تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
بإصرار وعناد غريبين يحاول البعض كسر عنق الحقائق وتصدير الأخبار للناس بما يوافق أهواءهم الكاذبة، انتشرت تلك الظاهرة وترسخت، حتى إن الحقيقة المجردة صارت تسير بين الناس وهى فى خجل بائس من سطوة اللوبيات التى تتشكل يوميا دفاعاً عن مصالح مشبوهة.
يطير الخبر الملغوم من الواقع الافتراضى فى عالم الفيسبوك ليحط بهدوء على صدر الصفحات الأولى لبعض الصحف، فيتداوله الناس كحقيقة، ليتوقف العمل وتفتر حماسة الناس وينتشر الإحباط بينهم من مفعول سموم الخبر الملغوم، بل وتصل النتائج الضارة فى بعض الأحيان إلى ترسيخ التشكك فى طبيعة المرحلة التى تعيشها بلادنا الآن، من مرحلة إعادة بناء إلى مرحلة إعادة إنتاج الفساد.
يحرص لوبى الشائعات على نسج أخباره الفاسدة بحرفية عالية، حيث يأتى بطرف خيط حقيقى لينسج منه أوهاما وأكاذيب إسطورية خادعة فى مكر شديد، حتى إن الراغبين فى التصحيح والتدقيق يواجهون مصاعب جمة من تشابك تفاصيل الحواديت الكاذبة.
أسوق فى هذا الإطار ما كتبه البعض عن تحويل صاحب دكان حقوقى ممول إلى التحقيق تحت زعم أنه تقدم بمشروع قانون لمناهضة التعذيب، وكأن بلادنا تتستر على التعذيب وراضية به، وأن الهلالى الممول قد شق الفضاء دفاعا عن أمان الناس، والمتابع لتلك القصة السخيفة سيعرف أنه لا مشكلة على الإطلاق من اجتهاد سين أو صاد فى التقدم بمشروعات قوانين، وأن التحقيق المزعوم يتم مع قضاة خالفوا مقتضيات عملهم الوظيفى، ونزلوا من جلال منصة القضاء ليشاركوا فى ورشة عمل يقودها الأخ أبوزيد الممول، وأن القضاة بتصرفهم هذا أساءوا لأنفسهم قبل إساءتهم لعملهم.
إذن نحن هنا فى موضوع مختلف تماما عن ما حاول تصديره بعض الصحف ولوبى الشائعات الفيسبوكى، ومن خلفهم إعلام الإخوان المسموم، أما الأكثر غرابة من تلك القصة هو أنه لو حاول واحد من الناس اللجوء لنقابة الصحفيين أو النيابة العامة، مطالبا بمحاسبة فرقة جوبلز الإعلامية، تقوم الدنيا زاعقة فى وجهه بكلمات صارت ممجوجة من نوعية مصادرة الرأى وكبت الحريات.
ومن الأساطير التى شهدت رواجا مسعورا خلال الأيام القليلة الماضية، تلك الأسطورة التى حاولت النيل من سمعة القضاء، بقولها إن القضاء المصرى قضى ببراءة الضابط قاتل السلفى السكندرى سيد بلال، بينما الحقيقة هى أن الضابط المتهم الرئيسى فى القضية يقضى الآن عقوبة السجن بحكم نهائى بات، وأن الضابط الذى تمت تبرئته كان مجرد واحد من المتهمين لم تثبت عليه أى جريمة، هنا بالفعل تلبيس إبليس للحوادث على الأرض، هنا جرائم ممنهجة يرتكبها الكاذبون ذيول الإخوان تجار النضال وسماسرة الدم والإحباط.
لذا نؤكد على بديهية، هى أن الفاسدين ليسوا فقط لصوص المال العام ونهابي الأراضي، ولكننا الآن نرى فسادا جديدا من النوع الردىء وهو فساد الأدمغة وتجارة النضال الكاذب، والفساد الذى تطورت أشكاله وصوره، أنتج لنا فى هذا الزمان الجهلة الذين يتفاخرون بجهلهم، وها نحن نرى نشوة فاسدى الذمم ناشرى السموم بين الناس، نراهم على الشاشات أحيانا فى ملابس أنيقة وكلام عفن.
وبالمناسبة، لم يقتصر ميدان تلك الحروب على بعض الصحف الخاصة التى تلعب بوضوح مع أجندة ممولها، ولكن ينتقل الميدان تدريجيا إلى الصحف المملوكة للدولة، حيث داهمتنا مجلة نصف الدنيا الصادرة عن مؤسسة الأهرام بتوديعها لإرهابى مات ووصفته بـ«عريس السماء»، ومن قبلها جريدة الأهرام الأم التى أكد واحد فيها على وصف النيابة العامة بأنها «نيابة الانقلاب»، وكأنه قدر علينا أن تتم إهانتنا كشعب مرتين، الأولى هى بيع الأكاذيب لنا، والثانية هى أننا نحن من يدفع رواتب هؤلاء الكاذبين، ولكن على كل حال ثقتى كبيرة فى أن دوام الحال من المحال، وأن كل من تجاسر واختار لعبة الشائعات والدم سوف يدفع الثمن قريبا، وليس قريبا فقط، ولكنه قريب جدا.