تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
قبل أيام خرجت دار الإفتاء علينا بخبر جديد من علوم الفقه، تنبئنا فيه بأن التعددية الحزبية وتداول السلطة لا يخالفان شرع الله، وأن الدين الحنيف لم يفرض نظاما سياسيا بعينه، لذلك فإن تعدد الأحزاب وتنوع مشاربها أمر جائز شرعا ولا حرمة فيه.
لا أعرف بالضبط ما المناسبة التى بسببها خرجت تلك الفتوى، وإن كانت دار الإفتاء أوضحت فى بيانها أنها أرادت الرد على ادعاءات المتشددين وصلف المتطرفين الذين يعتقدون أن الإسلام جاء بنظام سياسى بعينه، لكن هل حقا هذا ما أرادته المؤسسة صاحبة الفتوى؟!
لا أظن ذلك، فمثل تلك الادعاءات ترددها جماعات الإسلام السياسى منذ عقود، أى أنه لا جديد فى الأمر، هل هى إذن تخاطب بتلك الفتوى ملايين المصريين الذين سبقوها، والأزهر فى رفض أكذوبة الإسلام السياسي؟!
أظنها كذلك، دار الإفتاء المنتمية بطبيعة الحال لمؤسسة الأزهر لديها رغبة محمومة فى التأكيد على أنها والأزهر الآمر الناهى فى كل تفاصيل حياتنا بما فى ذلك شكل النظام السياسى الذى فرضه واقع التطور الحضارى والإنسانى، وهو أمر بعيد الصلة عن الدين والفقه المرتبطين به حتما.
إن مؤسسة الأزهر تسعى من وراء مثل هذه الفتاوى لاستحضار مصطلح السياسة الشرعية الذى يحاول مدعو العقلانية والسلمية من جنرالات الإسلام السياسى ترويجه لتبرير كل جرائمهم وفظائعهم، إلا أن الأزهر يستفيد من استحضاره محاولة فرض رؤيته فى صياغة شكل ومستقبل هذا الوطن، وبالطبع لا تقف عناصر الجماعة الإرهابية الممسكون بمفاصل الأزهر بعيدا عن هذه المحاولة، لاسيما أن المزاج السائد لدى شيوخه إخوانيا كان أو سلفيا أوهابيا.
الأخطر فى هذه الفتوى وتوقيت إصدارها أنها تعبير واضح عن حجم المقاومة داخل المؤسسة الدينية للرغبة المجتمعية بضرورة تجديد الفكر والخطاب الدينى، وهو المطلب الذى حمله رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسى على عاتقه، فليس من الضرورى أن يخرج الناس فى مظاهرات ترفع مطلب تجديد الخطاب الدينى، لكن كانت ثورتهم ضد الدولة الدينية وحكم الإسلام السياسى أكبر تجسيد لحاجتهم للتجديد والتغيير بنقل ثورتهم على حكم المرشد إلى داخل الأزهر، لتنطلق ضد ما ينتجه من فكر وخطاب متخلفين لم يعدا ملبيين لمتطلبات التطور وشروط التقدم.
ولا يمكن افتراض حسن النية فى مثل هذه الفتوى، بينما يواصل بعض شيوخ الأزهر ارتكاب أبشع جريمة فى حق قيم المواطنة بالإفتاء فيما نظمه الدستور والقانون بالنسبة لعلاقة المواطن مع مؤسسات الدولة، فعلى سبيل المثال، أفتى الدكتور على جمعة مفتى الديار المصرية السابق مؤخرا بحرمانية الاقتراض من البنوك، بهدف غير إقامة المشروعات تحت إشراف البنك المقرض، وهى الحالة الوحيدة التى أجاز فيها حصول المواطن على قرض، معتبرا الفائدة هنا مقابل إشراف البنك على المشروع المقترض من أجله، وهو هنا يتجاوز فى حق القانون الذى لم يجرم هذا الإجراء، كما أنه يتجاهل حقيقة أخرى، وهى أن الاقتراض من البنك بهدف شخصى مثل سداد دين أو الزواج أو شراء سيارة يفرج كربة عن المقترض، وعدم وجود البنك فى هذه الحالة يفتح الباب أمام المقرض الفرد لا المؤسسة، حيث يقع المحظور بتفشى ظاهرة المرابى وما قد ينتج عنها من جرائم مجتمعية، بينما البنك بصفته مؤسسة مالية حمى المجتمع من تلك الأمراض.
وكان بإمكان الدكتور جمعة انتظار مجلس النواب القادم ليتقدم بتشريع لا يجيز الحصول على القروض الشخصية من البنوك بدلا من الطعن فى هيبة الدولة بتحيير المواطن بين القانون والفتوى.