الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

نصر حامد أبوزيد (3)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ويواصل نصر حامد أبوزيد هجومه على منهج محمد عمارة، ومسلكه الباحث دومًا عن الرائج والمربح والمفيد.
فيقول «ففى بداية السبعينيات كان خطاب محمد عمارة ينطلق من أهم المرتكزات العقلانية المستفيدة من التراث العربى الإسلامى، ومن أهمها إنجازات المعتزلة؛ لذلك كان حريصا على نشر تراث التنوير العربى الحديث، والمصرى منه بصفة خاصة، وفى عام ١٩٧١ نشر كتاب الشيخ على عبدالرازق «الإسلام وأصول الحكم» في مجلة الطليعة، ثم أعاد نشره مع دراسة وافية للظروف والملابسات التي أحاطت بنشره في عام ١٩٧٢ في لبنان «وفى هذه الظروف احتفى عمارة بالكتاب وصاحبه احتفاء ملحوظا وقال عنه إنه «امتداد متطور للشيخ محمد عبده في الإصلاح الديني، بل إن آراءه في موضوع الخلافة كانت في عدد من نقاطها الجوهرية تفصيلا وبلورة وتطويرا لآراء الاستاذ الإمام»، وأكد عمارة في طبعه بيروت أن الاهتمام بالكتاب وإعادة نشره هو بلاشك واقع تنويرى هدفه أن نصل الحاضر الذي نعيشه والمستقبل المأمول بأكثر هذه الصفات إشراقا وأعظمها غني، ونتعلم الشيء الكثير من شجاعة هؤلاء الذين اجتهدوا وقالوا ما يعتقدون- صوابا كان هذا الذي قالوه أو خطأ- دونما رهبة من الذات المصونة التي تربعت على العرش في بلادنا قبل يوليو ١٩٥٢».
ويمضى عمارة مؤكدا «أن هذا الكتاب كان شديد الفعالية وأدى دوره كاملا، كما كان صاحبه حاد البصيرة في رؤية اتجاه حركة التطور والتاريخ. تلك الحركة التي جاءت مصداقا لما أراد، رغم ما وجه إليه ووجه به من عقوبات واتهامات» (ص٩١).
وتتغير المواقف مع تغير المصالح ويقول د. نصر «إن عمارة بداية السبعينيات وما قبلها أصاب موقفه تغير ملحوظ فانقلب من الحماس للعقلانية والاستنارة والاشتراكية إلى الحماس لتيار الإسلام السياسي حتى صار في أواخر الثمانينيات وما بعدها من أعلى الأصوات دعوة لقيام الدولة الإسلامية، ومن أشدها مهاجمة لخطاب التنوير والعلمانية. وفى سبع مقالات نشرتها جريدة الشعب لسان حال حزب العمل الإسلامى (١١-١-١٩٩٤، ١-٢-١٩٩٤) شن عمارة حملة لتلويث كتاب «الإسلام وأصول الحكم» بطريقة غير مسبوقة في التقاليد العلمية الرصينة، فالكتاب الذي صنفه عمارة عام ١٩٧٢ «أداة للاستنارة والتقدم يتحول عنده إلى كتاب يخدم أهداف الاستعمار الغربى في محاولته للقضاء على الخلافة سعيا إلى علمنة المجتمعات الإسلامية وتفريغها من مضمونها الحضارى والثقافى»، ثم قام عمارة بالادعاء بأن الشيخ قد تبرأ من الكتاب وتراجع عنه بعد عشرين يوما من صدور قرار حكم هيئة كبار العلماء ضده وامتنع عن الكتابة في الموضوع ورفض إعادة طبعه حتى وفاته في ١٩٦٦، وتمادى عمارة مدعيا في أن الشيخ أدان في أكثر من محاضرة الكتاب. بل يدّعى عمارة أن الشيخ قال إن طه حسين هو مؤلف الكتاب وإنه فاجأه بالكتاب مطبوعا باسمه». (ص١٠١) وأود هنا أن أدلى بشهادتى فيما أورده د. نصر حامد أبوزيد عن تقلب محمد عمارة، فقد أتى إلينا ذات يوم في حزب التجمع وقال قصة أن الشيخ تراجع عن كل ما قال وأوصى بعدم نشر الكتاب، وردا على هذه الاكذوبة واصلت البحث ووجدت العكس تماما. فقد أدلى الشيخ بحديث إلى جريدة إنجليزية تصدر في مصر شدد فيه على تمسكه بموقفه، وإصرارا منه على ما في الكتاب أعاد نشر الحديث باللغة العربية في جريدة السياسة عدد ١٤ أغسطس ١٩٢٥».
وبعد سنوات ينشر الشيخ على مقالا ليبراليا عاصفا (الهلال أغسطس ١٩٢٨) يعلق فيه على كتاب «السفور والحجاب للآنسة نظيرة زين الدين» يقول فيه «وإنى لأحسب أن مصر قد اجتازت بحمد الله طور البحث النظرى في مسألة السفور والحجاب إلى طور العمل والتنفيذ. فلست تجد من المصريين إلا المخالفين منهم- من يتساءل عن السفور: هل هو من الدين أم لا؟ ومن العقل أم لا؟ بل تجدهم وحتى الرجعيين منهم يؤمنون بأن السفور دين وعقل وضرورة لا مناص عنها لحياة المدنية الحاضرة»، ثم هو يوجه تحية جادة لمؤلفة الكتاب، فهى كما وصفها «شابة فتية من بنات الشرق تنهض بالدعوة إلى ما تعتقده صوابا، وإن خالفت في ذلك رأى الشيوخ والمتقدمين، فخوف البعض من إعلان آرائهم الحرة وإن خالفت رأى الجموع، يصمهم بأنهم ليسوا بأنفع للبشرية من أهل البلد الذين لا يميزون بين خير وشر، بل ربما كان أولئك في سكوتهم عما يعرفون، وفى إعراضهم عما انكشف لهم من الحق أحدّ درجة من الحمقى والمغفلين، فالذي ينقصنا هو الشجاعة في الرأى وقول الحق من غير تردد ولا رياء، فهذا مبدأ الكمال الإنساني، وهنا تختلف أقدار الرجال، مصلح ومفسد، وشجاع أو جبان» (لمزيد من التفاصيل راجع كتابنا. عمائم ليبرالية كتاب اليوم يونيو ٢٠٠٢- ص١٢٩).
وأتأمل مسيرة محمد عمارة التالية فقد تهاوت به حتى وصلت منتهاها في خطابه الشرير والملغوم أمام المخلوع محمد مرسي متحدثا عن سوريا.
وأتأمل العبارة التي اختتم الشيخ على عبدالرازق مقاله السابق، وأكاد أراها وكأن الشيخ قالها على أمثاله.
لكن المثير للدهشة أن محمد عمارة لم يزل يتقلب أو يحاول.. أتذكر قول الشاعر:
إن الأفاعى وإن لانت ملامسها.. عند التقلب في أنيابها العطب.