الوضوح القليل هو الملمح الأساسى لسياسات الولايات المتحدة الخارجية في العالم وفى الشرق الأوسط بالذات، ولعل آية ذلك ما يرتبط بتوجهات واشنطن إزاء الصراع الدائر في سوريا، إذ كانت أمريكا لاعبًا أساسيًا في محاولات هدم النظام السورى ضمن مؤامرة الربيع العربى الكبرى التي شملت عددًا كبيرًا من الدول (الوطنية) في المنطقة، ولكنها عادت لترسل إشارات متناقضة عديدة في الآونة الأخيرة، ربما كانت ذروتها تصريحات جون كيرى وزير الخارجية الأمريكى منذ أسابيع التي ذكر فيها أن واشنطن على استعداد للتفاوض مع الأسد، الأمر الذي أثار ضجة كبيرة وانتقادًا خليجيًا واسع النطاق على نحو دفع الأمريكان إلى التراجع الفوري.
وقد كان ذلك التصريح نهاية ماراثون طويل بدأته الولايات المتحدة مهددة سوريا بتوجيه ضربة عسكرية، ومحركة أربعا من القطع البحرية، ضمنها طرَادان إلى شرق البحر المتوسط، وهو ما استنفر روسيا وأسطولها، وأدى إلى تصعيد لهجة خطاب موسكو إلى درجة خطيرة، ما دفع الولايات المتحدة الأمريكية كذلك إلى التراجع والإعلان عن اقتناعها بالحل السياسي الذي ساندته موسكو، والذي تم إقراره في مؤتمر جنيف(١).
وقد ازدادت مواقف واشنطن تعقيدًا وتناقضًا وارتباكا بتوقيعها اتفاق الإطار مع إيران في لوزان منذ أسابيع حول الملف النووي، الأمر الذي أدى إلى اهتزاز حقيقى في علاقة واشنطن بدول الخليج، وبما دفع الرئيس الأمريكى باراك أوباما إلى عقد قمة كامب ديفيد الأخيرة مع دول مجلس التعاون الخليجى ومحاولة طمأنتها.
ولكن الإشارات الأمريكية تظل متناقضة بما لا يقاس، وربما أختار منها هنا مثلين وقعا مؤخرًا، أحدهما جاء على لسان جون ألن، منسق التحالف الغربى ضد داعش، الذي كان في زيارة إلى تركيا، اجتمع فيها بمسئولى وزارة الخارجية في أنقرة، وطمأن في ذلك السياق تركيا إلى أن الولايات المتحدة تسعى إلى اتفاق لا يشمل بقاء الأسد، الذي فقد شرعيته للحكم، كما أن أوضاع سوريا تحت حكمه أدت إلى ظهور واستشراء تنظيم داعش، وبصرف النظر عن أن الولايات المتحدة هي التي قامت بتصنيع داعش وأطلقته مسعورًا عقورًا في المنطقة، وأن تركيا التي تقوم بتدريب داعش وتسليحها تعلم ذلك حق العلم، فإن إدلاء جون ألن بتلك التصريحات في تركيا كان استمالة واضحة لتركيا التي تشترط عدم قيامها بعمل برى ضد داعش أو استخدام أراضيها كقاعدة للمعارضة السورية الأخرى (في ائتلاف الثورة والمعارضة وجبهة النصرة وجيش الفتح وأحرار الشام وألوية الفتح)، إلا بإسقاط نظام بشار الأسد، لأن وجود دولة قومية في سوريا يحول دون تنفيذ مخططها ببسط نفوذها وإحياء العثمانية أو المخطط الأمريكى بخلق هلال سنى بقيادة تركيا في مواجهة هلال شيعى بقيادة إيران، ومن ثم بدء طرح صراع مذهبى كبير يفضى في نهاية المطاف إلى التقسيم والتفتيت في الطبعة الجديدة من مشروع الشرق الأوسط الأوسع.
ولكن المدهش أن تصريحات جون ألن اقترنت بما كشفه منذ أيام ميخائيل بوجدانوف، المبعوث الخاص للرئيس الروسى فلاديمير بوتين للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ونائب وزير الخارجية، عن أن أمريكا أدركت أن بشار الأسد لا بديل عنه، وإذا سقط أو انتهى نظامه فسيقبض المتطرفون والإرهابيون والدواعش على الحكم.
هي معادلة بسيطة، عبر عنها كذلك أليكس بوشكوف، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الدوما الروسى، حين أكد أن الخيار واضح وهو بين (الأسد) و(داعش).
الولايات المتحدة إذن، وكما هو بائن من كلام بوجدانوف، فهمت أن الأسد يجب أن يبقي، بل إنه قال إنه سمع عديدا من المسئولين الأمريكان أن واشنطن تشعر أنها أضاعت كثيرًا من الوقت في كيفية تنفيذ اتفاقية جنيف، فيما القصة كان ينبغى أن تبدأ ببقاء الأسد.
إذن نحن أمام دولة مواقفها متناقضة إلى تلك الدرجة المروعة، فهى تعد الأتراك بإزالة الأسد، وتتعهد للروس ببقاء الأسد.
فإن تلك الدولة وإدارة أوباما المنحطة إما أنها مرتبكة وفاشلة إلى درجة لا تسمح لها بتكوين موقف مستقر ومستدام من القضايا الدولية الكبرى وعلى رأسها الشرق الأوسط، وإما أن واشنطن تخدع جميع الأطراف لتنفيذ مخطط سري آخر في الشرق الأوسط سوف تنكشف فصوله في الشهور المقبلة التي ستشهد المسعى الأمريكى لتنفيذ الطبعة المحدثة المزيدة والمنقحة من مشروع الشرق الأوسط الأوسع، بعد أن أسقطت ثورة ٣٠ يونيو العظمى الطبعة الأولى ودمرتها.
وقد كان ذلك التصريح نهاية ماراثون طويل بدأته الولايات المتحدة مهددة سوريا بتوجيه ضربة عسكرية، ومحركة أربعا من القطع البحرية، ضمنها طرَادان إلى شرق البحر المتوسط، وهو ما استنفر روسيا وأسطولها، وأدى إلى تصعيد لهجة خطاب موسكو إلى درجة خطيرة، ما دفع الولايات المتحدة الأمريكية كذلك إلى التراجع والإعلان عن اقتناعها بالحل السياسي الذي ساندته موسكو، والذي تم إقراره في مؤتمر جنيف(١).
وقد ازدادت مواقف واشنطن تعقيدًا وتناقضًا وارتباكا بتوقيعها اتفاق الإطار مع إيران في لوزان منذ أسابيع حول الملف النووي، الأمر الذي أدى إلى اهتزاز حقيقى في علاقة واشنطن بدول الخليج، وبما دفع الرئيس الأمريكى باراك أوباما إلى عقد قمة كامب ديفيد الأخيرة مع دول مجلس التعاون الخليجى ومحاولة طمأنتها.
ولكن الإشارات الأمريكية تظل متناقضة بما لا يقاس، وربما أختار منها هنا مثلين وقعا مؤخرًا، أحدهما جاء على لسان جون ألن، منسق التحالف الغربى ضد داعش، الذي كان في زيارة إلى تركيا، اجتمع فيها بمسئولى وزارة الخارجية في أنقرة، وطمأن في ذلك السياق تركيا إلى أن الولايات المتحدة تسعى إلى اتفاق لا يشمل بقاء الأسد، الذي فقد شرعيته للحكم، كما أن أوضاع سوريا تحت حكمه أدت إلى ظهور واستشراء تنظيم داعش، وبصرف النظر عن أن الولايات المتحدة هي التي قامت بتصنيع داعش وأطلقته مسعورًا عقورًا في المنطقة، وأن تركيا التي تقوم بتدريب داعش وتسليحها تعلم ذلك حق العلم، فإن إدلاء جون ألن بتلك التصريحات في تركيا كان استمالة واضحة لتركيا التي تشترط عدم قيامها بعمل برى ضد داعش أو استخدام أراضيها كقاعدة للمعارضة السورية الأخرى (في ائتلاف الثورة والمعارضة وجبهة النصرة وجيش الفتح وأحرار الشام وألوية الفتح)، إلا بإسقاط نظام بشار الأسد، لأن وجود دولة قومية في سوريا يحول دون تنفيذ مخططها ببسط نفوذها وإحياء العثمانية أو المخطط الأمريكى بخلق هلال سنى بقيادة تركيا في مواجهة هلال شيعى بقيادة إيران، ومن ثم بدء طرح صراع مذهبى كبير يفضى في نهاية المطاف إلى التقسيم والتفتيت في الطبعة الجديدة من مشروع الشرق الأوسط الأوسع.
ولكن المدهش أن تصريحات جون ألن اقترنت بما كشفه منذ أيام ميخائيل بوجدانوف، المبعوث الخاص للرئيس الروسى فلاديمير بوتين للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ونائب وزير الخارجية، عن أن أمريكا أدركت أن بشار الأسد لا بديل عنه، وإذا سقط أو انتهى نظامه فسيقبض المتطرفون والإرهابيون والدواعش على الحكم.
هي معادلة بسيطة، عبر عنها كذلك أليكس بوشكوف، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الدوما الروسى، حين أكد أن الخيار واضح وهو بين (الأسد) و(داعش).
الولايات المتحدة إذن، وكما هو بائن من كلام بوجدانوف، فهمت أن الأسد يجب أن يبقي، بل إنه قال إنه سمع عديدا من المسئولين الأمريكان أن واشنطن تشعر أنها أضاعت كثيرًا من الوقت في كيفية تنفيذ اتفاقية جنيف، فيما القصة كان ينبغى أن تبدأ ببقاء الأسد.
إذن نحن أمام دولة مواقفها متناقضة إلى تلك الدرجة المروعة، فهى تعد الأتراك بإزالة الأسد، وتتعهد للروس ببقاء الأسد.
فإن تلك الدولة وإدارة أوباما المنحطة إما أنها مرتبكة وفاشلة إلى درجة لا تسمح لها بتكوين موقف مستقر ومستدام من القضايا الدولية الكبرى وعلى رأسها الشرق الأوسط، وإما أن واشنطن تخدع جميع الأطراف لتنفيذ مخطط سري آخر في الشرق الأوسط سوف تنكشف فصوله في الشهور المقبلة التي ستشهد المسعى الأمريكى لتنفيذ الطبعة المحدثة المزيدة والمنقحة من مشروع الشرق الأوسط الأوسع، بعد أن أسقطت ثورة ٣٠ يونيو العظمى الطبعة الأولى ودمرتها.