في وجهة النظر الخاصة بمستقبل سوريا، فإن ذلك يعنى التوافق مع تصريحات الناطق باسم البيت الأبيض الأمريكى مؤخرا بأن الأسد لا يستطيع أن يحكم سوريا، وأن حكمه قد يقتصر على جزء من سوريا في إطار أي حل سياسي في المستقبل. فلماذا إذا هذا التحول في وجهتى النظر الأمريكان والروس حول مستقبل سوريا؟
الجميع يعرف أن الموقف الأمريكى كان دائما ما يطالب بحل سياسي يضمن خروج بشار الأسد من المشهد سواء بالتنحى عن الحكم أو بالإقصاء القسرى، بينما ظل الروس على موقفهم ودعمهم المطلق لبشار الأسد ودائما ما تبنى الروس مبادرات سياسية دولية حول الحل السياسي في سوريا بما يضمن بقاء حليفهم الرسمى بشار الأسد.
أصبح مشروع تقسيم سوريا إلى دويلات طائفية ودينية يتصدر الساحة السياسية، وقد وصلنا إلى هذه النتيجة التي يؤكد المحللون السياسيون على أنها حل مؤقت للأزمة السورية، ولكنه حل حتمى الآن، حيث إن أي طرف من أطراف النزاع على الأرض غير قادر على حسم المعارك لصالحه بشكل كامل، وفى هذا الإطار فإن استمرار حرب بهذا الشكل سيطيل أمد النزاع لفترات زمنية طويلة، قد تصل لعشرات السنين ويظل الشعب السورى هو الضحية والخاسر الأكبر من استمرار أتون الحرب المشتعلة، حيث تتزايد نسبة النزوح والمهجرين من مناطق الصراع علاوة على تبديد ثروات هذا البلد جراء تكلفة الحرب الشرسة.
حتى لا يفقد العقل العربى ذاكرته، فإننا نؤكد أن بشار الأسد واجه ثورة الشعب السورى السلمية بجميع أشكال العنف المسلح واستخدم الجيش الثورى العلوى (الطائفي) في مواجهة شعبه، وتجاوز كل المعايير الدولية الخاصة بحقوق الإنسان في قمع وقتل الشعب الثورى والثوار لدرجة استخدامه الحرب الكيماوية، وكنتيجة طبيعية لهذا العنف الشديد تحولت الثورة السورية من ثورة سلمية إلى حرب مسلحة ضد نظام بشار الوحشى، ومع استمرار فترة الصدام المسلح بين الأسد والجماعات المسلحة تفككت أجهزة الدولة، وتراجع حجم الجيش السورى سواء من ناحية الإعداد أو التسليح واستطاعت التنظيمات المسلحة الاستيلاء على العديد من مخازن السلاح والذخيرة ونتيجة للدعم الخارجى لهذه التنظيمات أظهرت القدرة على تحقيق مكتسبات على الأرض والاستيلاء على حقول النفط وعلى مدن وطرق ومطارات وممرات رئيسية وتصدرت التنظيمات الإسلامية الجهادية (جبهة النصرة ـ داعش..إلخ) المشهد على الأرض، وقامت بعمليات عسكرية نوعية.
نجحت هذه التنظيمات في تجنيد الآلاف من الشباب تحت فكرة إقامة الدولة الإسلامية، وأصبحت قوة على الأرض، بحيث تجاوزت المساحة التي سيطر عليها تنظيم مثل داعش نحو ٥٠٪ من الأراضى السورية خاصة بعد الاستيلاء على تدمر والتحكم في الممرات الرئيسية نحو العراق ولم يعد النظام السورى يحتفظ إلا بثلث مساحة الأراضى السورية والمحصورة في منطقة الساحل.
دعونا الآن نبحث موقف الأطراف المتورطة في الصراع، وعن كيفية وضع آليات التقسيم المستقبلى، فسنجد أن نظام بشار الأسد يحظى بتأييد إيرانى التي تدفع لميليشيات حزب الله اللبنانى ومتطوعين من الحرس الثورى في القتال بجانب قوات الأسد، ثم إن هناك دعم النظام العراقى المطلق، والذي بدوره يدفع متطوعين شيعة إضافيين إلى الدعم المالى واللوجيستى، ثم تأتى روسيا وهى بالطبع الداعم الأول لتسليح جيش الأسد، وتعويضه عن خسائره خلال المعارك إضافة إلى الدعم السياسي الدولى.
بنظرة إلى الواقع في المرحلة الأخيرة، نجد أن حزب الله لم يستطع حسم معركة القلمون رغم أهميتها الإستراتيجية البالغة في مواجهة جبهة النصرة والثوار، لدرجة أن حزب الله قام بالتنسيق مع تنظيم داعش في معركة القلمون لمواجهة جبهة النصرة، وعندما خرج علينا حسن نصر الله في خطابه المثير للجدل في الأسبوع الماضى والذي كان يحث فيه أتباعه على مواصلة القتال بل وحاول أن يدخل الجيش اللبنانى على خط المعركة في سوريا، مما أثار جميع الأطياف السياسية في لبنان وهاجموا حسن نصر الله في تصدير الصراع السورى إلى لبنان، وأصبح حزب الله يعانى من انفضاض شباب من الشيعة من حوله والذين وصفهم حسن نصر الله بلفظ (عملاء السفارة) أي عملاء السفارة الأمريكية على حد قوله.
أصبح حزب الله غير قادر على الدفع بمتطوعين جدد لخسائره التي يتكبدها في المعارك، وأيضا فإيران المتورطة في العراق واليمن غير قادرة على دفع عناصر جديدة من الحرس الثورى للقتال بجانب بشار والنظام الإيرانى يخشى من المواجهة مع الشعب الإيرانى الذي يعانى من الأزمات الطاحنة سواء الاقتصادية أو حقوق الإنسان، كما يعى الشعب الإيرانى أن نظام الحكم يبدد ثروات هذا البلد في حروب خارجية غير مبررة.
أما الدعم العراقى، فهو دعم إستراتيجي مطلق في إطار ما تمر به المنطقة من صراع طائفى شيعى ـ سني، ويرغب النظام العراقى على الحفاظ على حليفه الدائم في مواجهة تمدد تنظيم داعش وقد بدا واضحا أن النظام السورى أصبح منهكا، ويعانى من أزمات اقتصادية ويكاد يدافع بصعوبة عن المناطق التي يسيطر عليها، فتقوقع في المنطقة الساحلية رغبة منه في إعلان دولة علوية مستقلة بالمنطقة الساحلية وهذا ما يفسر انسحابه في المعارك الأخيرة من مدن إستراتيجية ومناطق تحتوى على حقول نفطية، ثم إنه قام بالتنسيق مع الأكراد بالانسحاب من الأراضى الشمالية، مؤكدا للأكراد أن هذه الأرض لكم فحاولوا الدفاع عنها والتمسك بها بدلا من السقوط في أيدى الآخرين وبذلك يضمن جبهة قتال مفتوحة بمواجهة داعش وجبهة النصرة وأخذ يدغدغ طموحات الأكراد: أنتم لكم دولة في الشمال ونحن لنا دولة في الساحل وخاطب الحزب الاتحادى الديمقراطى الكردى حقهم في حكم ذاتى في الأراضى التي تخضع لهم.
أخيرا فإن الغرب خاصة أمريكا وإسرائيل، لن تنزعج من إقامة دولة على الساحل تحت حكم بشار العلوى، أو أن تكون دولة في الشمال للأكراد، ثم تتصارع باقى التنظيمات المسلحة على إقامة دويلات صغيرة كل حسب نفوذه على الأرض، فهى تعلم جيدا أن هذه الدويلات ستظل في حالة صراع لعشرات السنين، ولن تلجأ لحل سياسي يضع وحدة سوريا والشعب السورى في المقام الأول.