ما أحوج أمتنا إلى الله في مثل الحقبة الخانقة التي نجتازها بشق الأنفس بعد تنامى غربة الإسلام وهوان المسلمين على أنفسهم ومن أعداء متكالبين، يقفون على الأبواب ومناصرين مقصرين، ودخلاء متربصين، ومنافقين جاهروا بنفاقهم نكاية في أهل الإيمان، علاوة على تدنٍ واضح في الإقبال على محاريب الصلاة والبيوت المؤمنة، وساحات نصرة الدين والوطن ومقاومة دعاة التدين المغشوش الذين يرفعون لواء الإسلام، وهم من يسيئون إليه وإلى وسطيته وتراحمه واعتداله.
ما أحوجنا إلى الطاعة والعبادة الحقة لله ليجبر ضعفنا، ويقوى عزائمنا، ويثبت أقدامنا، ويشفى صدورنا، وينير عقولنا لندفع أمارات اليأس، وننهض من كبوتنا التي أفرزت ميليشيات وطوائف وجماعات إرهابية داعشية وضبابية، تتحرك في الظلام داخل الجحور والأنفاق.. تقتل المسلمين وتبيع نساءهم في سوق النخاسة!!
ما أحوجنا إلى مواجهة عوامل التغريب التي عصفت ولا تزال تعصف بنا، بعد أن استهان الكثير منا بالحلال والحرام وأخذوا أحكام دينهم عن الجهلة والمخرفين، وتتبعوا الرخص لدى علماء السوء وتصدي للإفتاء جماعة من الحمقى والمغفلين في جرأة بالغة، وحماقة مكشوفة، ودون خوف أو خشية من العليم الخبير.
ما أحوجنا إلى الانضباط الأخلاقى، فنحن أمة تدعى وباستعلاء تافه أنها مسلمة وأن إيمان شعوبها يغطى قلوبهم، بينما هي أمة الكذب سمة معظم رجالها والطبول والرقص يجمع نساءها ولا تعترف بالانتظام بالدور أو الالتزام بمواعيد العمل، ولا تقدر قيمة الوقت وتنتشر الرشوة والمحسوبية لقضاء حوائج الناس وتستبد الواسطة لترفع التافه وعديم المهنية إلى «عليين» وتخسف بالمتعلم المؤمن إلى «الأسفلين»!!
ما أحوجنا إلى أن يكون ديننا في سلوكنا وعملنا، فالله تعالى لم ينزل دينه ليكون مستترا في القلوب لا ظاهرا في السلوك والأفعال والمعاملات فيما بيننا وبين الغير.
ما أحوجنا إلى علماء يعرفوننا معنى العدل الإلهى ويطالبون النظام بتطبيقه على رعاياهم..فقد روى أن امرأة دخلت على داود عليه السلام فقالت: يا نبى الله ربك ظالم أم عادل؟
فقال داود: ويحك يا امرأة هو العدل الذي لا يجور، ثم قال لها ما قصتك؟
قالت: أنا أرملة عندى ثلاث بنات أقوم عليهن من غزل يدى، فلما كان أمس شدّدت غزلى في خرقة حمراء وأردت أن أذهب إلى السوق لأبيعه فإذا بطائر قد انقض عليّ وأخذ الخرقة والغزل وذهب، وبقيت حزينة لا أملك شيئا أبلّغ به أطفالى.
وإذا بالباب يطرق على داود فأذن بالدخول وإذا بعشرة من التجار كل واحد بيده: مائة دينار فقالوا: يا نبى الله أعطها لمستحقها.
فقال لهم داود: ما كان سبب حملكم هذا المال؟
قالوا يا نبى الله كنا في مركب فهاجت علينا الريح وأشرفنا على الغرق فإذا بطائر قد ألقى علينا خرقة حمراء وفيها غزل فسدّدنا به عيب المركب فهانت علينا الريح وانسد العيب ونذرنا لله أن يتصدّق كل واحد منا بمائة دينار وهذا المال بين يديك فتصدق به على من أردت.
فالتفت داود عليه السلام إلى المرأة وقال لها: رب يتجر لكِ في البر والبحر وتجعلينه ظالمًا، وأعطاها الألف دينار وقال: أنفقيها على أطفالك.
إننى أذكر نفسى وإياكم بالوقوف بين يدى الرحمن يوم القيامة، لنجيب عما كنا نفعل وأمامنا وخلفنا جهنم التي قال عنها النبى: «يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام ومع كل زمام سبعون ألف ملك (أي ٤ مليارات و٩٠٠ مليون ملك) يجرونها»؟!
هل تذكرتم شدة ما ستلقونه حينما ينزع ملك الموت الروح من جسدكم ؟ هل تذكرتم يوما تكونون فيه من أهل القبور مفارقين الأهل والجيران والأموال والأصحاب والأوطان؟ هل تذكرتم سؤال الملكين منكر ونكير؟.