تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
قبل أيام من سفره إلى ألمانيا خرجت بعض الأصوات المراوغة تنصح الرئيس عبدالفتاح السيسى بعدم الذهاب، خوفا عليه من الفخ الذى ينصبه الإخوان له هناك، قدرت لهؤلاء خوفهم على الرئيس، لكنى أشفقت على سياحتهم السياسية، بحثوا عن صورته، وبحثت عن دوره، ولذلك طالبته بأن يسافر فورا، فليس على رأسه بطحة يخشاها، فهو يقود شعبا ثار على حاكم خائن وارتضى به هو رئيسا، وعليه فيجب أن يخوض معركته من أجل هذا الشعب حتى النهاية.
سيتحدث الإخوان كثيرا عن المظاهرات التى نظموها ضده، وعن الصحف الألمانية التى قابلته بغضب، وعن حصار الألمان له بكلام كثير عن حقوق الإنسان فى مصر، وعن أحكام الإعدام التى صدرت بحق قياداتهم، وعن الفتاة التى حاولت إفساد مؤتمره الصحفى مع ميركل، سينشرون صورهم وهم يرفعون شارات «رابعة»، واللافتات التى يصفونه فيها بأبشع الصفات، وسيستعرضون الفيديوهات التى اعترضوا فيها موكبه، وهتفوا خلالها ضده، وبعد ذلك كله سيعودون إلى بيوتهم وقد أقنعوا أنفسهم أنهم انتصروا عليه وأحرجوه وكشفوه أمام العالم.
لتهنأ الجماعة التافهة بما تشعر به، لأن الواقع فعلا غير هذا تماما، فكل ما فعلوه لم ينل من شرعيته، لقد تحدثت معه ميركل عن ملف حقوق الإنسان فى مصر، كرئيس شرعى، تطرقت معه إلى أحكام الإعدام كرئيس شرعى، طلبت منه أن يتدخل لإنقاذ مرسى من حبل المشنقة كرئيس شرعى، ولما وجدته صلبا أمامها، يملك الحق وبه ينطق، قالت إنها تعرف أن مرسى كان رئيسا منتخبا، لكنها تقدر ملايين المصريين الذين خرجوا مطالبين برحيله.
هذه إذن هى الحقيقة التى ستبقى من زيارة السيسى إلى ألمانيا، تم استقباله كرئيس شرعى للبلاد، وتم الاحتفاء به كرئيس لدولة كبرى، يعرف الألمان أنها حجر الزاوية فى العالم، وإذا كانت لهم ملاحظات فهم يضعونها بين يدى الرئيس ليتصرف فيها، وبعد أن انتهى الجدل جلس ليتحدث فيما هو أهم وأبقى، عقد اتفاقيات سلاح واستثمار اقتصادى، تعود بالخير على البلدين، فكأن ما جرى من حديث عن الإخوان وحقوق الإنسان لم يكن إلا جملة عابرة اعتراضية، سرعان ما تخطاها الألمان مع ضيفهم، متجاوزين إلى المستقبل، فمرسى قولا وفعلا وواقعا أصبح جزءا من الماضى، والماضى لا يعود أبدا.
لم تخل رحلة ألمانيا من اضطراب سياسى ونفسى، هذا واقع لا يستطيع أن ينكره أحد، وهو اضطراب كان لا بد أن يمر به السيسى بنفسه، لأن هناك واقعا آخر لا يستطيع أن يهرب منه، فمكاتبنا فى الخارج تواصل فشلها، لا يعرف العالم عنا إلا ما ينقله الإخوان كذبا وإفكا وزورا، كان لا بد أن يقف السيسى ليتحدث ويواجه بنفسه، ليكشف حقيقة ما جرى، فليس معقولا أن نتعامل مع ما جرى مع الإخوان باعتباره قبرا مفتوحا، نخشى من ضباعه أن تنهشنا وتمزق لحمنا.
ما فعله السيسى فى زيارته هو الأهم خلال زياراته الخارجية التى امتدت على طول عام مضى، لقد أغلق أمام العالم قبر الإخوان، ودعا الجميع إلى الحديث عن المستقبل، لأن هذا أجدى وأنفع، وهو ما جرى.
ستقول لى إن الرئيس السيسى لا يحتاج من ألمانيا أو من غيرها اعترافا بشرعيته، فما دام الشعب يحيط به ويناصره وينصره، فلا قيمة لمن يعترض، سأقول لك: هذا منطق متهافت، فنحن لا نعيش بمفردنا فى هذا العالم، واعتراف ألمانيا وهى من هى فى سيطرة الإخوان على كثير من صناع القرار فيها بـ٣٠ يونيو وشرعية السيسى، يوفر علينا كثيرا فى حربنا ضد الإرهاب.
هل يمكن أن نعتبر ما جرى فى ألمانيا نجاحا رغم ما جرى من تفاصيل مزعجة؟ سأقول لك إنه نجاح بكل المقاييس، لا يستطيع أن يجادل أحد فى هذا.. لكن يبقى أن يتحقق نجاح آخر، نجاح هنا فى مصر، لقد بدأت فئات كثيرة من جبهة ٣٠ يونيو فى التفلت، وهؤلاء حقهم على السيسى أن يلتفت إليهم، صحيح أنه لن يرضى كل الناس، لكن على الأقل عليه ألا يغضب من وقفوا فى صفه ونصروه وناصروه، لن يكون كثيرا أن ينظر السيسى بعين الرعاية إلى شباب كثيرين، تضيع أحلى أيام عمرهم فى السجون... قد يكونون أخطأوا، تجاوزوا، لكن ليس معنى هذا أن تضيع أعمارهم أمامهم وأمامنا.
يؤمن السيسى بأنه رئيس لكل المصريين، وهو كذلك بالفعل، يبقى أن نرى ذلك فى وجوه شباب كثيرين يحتاجهم الوطن فى معركة بنائه وتحرره، فهل يفعلها... أتمنى منه ذلك.