السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

العقل التقليدي مقدمة للعقل الإرهابى!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

اأفتى شيخ سلفي اسمه “,”محمود شعبان“,” على شاشات التليفزيون بشرعية قتل زعماء جبهة الإنقاذ، وفي مقدمتهم الدكتور “,”البرادعي“,” و“,”عمرو موسى“,” و“,”حمدين صباحى“,”؛ لأنهم خرجوا على الحاكم! وطبقًا لتفسيره المتهافت للحديث النبوي الشريف الذي قرأه من صحيح مسلم بتحقيق النواوي ادعى أن هذا هو حكم الشرع.
وتبين مما نشرته الصحف أن هذا الشيخ المتطرف الذي لا يفقه شيئًا من أمور دينه هو أستاذ للبلاغة في جامعة الأزهر.
ومعنى ذلك أن هذا الشيخ وأمثاله هم الذي يصوغون عقول الناشئة من طلبة الأزهر، وذلك في حد ذاته كارثة تعليمية وثقافية.
والواقع أنه سبق لي في دراساتي عن التطرف والإرهاب المنشورة منذ عدة سنوات أن حددت سمات العقل التقليدي الذي يميل إلى المحافظة والتشدد، والعقل العصري والذي هو خطاب عقلاني يتبنى عادة رؤية نقدية بصيرة للفكر والمجتمع والعالم.
وهذا التمييز بين “,”العقل التقليدى“,” و“,”العقل المعاصر“,” سجلته منذ أكثر من عقد من السنين، ومنذ ذلك التاريخ جرت تحت الجسر مياه كثيرة. فقد استفحلت ظاهرة الإرهاب، وانتشرت في البلاد الإسلامية والعربية، بالرغم من اختلاف النظم السياسية.
وهكذا، أصبحنا في مجال العلم الاجتماعى، المهتم بالعنف والإرهاب لتحديد الأسباب وبيان استراتيجيات المقاومة، لسنا أمام العقل التقليدي، ولكن أمام ما يمكن أن نطلق عليه “,”العقل الإرهابي“,”. وبعد تأمل طويل في مسيرة الإرهاب الذي تمارسه الجماعات المتأسلمة (أي التي ترفع زورًا وبهتانًا إعلام الإسلام والدفاع عنه)، على وجه الخصوص، والتي يمكن أن يكون تنظيم “,”القاعدة“,” نموذجها الأبرز، ندرك أن “,”العقل التقليدي“,” هو الذي يمهد الطريق لنشأة “,”العقل الإرهابي“,” الذي يدفع صاحبه للعمل الإرهابي. وذلك لأن العقل التقليدي يتسم أساسًا بأنه ينطلق من رؤية مغلقة للعالم. وفي تقديرنا فإن مفهوم “,”رؤية العالم“,”، والذي أصبح من المفاهيم الرئيسية في التحليل الثقافي، هو مفتاح فهم الأسباب الحقيقية للإرهاب.
وكما أشرنا سابقًا، لا يمكن الارتكان للمنهج الاختزالي الذي يحصر أسباب الإرهاب في الفقر أو القهر السياسي. وذلك لأن إرهابيين عديدين ينحدرون من أصول طبقية غنية، بالإضافة إلى أنه ليس كل مواطن عربي يخضع للقهر السياسي يمكن أن يتحول – هكذا ببساطة - إلى إرهابي. التفسير يكمن في أن هناك جماعات تتولى غسيل مخ الشباب على وجه التحديد، وتمدهم برؤية تقليدية متزمتة للعالم. وإذا كان التعريف المعتمد لرؤية العالم يتضمن النظرة للكون والمجتمع والإنسان، فإن هذه الجماعات لديها نظرياتها وشروحها الدينية التي تنظر للكون والمجتمع والإنسان نظرات خاصة. وربما كانت نظرية “,”الحاكمية“,” التي تذهب إلى أن الحاكمية لله وليست للبشر، بالإضافة إلى تكفير المجتمع العربي والإسلامي، ونعت المواطنين بأنهم منحرفون عن مقاصد الدين الحقيقية، بالإضافة إلى الكراهية العميقة للأجانب باعتبارهم كفارًا وملحدين، وأنهم يشنون حربًا صليبية ضد دار الإسلام، مما يدعو إلى الجهاد ضدهم، هي الملامح الرئيسية لرؤية العالم التقليدية المتزمتة، والتي تمثل المقدمة الضرورية لتشكيل “,”العقل الإرهابي“,”.
إن فكرة “,”العمل الإرهابى“,” ليست فكرة بعيدة عن نطاق العلم الاجتماعي المهتم بدراسات العنف والإرهاب، فمفهوم “,”العقل الإرهابي“,” يُستخدم بكثرة في الكتابات العلمية التي تحاول تأصيل أسباب الإرهاب. ومن بين المقالات المهمة في هذا الإطار مقال للفيلسوف الفرنسي الشهير “,”بودريار“,”، وهو من رواد حركة ما بعد الحداثة، بعنوان “,”عقل الإرهاب“,”، وآخر للكاتب الفرنسي المعروف “,”آلا ن مينك“,” بعنوان “,”إرهاب العقل“,”. ومن ثم، فإن مفهوم “,”العقل الإرهابي“,” للدلالة على عقل خاص له سمات فارقة تميزه حتى عن العقل التقليدي والعقل العصري، ليس بعيدًا عن لغة العلم الاجتماعي المعاصر.