الخميس 19 سبتمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ثقافة

عبد القادر الجيلاني.. تاج العارفين وسلطان الأولياء (أعلام الصوفية 14ـ 30)

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عبد القادر الجيلي أو الجيلاني أو الكيلاني (470 هـ - 561 هـ)، هو أبو محمد عبد القادر بن موسى بن عبدالله، ويعود نسبة إلى الإمام الحسن رضي الله عنه.
يعرف ويلقب في التراث المغاربي بالشيخ بوعلام الجيلاني، وبالمشرق عبد القادر الجيلاني، ويعرف أيضا بـ"سلطان الأولياء"، وهو إمام صوفي وفقيه حنبلي، لقبه أتباعه بـ"باز الله الاشهب" و"تاج العارفين" و"محيي الدين" و"قطب بغداد". وإليه تنتسب الطريقة القادرية الصوفية.
اختلفت الأقاويل حول مكان ولادته حيث توجد روايات متعددة، أهمها القول بولادته في جيلان في شمال إيران حاليًا على ضفاف بحر قزوين، والقول أنه ولد في جيلان العراق وهي قرية تاريخية قرب المدائن 40 كيلو متر جنوب بغداد، وهو ما أثبتته الدراسات التاريخية الأكاديمية وتعتمده الاسرة الكيلانية ببغداد.
وفد إلى بغداد شابًا يافعًا سنة 488 هـ، وكان العهد الذي قدم فيه الشيخ الجيلاني إلى بغداد تسوده الفوضى التي عمت كل أنحاء الدولة العباسية، حيث كان الصليبيون يهاجمون ثغور الشام، وقد تمكنوا من الاستيلاء على أنطاكية وبيت المقدس وقتلوا فيهما خلقا كثيرا من المسلمين ونهبوا أموالًا كثيرة.
وكان السلطان التركي "بركياروق" قد زحف بجيش كبير يقصد بغداد ليرغم الخليفة على عزل وزيره "ابن جهير" فاستنجد الخليفة بالسلطان السلجوقي "محمد بن ملكشاه" ودارت بين السلطانين التركي والسلجوقي معارك عديدة كانت الحرب فيها سجالا، وكلما انتصر احدهما على الآخر كانت خطبة يوم الجمعة تعقد باسمه بعد اسم الخليفة.
وكانت فرقة الباطنية قد نشطت في مؤامراتها السرية واستطاعت أن تقضي على عدد كبير من أمراء المسلمين وقادتهم فجهز السلطان السلجوقي جيشًا كبيرًا سار به إلى إيران فحاصر قلعة "أصفهان" التي كانت مقرًا لفرقة الباطنية وبعد حصار شديد استسلم أهل القلعة فاستولى عليها السلطان وقتل من فيها من المتمردين، وكان "صدقة بن مزيد" من أمراء بني مزيد من قبيلة بني أسد قد خرج بجيش من العرب والأكراد يريد الاستيلاء على بغداد فتصدى له السلطان السلجوقي بجيش كبير من السلاجقة فتغلب عليه. وكان المجرمون وغيرهم من العاطلين والأشقياء ينتهزون فرصة انشغال السلاطين بالقتال فيعبثون بالأمن في المدن يقتلون الناس ويسلبون أموالهم فإذا عاد السلاطين من القتال انشغلوا بتأديب المجرمين.
وفي غمرة هذه الفوضى كان الشيخ عبد القادر يطلب العلم في بغداد، وتفقه على مجموعة من شيوخ الحنابلة ومن بينهم الشيخ أبوسعيد المُخَرِمي، فبرع في المذهب والخلاف والأصول وقرأ الأدب وسمع الحديث على كبار المحدثين. وقد أمضى ثلاثين عاما يدرس فيها علوم الشريعة أصولها وفروعها.
وتبحر الجيلاني في العلم فانتج للأمة الإسلامية كتبًا عديدة في الأصول والفروع، من أهمها: "غاثة العارفين وغاية منى الواصلين"، "أوراد الجيلاني"، "آداب السلوك والتوصل إلى منازل السلوك"، "تحفة المتقين وسبيل العارفين"، "جلاء الخاطر في الباطن والظاهر"، "حزب الرجاء والانتهاء"، "الحزب الكبير"، "دعاء البسملة"، "الرسالة الغوثية"، "رسالة في الأسماء العظيمة للطريق إلى الله"، "الغُنية لطالبي طريق الحق" -وهو من أشهر كتبه في الأخلاق والآداب الإسلامية وهو جزءان-، "الفتح الرباني والفيض الرحماني" -وهو من كتبه المشهورة وهو عبارة عن مجالس للشيوخ في الوعظ والإرشاد-، "فتوح الغيب" -وهو عبارة عن مقالات للشيخ في العقائد والإرشاد ويتألف من 78 مقالة-، "معراج لطيف المعاني"، "يواقيت الحكم"، "سر الأسرار في التصوف" -وهو كتاب معروف وتوجد نسخة منه في المكتبة القادرية ببغداد وفي مكتبة جامعة إسطنبول-، "الطريق إلى الله" -كتاب عن الخلوة والبيعة والأسماء السبعة"، "رسائل الشيخ عبد القادر" -15 رسالة مترجمة للفارسية يوجد نسخة في مكتبة جامعة إسطنبول-، "المواهب الرحمانية: ذكره صاحب روضات الجنات"، "حزب عبد القادر الجيلاني" -مخطوط توجد نسخة منه في مكتبة الأوقاف ببغداد-، "تنبيه الغبي إلى رؤية النبي" - نسخة مخطوطة بمكتبة الفاتيكان بروما-، "الرد على الرافضة" -منسوب له وهو لمحمد بن وهب نسخة مخطوطة في المكتبة القادرية ببغداد-، "وصايا الشيخ عبد القادر" - موجود في مكتبة فيض الله مراد-، "بهجة الأسرار ومعدن الأنوار في مناقب الباز الأشهب" -مواعظ للشيخ جمعها نور الدين أبو الحسن على بن يوسف اللخمي الشطنوفي-، "تفسير الجيلاني"، "الدلائل القادرية"، "الحديقة المصطفوية" -مطبوعة بالفارسية والأردية-، "الحجة البيضاء"، "عمدة الصالحين في ترجمة غنية الصالحين"، "بشائر الخيرات"، "ورد الشيخ عبد القادر الجيلاني"، "كيمياء السعادة لمن أراد الحسنى وزيادة"، "المختصر في علم الدين"، و"مجموعة خطب".

ومن شدة حب الناس له، وكثرة مريديه الذين أسسوا الطريقة القادرية نسبة إلى اسمه، نسجوا حوله الأساطير إلا أنه من حين لآخر يجد من يدافع عنه.
وقد كان الجيلاني متمكنا في الفقه وقد حكى عنه ابنه عبد الرزاق: جاءت فتوى من العجم إلى علماء بغداد، لم يتضح لأحد فيها جواب شافٍ، وجاءت فحواها: "ما يقول السادة العلماء في رجل حلف بالطلاق الثلاث، أنه لابد أن يعبد الله عز وجل عبادة ينفرد بها دون جميع الناس، في وقت تلبسه بها، فما يفعل من العبادات؟ قال: فأتى بها إلى والدي فكتب عليها على الفور يأتي مكه ويُخلى له المطاف، ويطوف أسبوعًا وحده وتنحل يمينه، قال: فما بات المستفتي ببغداد".
وقد شهد للجيلاني كثيرون من أهل زمانه والتابعون له، حيث قال فيه ابن تيمية: الشيخ عبد القادر ونحوه من أعظم مشائخ زمانهم أمرًا بالتزام الشرع، والأمر والنهي، وتقديمه على الذوق والقدر، ومن أعظم المشائخ أمرًا بترك الهوى والإرادة النفسية.
وقال الإمام النووي: ما علمنا فيما بلغنا من التفات الناقلين وكرامات الأولياء أكثر مما وصل إلينا من كرامات القطب شيخ بغداد محيي الدين عبد القادر الجيلاني، كان شيخ السادة الشافعية والسادة الحنابلة ببغداد وانتهت إليه رياسة العلم في وقته، وتخرج بصحبته غير واحد من الأكابر وانتهى إليه أكثر أعيان مشايخ العراق وتتلمذ له خلق لا يحصون عددًا من أرباب المقامات الرفيعة، وانعقد علية إجماع المشايخ والعلماء بالتبجيل والإعظام، والرجوع إلى قولة والمصير إلى حكمه، وأُهرع إليه أهل السلوك - التصوف - من كل فج عميق. وكان جميل الصفات شريف الأخلاق كامل الأدب والمروءة كثير التواضع دائم البشر وافر العلم والعقل شديد الاقتفاء لكلام الشرع وأحكامه معظما لأهل العلم مُكرِّمًا لأرباب الدين والسنة، مبغضًا لأهل البدع والأهواء محبا لمريدي الحق مع دوام المجاهد ولزوم المراقبة إلى الموت، وكان له كلام عال في علوم المعارف شديد الغضب إذا انتهكت محارم الله سبحانه وتعالى سخي الكف كريم النفس على أجمل طريقة. وبالجملة لم يكن في زمنه مثله.
قال الإمام العز بن عبد السلام: إنه لم تتواتر كرامات أحد من المشايخ إلا الشيخ عبد القادر فإن كراماته نقلت بالتواتر.
قال الذهبي: الشيخ عبد القادر الشيخ الإمام العالم الزاهد العارف القدوة، شيخ الإسلام، علم الأولياء، محيي الدين، أبو محمد، عبد القادر بن أبي صالح عبد الله ابن جنكي دوست الجيلي الحنبلي، شيخ بغداد.
قال أبو أسعد عبد الكريم السمعاني: هو إمام الحنابلة وشيخهم في عصره فقيه صالح، كثير الذكر دائم الفكر، وهو شديد الخشية، مجاب الدعوة، أقرب الناس للحق، ولا يرد سائلا ولو بأحد ثوبيه.
قال الإمام ابن حجر العسقلاني الكناني: كان الشيخ عبد القادر متمسكًا بقوانين الشريعة، يدعو إليها وينفر عن مخالفتها ويشغل الناس فيها مع تمسكه بالعبادة والمجاهدة ومزج ذلك بمخالطة الشاغل عنها غالبا كالأزواج والأولاد، ومن كان هذا سبيله كان أكمل من غيره لأنها صفة صاحب الشريعة صلى الله علية وسلم.
قال عنه محيي الدين ابن عربي: وبلغني أن عبد القادر الجيلي كان عدلًا قطب وقته.
توفي الإمام الجيلاني ليلة السبت 10 ربيع الثاني سنة 561 هـ، جهزه وصلي عليه ولده عبد الوهّاب في جماعة من حضر من أولاده وأصحابه، ثم دفن في رواق مدرسته، ولم يفتح باب المدرسة حتى علا النهار وهرع الناس للصلاة على قبره وزيارته، وبلغ تسعين سنة من عمره.