الثلاثاء 02 يوليو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ثقافة

إبراهيم الدسوقي.. آخر أقطاب الولاية الأربعة (أعلام الصوفية 16ـ 30)

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
إعداد: أحمد صوان
إشراف: سامح قاسم

إبراهيم بن عبد العزيز أبو المجد.. هو أحد إعلام الصوفية، وآخر أقطاب الولاية الأربعة لدى الصوفية، وإليه تنسب الطريقة الدسوقية، لقب نفسه ب‍‍الدسوقي، نسبة إلى مدينته التي نشأ فيها وعاش بها حتى وفاته، أما أتباعه فقد لقبوه بالعديد من الألقاب، أشهرها برهان الدين وأبا العينين، ينتهي نسبه من جهة أبيه إلى الحسين بن على بن أبي طالب، وجده لأمه هو أبو الفتح الواسطي خليفة الطريقة الرفاعية في مصر،فبدأت علاقته بالصوفية منذ صغره، كذلك تأثر بأفكار أبو الحسن الشاذلي، وكان على صلة بأحمد البدوي في مدينة طنطا، والذي كان معاصرًا له، وقد تولى منصب شيخ الإسلام في عهد السلطان الظاهر بيبرس.
أجمع علماء الأنساب على اتصال نسب الدسوقي بالحسين بن على بن أبي طالب رضي الله عنهما، فهو "إبراهيم الدسوقي، بن عبد العزيز أبو المجد، بن قريش، بن محمد المختار، بن محمد أبو النجا، بن على زين العابدين، بن عبد الخالق، بن محمد أبو الطيب، بن عبد الله محمد الكاتم، بن عبد الخالق، بن أبو القاسم، جعفر الزكي، بن على الهادي، بن محمد الجواد، بن على الرضا، بن موسى الكاظم، بن جعفر الصادق، بن محمد الباقر، بن على زين العابدين، بن الحسين بن على بن أبي طالب زوج السيدة فاطمة الزهراء بنت النبي محمد"؛ أما نسبه من والدته فهو ابن فاطمة بنت أبي الفتح الواسطي خليفة أحمد الرفاعي في مصر، والذي لعب دورًا كبيرًا في تأسيس بنيان الطرق الصوفية في مصر، كما أنه من شيوخ أبي الحسن الشاذلي؛ وعن لقب "الدسوقي"، فقد لقب به نفسه، نسبة إلى مدينة دسوق التي ولد ونشأ بها.
يقول بعض الصوفية أن إبراهيم الدسوقي بُشِر بمولده قبل أن يولد، فكان هناك بقرية سنهور المدينة جنوب شرق مدينة دسوق شيخ من كبار الصوفية وقتها اسمه محمد بن هارون، وكان على صلة وطيدة بوالده، فكلما رأى ابن هارون أبا المجد قام له وشدّ على تكريمه إياه، حتى لاحظ أصحابه ذلك وسألوه عن سبب ذلك، فقال لهم أن في ظهره وليًا يبلغ صيته المشرق والمغرب، وبعد ذلك بمدة رأوه قد ترك القيام فسألوه عن السبب، فقال لهم أن القيام لم يكن لشخص أبا المجد بل لبحر في ظهر وقد انتقل إلى زوجته؛ وقيل أنه في ليلة ولد الليلة التالية للتاسع والعشرين من شعبان.
سطع نجم الدسوقي في العلوم والمعارف، وانتشرت طريقته حتى وصل صيته إلى كل أرجاء البلاد، منذ أن ترك الخلوة وتفرغ لتلاميذه، ولما سمع السلطان الظاهر بيبرس بعلمه وتفقهه وكثرة أتباعه والتفاف الكثيرين حوله، أصدر قرارًا بتعيينه شيخًا للإسلام، فقبل المنصب وقام بمهمته، وكان يهب راتبه من هذه الوظيفة لفقراء المسلمين، كما قرر السلطان بناء زاوية يلتقي فيها الشيخ بمريديه يعلمهم ويفقههم في أصول دينهم، وهي مكان مسجده الحالي، وظل الدسوقي يشغل منصب شيخ الإسلام حتى توفي السلطان بيبرس، ثم اعتذر عنه ليتفرغ لتلاميذه ومريديه؛ ثم حدث صِدام بين الدسوقي والملك الأشرف خليل بن قلاوون بعد توليه الحكم، حيث فرض ضرائب غير مبررة، فبعث له الدسوقي رسائل ينصحه فيها ويزجره ويطلب منه الرحمة بالناس وإقامة العدل، فوشى البعض به عند السلطان، وأغروه بقتله حتى لا يُحدِث فتنة في البلاد، فأرسلوا طرد عبارة عن شهد مسموم كهدية من السلطان للدسوقي، فتسلم الدسوقي الهدية ثم جمع فقراء المدينة، وقال لهم"هذا شهد إن شاء الله تعالى، كُلوه ولا مبالاة بإذن الله"، فأكله الفقراء ولم يؤثر في أحد، بحسب ما روُي في كتب الصوفية.
وجرت أمور بعد ذلك علم منها السلطان أنه استمع إلى الوشاة، ورأى أنه من الأفضل أن يسافر ليتعذر للدسوقي عما حدث، ثم عرض عليه ما شاء من العقار والمال، فرفض أن يطلب شيئًا لنفسه، وطلب من السلطان أن يترك نصف جزيرة الرحمانية المواجهة لدسوق للفقراء ينفقون منها على مصالحهم، فوافق. فبشره الشيخ بالنصر على الصليبيين في عكا. ويقول المتصوفة إن بعد رجوع السلطان من عكا منتصرًا، أصبح يكاتب الدسوقي، ويبدأ رسالاته بعبارة "مملوكك خليل".
وللدسوقي له رأي واضح في التصوف، فمن الجانب الروحي أشار إلى أن ليس مكنون التصوف الحقيقي هو لبس الصوف فقط، ولكنها عبارة عن تدرج روحاني للوصول إلى حقيقة التصوف ذاته "فلا حاجة إلى لبس الصوف الخشن لإنسان قد وصل إلى مقامات اللطافة وخرج من مقامات الرعونة، وعاد ظاهره الحسي إلى باطنه الإلهي، فيكون بذلك قد وصل إلى حقيقة التصوف بالتدرج والترقية"، وكان دائمًا ينصح مريديه بضرورة صفاء نفوسهم وتجردها من كل الأوصاف الدنيئة، لكي يتم ترقيتهم إلى المقامات العليا؛ ويظهر ذلك في شِعره حيث قال
وما شاهدت عيني سوى عين ذاتها لأن سواها لا يلم بفكرتي
بذاتي تقوم الذات في كل ذروة جدد فيها حلة بعد حلة
أنا موجد الأشياء من غير حاجة بكره كون الكون من غير آلتي
أما الجانب العملي من تصوفه، فكان يشير إلى العمل بأحكام القرآن والسنة، والفروض الخمس، ويقوم على اصطناع المكابدة والمجاهدة، وسلك طريق النسك والزاهدين، وذلك بالإكثار من الصيام والقيام والذِكر وقراءة القرآن، وبالتسبيح والتقديس والدعاء والابتهال، بجانب الزهد في الدنيا والترفع عن اللذائذ والشهوات، والابتعاد عن ضروب اللهو، وأن يرضى المريد بقضاء الله وقدره.
"اللهم إن كان أحد من أصحابي يفعل خلاف طريقي فلا تهلكني بذنوبهم، فيا أولادي إن كنتم أولادي
وخالفتموني فأنتم كاذبون".