اجتهد الوزير وصرح بأنه بصدد شراء أجهزة تشويش لمنع الغش بالمحمول، وكان يمكن ببساطة تفتيش الطلبة بعد التوضيح بعدم السماح للطلبة بحيازة المحمول أثناء الامتحان، ومن يضبط يكون جزاؤه الحرمان من الامتحان
سبق أن عرضنا فى مقالنا الأخير، كيف أن كلا التصورين النظريين للدولة السوفييتية والدولة الإسلامية، يتشابهان إلى حد التطابق فى عدد من الخصائص، عرضنا منها لخاصية العالمية ووحدة مركز القيادة؛ واتهام المعارضين أو المجددين بالزندقة أو المراجعة.
رابعا: النص والتأويل
الكتب السماوية كتب خالدة لا يطرأ على نصوصها تعديل، مهما تغير الواقع الاجتماعى السياسي، ومن ثم فإن تفسيرات البشر لم تنقطع لتلك الكتب التى يؤمنون بها، فضلا عن تلك التى يؤمن بها غيرهم، ونستطيع أن نقرر دون خوض فى التفاصيل ألا توجد جماعة لم تلتمس فى كتابها المقدس ما يبرر العنف والقتل والإبادة، وأيضا ما يبرر المسالمة والموعظة الحسنة، دون أن ينتقص ذلك التباين بطبيعة الحال من قدسية الكتب السماوية. إنه اختلاف بين اجتهادات البشر، ويعلم الله بمن اجتهد فجانبه الصواب ومن اجتهد فأصاب، ومن أوّل فتعسف فى التأويل إفراطا أو تفريطا لغرض فى نفسه: نفاقا أو خوفا أو طمعا. الأمر المؤكد أن الجميع قد وصفوا تأويلاتهم بأنها التأويلات الصحيحة المعتدلة المعبرة عن جوهر الدين.
لعل أحدا لم يعد يجادل فيما أكدته دراسات علم النفس السياسى من تأثير الدين على السلوك، ولذلك لم يكن مستغربا أن يلجأ البشر على اختلاف نوازعهم لالتماس السند الدينى لتصرفاتهم، أيا كانت فوجدنا يهودا يلتمسون فى آيات العهد القديم، ما يبرر لهم القتل وسفك الدماء دون تمييز، ويغضون الطرف عن آيات تحرم القتل والسرقة والنهب وتنهى عن مجرد التفكير فى الشر، وتحذر من إيذاء الغرباء، ووجدنا مسيحيين يلتمسون فى آيات العهد الجديد ما يبرر التعذيب والقتل رغم كثرة الآيات التى تدعو إلى التسامح والحب، ولم يختلف الأمر كثيرا بالنسبة لنا كمسلمين فقد وجدنا من يعتبر أن جميع آيات التسامح والمسالمة قد نسخت ولم يعد أمام المسلمين سوى قتل من يخالفونهم العقيدة.
إن جرائم المتطرفين من اليهود الذين يرفعون راية التوراة غنية عن البيان، ولعلنا لسنا فى حاجة إلى إعادة التذكير بها، وفى المقابل نجد من اليهود من وقفوا بصلابة ضد جميع مظاهر التمييز العنصري، وضد إبادة الفلسطينيين وتدمير منازلهم. كذلك فقد أقدم المتطرفون من المسيحيين فى العصور الوسطى على تعذيب المهرطقين، وقتال أتباع نفس الكتاب ممن يختلفون مع تأويلهم له، فضلا عن شن حروب الفرنجة تحت راية الصليب، وها هو بوش يستخدم دون مواربة تعبيرات مثل «الحروب الصليبية» و«محور الشر»، وفى المقابل نجد من المسيحيين من يناضلون بحق ضد جميع ممارسات القتل والتمييز. ولا يختلف الأمر كثيرا بالنسبة للمسلمين.
والسؤال الآن: ترى هل على المرء أن يدافع عن جميع تصرفات من ينتمون لجماعته الدينية، مهما كانت دموية تلك التصرفات؟ هل ثمة بشر لا يخطئون؟ ترى هل على المسلم أو المسيحى أو اليهودى أن يحمل على عاتقه وقائع مخضبة بالدم، لأنها لصيقة بمن ينتسبون إلى دينه؟ هل تفرض الأخوة الدينية على المرء، أن يضع فى سلة واحدة أبناء جماعته الذين يدافعون عن التسامح والحرية، مع من غامروا بحياتهم فى سبيل القتل والترويع؟ هل من المقبول أن يدين المرء تعصب الآخرين وجرائمهم دون أن يدين وبنفس القوة تلك الجرائم المنسوبة إلى أتباع دينه؟
ومن الملفت للنظر أن ما يصدق على أتباع الكتب الدينية المقدسة، يصدق وبنفس الدرجة على أتباع أى كتاب عقائدى آخر حتى لو كان علمانيا، فرغم علمانية الماركسية، ورغم إقرارها بمبدأ النقد الذاتي، فقد عرفنا فى النظام الماركسى «فيلسوف الحزب»، بل وعرفنا تقديس مؤسس النظرية ثم تقديس خلفائه أيضا، وإن لم يكن ذلك التقديس دينيا، فإنه لا يقل عن التقديس الدينى من حيث التنزيه عن الخطأ.
ومن ناحية أخري، فرغم أنه لا كهنوت فى الإسلام، بمعنى أن الإسلام لا يعرف «رجل الدين» الذى يلعب دور الواسطة بين النص المقدس والبشر، فقد عرفنا فى الجماعات الإسلامية «مفتى الجماعة» وكلاهما يعتبر بمثابة المفسر الرئيسى المعتمد للنص الأصلي.
خلاصة القول
إن الدعوة لإحياء حلم الدولة الدينية ـ وهو التجسيد العملى لدمج الدين بالسياسة ـ تكاد تشمل العالم جميعا، غير أن ثمة خيطا رفيعا، ينبغى أن يفصل بين رسائل السماء الإلهية وممارسات البشر الدنيوية، أى بين الدين والسياسة، وإذا ما اختفى ذلك الخيط، أصبح فى مقدور فرد أو جماعة أن يعلن أنه وحده صاحب القول الفصل فى مقاصد السماء، وأنه ظل الله على الأرض والناطق الأوحد باسمه تعالي. ألا يوقعنا ذلك فيما يشبه التأله والعياذ بالله؟