تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
من أسبوعين تقريبا، وبالتحديد فى ٢٠ مايو الماضي، لمحت عينى بشكل سريع ومفاجئ عنوانا يجرى أسفل شاشة إحدى الفضائيات، لم أصدق نفسى فى البداية وتخيلتنى أحلم، وقلت لنفسى إن أحلام إعادة عبدالناصر أو استنساخ محمد على قد تذهب بى إلى الجنون، لكننى متأكد، لقد قرأت الخبر بالفعل: الرئيس يجتمع بفريق المجلس القومى للزيتون.
وبما أن القناة لم تجد فى الخبر شيئا مفيدا من وجهة نظرها لم يمر الخبر على الشريط مرة أخري، لكننى فوجئت بعدها بأيام بخبر آخر وصورة هذه المرة تجمع وزير الزراعة بمجموعة من البشر، يبدو عليهم الأهمية، وأمامهم زجاجات مياه معدنية وتفاصيل تؤكد فعلا أن الخبر الأول صحيح، وأن هناك «مشروع قومي» لزراعة مائة مليون شجرة زيتون فى مصر!! الرقم مدهش، والفكرة تحفة، والأمل حقيقي، وبعدين إزاى إحنا عندنا مجلس قومى للزيتون ومانعرفش فيما نحن مشغولون بياسمين النرش وكلب الهرم وإلهام شاهين وتصدر الزمالك للدوري.
كيف لم تتوقف برامج التوك شو أمام حدث بمثل هذه الأهمية، ولّا الناس دى عندها حق وأنا اللى موهوم بجد، والحكاية ستنتهى إلى مجرد شوية اجتماعات وكفى الله المؤمنين «شر زراعة الزيتون»؟!
لست موهوما حتما، لقد كتبت منذ شهور أطلب من الرئيس أن يدعم مشروعا بهذا الشكل، وأشرت تحديدا إلى أن سوريا صمدت كل هذه السنوات لاعتمادها على الزيتون كمصدر أساسى للدخل القومي، فيما تعد إسبانيا الدولة الأشهر فى إنتاجه، والبعض يقول إن إسبانيا أخذت زراعته عن العرب حينما احتلوها، لكن البلد المحتل عرف كيف يستفيد من هذه الشجرة المباركة فيما أهملناها نحن كل هذا العمر، نعم، كل هذا العمر، فالمهتمون بزراعة الزيتون يؤكدون أنه موجود فى مصر منذ عام ١٨٠٠ قبل الميلاد، ويؤكد المريدون للشجرة المباركة أنها شجرة لا تفني، فكلما سقط فرع من فروعها شب فرع جديد أكثر طراوة وإثمارا.
قلت إننى كنت قد كتبت منذ شهور أطلب من الرئيس أن يدعم أفكارا بهذا الشكل بعد أن أخبرنى أحد أقربائى ممن يملكون أراضى بالعلمين أنهم لا يحصدون محصول الزيتون ويتركونه على الشجر! اندهشت ولماذا؟! لأن تكلفته جنيه مابتجبش همه، وحتى نستفيد من ذلك علينا بإنشاء مصانع وعصارات، وهذا أمر يحتاج إلى حكومة، واحنا ماعندناش حكومة!!
كنت وقتها قد أشرت إلى ما نشره نوبار باشا فى مذكراته عن إبراهيم باشا حينما ذهب إلى الأستانة ليحصل على فرمان بخلافة والده محمد علي، وأنه حينما قوبل بجلافة من الأتراك قال لهم «انتو ضيعتوا حضارة العراق والشام وأتلفتم نخيله فيما زرعت أنا ووالدى ١٠ ملايين شجرة فى مصر، نعم فعلها محمد على وولده، وأشجار المانجو، والقطن، ودقن الباشا تشهد حتى هذه اللحظة فلماذا لا نزرعها، لماذا لا نقوم بتوزيع أرض المليون فدان الأولى على المزارعين لا السماسرة وناهبى الأراضى الذين سيحولونها إلى فيلات ويقطّعون جسدها ويبيعونه فيما تخسر الدولة، لماذا لا تتبنى وزارة الشباب بمراكزها، والمحليات بكل عناصرها، مشروعا لزراعة الزيتون فى كل شوارع وطرقات مصر الصحراوية وما أكثرها، شجرة الزيتون لا تكلف شيئا تقريبا، كما أنها تحتمل العطش، ولا تأخذ وقتا حتى تثمر، ثم إنها لا تنقل الأمراض كأشجار الفيكس اللعينة!
إذن، أنا مش موهوم، هناك مجلس قومى للزيتون جلس مع الرئيس، وطرح فكرة زراعة ١٠٠ مليون شجرة، توفر ٩٨٠ ألف فرصة عمل للشباب خلال ٣ سنوات، وتوفر مليارات الدولارات إن أحسنا العمل، وانتهينا إلى أهمية هذا المشروع، وفيما عرفت أن المشروع سيبدأ بزراعة ٧٠ ألف فدان فى سبع مناطق، يعنى قد اللى مزروع فى مصر تقريبا، وأن هذه المرحلة ستكون قد دخلت مرحلة الإثمار والإنتاج خلال ٣ سنوات، فرحت وقلقت وخفت.
زيت الزيتون الذى يساعد على نمو «مخ» الأطفال، نحتاجه حتى ينمو «مخ البلد بحالها»، نحتاج للزيت الذى يعالج تصلب الشرايين أن يعالج تصلب أدمغتنا وتفكيرنا الذى لم يغادر مكانه منذ سنوات، نحتاج للزيت الذى يعالج هشاشة العظام أن يعالج هشاشة أفكارنا وأحلامنا أولا، يا سادة الفكرة سهلة وبسيطة، فحسب عادل يوسف الباحث بمعهد تكنولوجيا الأغذية، تصل تكلفة إنتاج طن الزيتون إلى ١١ ألف جنيه ومتوسط الربح للطن ١٧٠٠ جنيه، وتبلغ تكلفة زراعة الفدان الواحد ٤٥٠٠ جنيه، وتصلح زراعة ١٦ نوعا منه فى مصر، ونستطيع أن ننشئ ثلاث صناعات منه، أولها الزيت الصحى مع ملاحظة أننا نستورد ٩٥٪ من الزيوت التى تحتاجها مصر، يعنى هتوفر الدعم والدولارات مع بعض، ثم صناعة العلف، وما أدراك ما العلف، وأخيرا الدواء، طبعا «جنب المخلل» للناس اللى بتحب الحاجات الحراقة والحرشة!! ده مشروع قومى بجد، لكنه يحتاج إلى عمل بجد، وإلى الترويج له كمشروع قومى حقيقي، فصناعة الأمل حرفة، وصناعة الأفكار حرفة، لو كنتم تعلمون.