الثلاثاء 22 أكتوبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

نظرية المؤامرة التي دمرت العقل العربي والإسلامي؟!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

§ كتبت وتحدثت كثيرا ً عن “,”نظرية المؤامرة“,” التي دمرت العقل العربي والإسلامي طويلا ً، فالمؤامرة موجودة وخاصة في مجالات السياسة والعلاقات الدولية، ولكنها لا تحرك الكون ولا تصنع الأحداث ولا تأتي بالنصر لفريق ولا تصيب بالهزيمة آخر، فمن أخذ بأسباب النصر انتصر حتى لو لم يكن مسلما ً، ومن أخذ بأسباب الهزيمة انهزم حتى لو كان مؤمنا ً صالحا ً .
§ فلله في خلقه وكونه سنن لا تتبدل ولا تتغير، ولا تجامل مؤمنا ً لإيمانه، ولا تتأخر عن العمل بالنسبة لغير المسلمين، وكما قال ابن تيمية: “,”إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا يقيم الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة“,” .
§ وكما قال عمرو بن العاصي وهو يصف الروم: “,”وامنعهم من ظلم الملوك“,” وهذا ما نراه اليوم في البلاد الأوروبية والأمريكية، حيث إن حكامهم لا يظلمون شعوبهم حتى وإن ظلموا غيرهم.
§ وكنت آمل أن يودع العقل العربي والإسلامي نظرية المؤامرة إلي غير رجعة، ويعمل بدلا ًمنها بفقه السنن الكونية، وفقه المراجعات، وفقه سنن النفس البشرية، وسنن التدافع، وفقه المصالح والمفاسد، وفقه المآلات والنتائج، ولكني كنت واهما ً حينما تصورت أن الأجيال الجديدة من الشباب المصري والعربي ستترك هذه النظرية .
§ فقد ذهلت حينما وجدت الكثيرين ممن تناقشت معهم يعزون مذبحة جنود الأمن المركزي الذين قتلوا غيلة وغدرا ً في سيناء إلي تدبير الجهات الأمنية المصرية، وأنها فعلت ذلك لتغطي على مذبحة أبي زعبل، والتي قتل فيها 36 من السجناء الإسلاميين ظلما وعدواناً في أبي زعبل، وكأن مذبحة هؤلاء الجنود هي أول مذبحة تحدث من جماعات التكفير بسيناء، وبعضها تم في عهد د. مرسي، مثل مذبحة رفح التي قتل فيها التكفيريون 16 جنديا ً من الجيش، ومثل خطفهم لـ 7 جنود من الأمن المركزي، فضلا ً عن أكثر من سبعين عملية قام بها التكفيريون في سيناء منذ ثورة 25 يناير.
§ لقد ذكرني ذلك بالذين قالوا إن الحكومة هي التي قتلت الشيخ الذهبي لتغطي علي سرقات آخرين في وزارة الأوقاف، أو إن مبارك هو الذي قتل المحجوب لأنه كان يعارضه، وإن المخابرات الأمريكية هي التي قتلت السادات لأن دوره قد انتهى، وإن الموساد هو الذي قام بأحداث 11 سبتمبر، وإن حرب أكتوبر هي تمثيلية قام بها السادات بالاتفاق مع أمريكا وإسرائيل، ولست الآن بصدد مناقشة كل حدث من هذه الأحداث بالتفصيل، رغم أنني قابلت صناع بعض هذه الأحداث وحكوا لي تفاصيلها .
§ إننا نعيش اليوم حالة سيئة من الإنكار المتبادل، فالحكومة تنفي مسؤوليتها عن مذبحة رابعة وأبي زعبل، والإسلاميون ينفون مسؤوليتهم عن مذابح الجنود في سيناء، وعن مذبحة كرداسة، وحرق الكنائس ومحافظتي الجيزة والبحيرة، وكأن العفاريت نزلت من السماء فقامت بذلك كله.
§ إن نظرية المؤامرة التي تنفي المسؤولية تماما ً عن الجميع لتضعها دوما ً على عاتق أجهزة المخابرات المحلية والعالمية، تريح العقل الإسلامي من عناء التفكير المنطقي في الأمور، وتحد من قدرته على حل المشكلات، وتحول بينه وبين التفكير المنطقي في المشكلة، والتحليل السليم لأسبابها كمقدمة للوصول إلي المخرج السليم والحل الصحيح لها .
§ إن المعنى الحقيقي لنظرية المؤامرة هو إلغاء إراداتنا، بل وكل الإرادات سوى إرادة أجهزة الاستخبارات المحلية والدولية، إنها تعني تعليق كل الأخطاء والسلبيات على شماعة المؤامرة الأمريكية الصهيونية الإمبريالية العلمانية، وكأنه لا دور لنا في أي شيء، أو كأننا لم نخطئ في شيء قط، وكأن كل مآسينا وإخفاقاتنا ليست من صنع أيدينا، بل من صنع خصومنا وأعدائنا، إنها تعني أن نتجاهل دوما ً أخطاءنا الاستراتيجية ونعلقها على شماعة الآخرين.
§ فلماذا نصحح فكر التكفير أو نرفع الغطاء الشرعي والسياسي عن تكفيري سيناء، ما دامت الأجهزة الأمنية هي التي تذبح الجنود وهي التي تصطنع الأزمة تلو الأزمة والتفجير تلو التفجير.
§ لقد تسللت نظرية المؤامرة من التيار اليساري الاشتراكي إلي العقل الإسلامي، الذي أعجب بها ووجد فيها طوقا للنجاة من كل خطأ يقع فيه، أو كل أزمة تحدث له، فالخطأ دوما عند الآخرين.
§ مع أن المتأمل للقرآن يجده قد ذكر سنتين للتغيير، وهما :
§ 1- سنة التغيير السلبي: وذلك في قوله تعالى: “,”ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ“,”
§ 2- سنة التغيير الإيجابي: وذلك في قوله تعالى: “,”إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ“,”
§ ويؤسفني أن أقول في الختام، إن أول من اخترع نظرية المؤامرة هو فرعون، الذي قال لسحرته حينما آمنوا بسيدنا موسى: “,”إِنَّ هَـذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ“,”.
§ فأرجع إيمانهم بالآيات إلى مؤامرة صنعها نبي الله موسى معهم، مع أن هذا مخالف للحقيقة، لقد أراح نفسه بهذه النظرية من التفكير بحق في رسالة سيدنا موسى والإيمان بها، ألم أقل لكم إن نظرية المؤامرة تريح العقول مؤقتا ً لنقع بعدها في كارثة تلو الأخرى ؟!.